إستقلال سورية على ضوء الحوادث السياسية الأخيرة


عندما بدأ سعاده عمله العظيم الذي لا يقاس بمقاييس أعمال عظماء الأمم الأخرى الذين وجدوا مادة متجانسة يشيّدون بها صروح تلك الأمم الفخمة، ووجدوا مؤسسات تسير على نظام راقٍ وتقدر على حمل الرسالة، في حين أنّ سعاده لم يجد شيئاً قط يصحّ الركون إليه سوى المواهب الكامنة في ذلك القسم من الناشئة الناعمة الأظافر التي لم تكن قد سممتها التعاليم الفاسدة ــــ عندما بدأ سعاده عمله العظيم، بماذا قابله «العاقلون والعارفون والكبار» من الشعب؟ بالاستهزاء والاستخفاف!

ولمّا وقف سعاده وأعلن أنّ تأسيس الحزب السوري القومي هو تأسيس دولة الشعب السوري المستقلة وبلغ الشعب والمفوضين الانتدابيين إعلان سعاده أوعزت الإرادة الأجنبية المتحكمة في مصير البلاد إلى عمالها من السوريين الذين باعوها أنفسهم ومصالح الأمة بثمن قليل بمحاربة «هذه الفكرة الممتلئة إثماً». ورأى النفعيون المتاجرون بالدين وبالمصالح القومية خطر الحركة على نفعيتهم فقاموا يظاهرون الإرادة الأجنبية على الحركة السورية القومية.
ولمّا أعلن سعاده أنّ إنشاء الدولة السورية القومية يعني التحرر من كل سلطة أجنبية قال عمال الأجانب والنفعيون والذين سممت روحيتهم الإذاعة الأجنبية: إنّ سعاده إلا مجنون. وأي إنسان غير مجنون يقدر أن يتصور أنّ في الأرض قوة تقدر أن تزحزح فرنسة قيد شبر عن سورية؟

وقالوا أشياء كثيرة غير ذلك منها: «إنّ سعاده يعرف أنه لا يمكن زعزعة فرنسة، ولكنه يخدم مصالح دولة أجنبية»، وبعضهم قال إنه مذياع لألمانية، وبعضهم قال إنه مذياع لإيطالية. ولكنهم كلهم عجزوا عن أن يجدوا لسعاده قولاً واحداً في غير مصلحة سورية أو في مصلحة دولة أجنبية، وللحزب السوري القومي عملاً واحداً في غير سبيل نهضة الأمة السورية واستقلالها. والحمد لله أنّ الحوادث الأخيرة أظهرت حق الحركة السورية القومية على باطل أعدائها وأعداء أنفسهم. فقد تبيّن الرشد من الغي وانقسم النفعيون والمنافقون في سورية وجواليها إلى قسمين: قسم باع نفسه ومصالح الشعب لهذا الفريق المحارب. وقسم باع نفسه وحقوق الأمة لذلك الفريق المحارب. قام هذان القسمان يتهم كل منهما الآخر بالمروق من الوطنية والخيانة ويبرر خيانته هو بحجج لا تدفع باطلاً ولا تغني عن حق.

أما الحزب السوري القومي فهو القوة الوحيدة التي نشأت من صميم الشعب السوري لتحقق استقلال سورية وسيادتها القومية.
وأما الذين قالوا، عن بساطة قلب، إنّ من الجنون التفكير بالنهوض في وجه فرنسة، فقد بلغ الجنون ببضعهم أن لبسوا الحداد حزناً على سقوط الدولة التي كانت تحسبنا شعباً منحطاً، مستعبداً لا يليق أن يحسب في عداد الشعوب البيضاء الحرة! وهم لا يزالون يحزنون على فرنسة من بعد ما جاءهم العلم على لسان وزير حربيتها الوهمية الحاضر، الجنرال هنتزغر، الذي عاش مكرماً عدة سنوات بين ظهراني الشعب الذي قام هو يسبّه من سدة وزارته المستعبدة ويقول إنه ليس شعباً أبيض حراً.
ليس هذا المجال مجال تسديد جميع هذه الحسابات الداخلية والخارجية فنترك ذلك لفرصة أخرى، ولكننا الآن نريد أن ننظر في حقيقة ما جرى في وطننا بين 8 يونيو/حزيران و12 يوليو/تموز الماضيين وفي قيمة التصريحات الصادرة من دول ومن شبه دول في ما له علاقة بمصير أمتنا ووطننا. وقد نشرنا في العدد السابق من هذه الجريدة معظم هذه التصريحات لكي تكون مستنداً للرأي العام في ما نريد قوله الآن.

إنّ نظرية سعاده في أنّ وطننا سيكون مسرحاً هاماً في هذه الحرب كانت نظرية صائبة مئة بالمئة. فموقع بلادنا الاستراتيجي وكمركز مواصلات هو من أهم المواقع في العالم. وسعاده قال إنّ هذه الأهمية تجعل بلادنا ذات قوة عظيمة إذا تولت الحكم فيها إدارة قومية تعرف كيف تحوّل موقع البلاد من عامل ضعف إلى عامل قوة. ولكن الأنانيات الحاسدة، الجامحة ملأت الدنيا ضجيجاً لكي لا يسمع الشعب صوت سعاده، وستأتي ساعة يخفت فيها ضجيجها.

تمتاز سورية في العصر الحاضر بأنها بلاد تضم عالمين مختلفين يزحم واحدهما الآخر ويتصادمان، ولا بدّ من سقوط أحدهما سقوطاً لا قيام له بعده. هذان العالمان هما: عالم النهضة القومية الذي رأى النور في سورية وأخذ يغذي أمم العالم العربي بمبدأ القومية الذي يعني مبدأ التقدم والارتقاء، وعالم التقاليد والرجعة الدينية والإقطاعية الذي أنشأ لنفسه منذ القديم حصوناً قوية في سورية يدافع فيها عن مبدأ الدولة الدينية، أو التيوقراطية، وينادي أمم العالم العربي للتشبّث به.

بين هذين المبدأين يجري الآن صراع هائل يتوقف على نتيجته، ليس فقط مصير سورية، بل مصير الشرق الأدنى العربي اللسان.
من هذين المبدأين تختار الدولة الاستعمارية جميعها مبدأ الرجعة الذي يعني الضعف والجهل والاستسلام ولا تعترف بالمبدأ القومي إلا كرهاً، أي متى بلغ المبدأ القومي أشده ولم تبقَ مندوحة عن الاعتراف به. ولكن ما دام هذا المبدأ الحيوي في مهده فالدول الاستعمارية حليفة لمبدأ الرجعة عليه، لأن في هذه المحالفة بلوغ غايتها الاستعمارية.
هذا التحليل الدراسي يجب أن يكون واضحاً عند جميع السوريين القوميين. والشواهد الآتية تثبت صحته.
نشبت الحرب الحاضرة بين ألمانية وإيطالية من جهة، وبريطانية وفرنسة من جهة أخرى، في نزاع شديد على مصالح أساسية لا يدركها إلا الخبراء. وكل فريق محارب مثل هذه الحرب لا يعلن مقاصده الحقيقية، بل يسترها وراء تصريحات مغرية يستفيد منها من يقدر على الاستفادة إلى الحد الذي تساعده ظروفه عليه.

وقد كانت تصريحات الفريقين المتحاربين مبهمة وذات صبغة عامة في البدء، فلم تتناول شيئاً يمكن أن يستفيد منه أحد. فكانت تصريحات دولتي المحور تدور على وجوب القضاء على حكم الأغنياء وتحكّم الدول الغنية في مصير الأمم، وعلى إيجاد مجال الحياة الكافي لتقدم شعبيهما. وكانت تصريحات بريطانية وفرنسة عودة إلى النغمة القديمة التي ملّها العالم وهي أنهما تحاربان في سبيل حرية العالم ومقاومة الطغيان والهمجية.

بعد قليل اكتشف الفريقان المتحاربان أنّ هذه التصريحات الإذاعية ليست كافية لتجد فيها الأمم الأخرى ما يغريها بقبولها. فأخذت إذاعة المحور تبشّر «بالنظام الجديد في أوروبة» الذي عزت إليه إمكانية تسوية المشاكل الاقتصادية والإتنية في تلك القارة. وقد وجدت فيها بعض الدول كالمجر وبلغارية ما يمكن الاستفادة منه، ووافقت هذه الإذاعة مطامح إسبانية أيضاً. وأخذت الإذاعة البريطانية تبشّر بوجوب إعادة الأمم الساقطة إلى سابق عهدها، ووجوب الإبقاء على الديموقراطية وعدم تبديل الوضع بالعنف. فوجدت فيها بعض الدول أو الشعوب ما يمكن الاستفادة منه.

ولكن ذلك أيضاً لم يكن كافياً. فيوجد خارج أوروبة مناطق وقوى يمكن أن يكون لها شأن في تعديل مجرى الحرب. ولكن هذا الشأن لا يمكن أن يكون إلا بتحريك الجماعات في هذه المناطق الهامة أو اكتساب تحبيذها أو رضاها.
في مقدمة هذه المناطق الهامة بعد أوروبة تأتي منطقتان في شرق المتوسط وجنوبه تلتقيان عند قناة السويس. الأولى من هاتين المنطقتين هي الآسيوية ومركزها سورية. والثانية هي الإفريقية وقاعدتها مصر. والشعوب العربية اللغة في هاتين المنطقتين لا تزال تعيش في عهد التقاليد القديمة والشعور الديني، كما بيّنا في مقالة سابقة (راجع العدد 21 من الحول الماضي وتاريخه 1 يونيو/حزيران 1941). (ص 218 ــــ 221 أعلاه).

في سورية فقط ابتدأت نهضة قومية صحيحة تقول بوجوب إنهاض الشعب السوري، وتحريره من الإقطاع وتعليمه مبادىء الحقوق المدنية، ووضع قواعد نظام جديد يقيم العدل الاجتماعي والاقتصادي، وتأسيس الدولة السورية القومية على هذا النظام. ومن ثم الاتجاه بالقوة السورية العظيمة المتولدة من هذه الحركة المباركة نحو الأقطار العربية لمساعدتها على النهوض القومي مثلها والاتجاه نحو الغاية عينها التي يمكنها أن تقرّب بين الأقطار العربية تقريباً غير إجباري، كما بسلطة خليفة يطمح إلى الملك على المسلمين، بل تقريباً اختيارياً بالإرادة الشعبية العامة، على قواعد المبادىء الاجتماعية والاقتصادية. وهذا التقرب الطوعي هو الطريقة العملية الوحيدة لنشوء جبهة عربية تعمل بتفكير الأقطار المؤلفة منها وبإرادتها.

ولكن هذه النهضة السورية القومية اصطدمت بعناصر التفكير الرجعي القائل بوجوب العودة إلى الدولة الدينية ليصير هذا المفتي أو ذاك المتعصب المسلم خليفة وأمير المؤمنين، مهما كانت حالة أولئك المؤمنين شقية أو سعيدة، وليصير هذا البطريرك أو ذاك المتعصب المسيحي رئيساً لدولة أو شبه دولة مسيحية، مهما كانت حالة أعضاء هذه الدولة ذليلة أو عزيزة.
هذا الاصطدام طبيعي، والتاريخ يعلّمنا أنّ تحويل مجرى حياة الأمم لا يكون بدون صراع بين دوافع الاتجاه الجديد وأثقال الوضع القديم.
قلنا إنّ الدول الاستعمارية تفضل حالة الاستمرار السابق، لأنها أفضل حالة لتحقيق المطامع الاستعمارية. ففي حالة بقاء الشعوب المقصود استعمارها في حالة تعصّب ديني بصرف قواها عن سبل الارتقاء القومي الاجتماعي والعمراني، تتسلط الإرادات الاستعمارية بأساليبها المتقنة تسلطاً مطلقاً. وفوق هذا وذاك فالدول المحاربة تريد أن تنتصر وتريد أن تؤمن انتصارها، قبل كل شيء آخر، بجميع الوسائل الممكنة.

لم يكن بدّ لهذه الدول من محاولة اكتساب ميل الشعوب في منطقتي البحر المتوسط المذكورتين آنفاً. والوسيلة لبلوغ هذه الغاية هي التي أظهر فعاليتها الاختبار السابق، اختبار الحرب الماضية، وسيلة التصريحات بالعطف على الشعوب العربية وتأييدها في مراميها الاستقلالية.
في الحرب الماضية كانت فرنسة وبريطانية أسرع الأمم إلى محاولة اكتساب ميل الأمم العربية ضد تركية. فأعطى سياسيوهما تصريحات كتحرير الأمم التي أضعفها التسلط الأجنبي. وذهبوا إلى أبعد من ذلك. ذهبوا إلى وعد السوريين والعرب وعوداً صريحة. وقد أعطت هذه التصريحات نتائج باهرة، فإن السوريين الذين لم يكن أمرهم منظماً ما كادوا يسمعون تصريحات البريطانيين والفرنسيين حتى مالوا معهم بدون تردد، ونفر قليل من نوابغهم في ذلك الوقت في مقدمتهم العلاّمة المرحوم الدكتور خليل سعاده الذي قال بوجوب الحصول على ضمانات أولاً، وقفوا ونادوا بالتروّي. ولكن الإذاعة الأجنبية كانت قد تسلطت وجميع السوريين المتعيشين من الصحافة أصبحوا رجال العقد والحل وأبطال الاستقلال. وكان عمل السوريين والعرب في الحرب الماضية أحد العوامل التي عجلت انكسار دول الوسط.
لم يفت ألمانية وإيطالية هذا الدرس، والظاهر أنهما صمّمتا على سبق بريطانية وحلفائها في هذا المضمار. وقد اختارتا لإعطاء تصريحاتهما وقتاً مناسباً جداً هو وقت اتجاه مجرى الحرب نحو شرق أوروبة الجنوبي والبحر المتوسط. وهذا الاختيار يدل على مهارة كبيرة.

إنّ إعطاء التصريح المشار إليه من جانب ألمانية وإيطالية معاً وفي وقت واحد يدل على أنه كان نتيجة خطة مقررة بين الدولتين المذكورتين ولغرض مختص بالإجراءات الحربية المزمعتين القيام بها في البحر المتوسط والشرق الأدنى.
إنّ الجملة الوحيدة في تصريح المحور، وقد نشرناه في العدد 12 ثم في العدد السابق، التي يمكن أن يكون لها شيء من الخطورة والقيمة المعنوية البحتة، هي هذه: «إنّ الأمم العربية، وهي تجاهد في سبيل هذه الغاية (الاستقلال) تستطيع أن تعوّل وتعتمد على عطف ألمانية التام (وإيطالية أيضاً)».

وقد قام عمال الإذاعة الألمانية والإيطالية السوريون يغرون الشعب السوري بالآمال البراقة التي يفتر عنها هذا التصريح. وقد علّقت عليه «الزوبعة» وعلى رأي أحد العاملين السياسيين الذي جرّد قلمه لتحبيذه وتأييده. ولا نزيد اليوم إلا أنّ هذا التصريح لا يفيد سوى تحريض أكثر الشعوب العربية على الانتقاض على بريطانية. ولكنه لا يعطي أية ضمانات حقوقية أو شرعية ولا يعيّن نوع «العطف» الذي تبديه الدولتان المصرحتان. وإطلاقه على جميع الأمم العربية، مع وجود بعض الشعوب العربية تحت السلطان الإيطالي الذي حوّل أملاك الطرابلسيين الغربيين والقيروانيين إلى أملاك خصوصية للمستعمرين الطليان، يجرّده من كل قيمة صحيحة تستطيع أية أمة عربية الاعتماد عليها.

قد يفيد هذا التصريح أنّ هنالك إمكانية لفتح مخابرات بين بعض الأمم العربية ودولتي المحور للوصول إلى ميثاق، إن لم يكن غرض التصريح مجرّد عملية إذاعية لأسباب حربية فقط. ولكن قرائن الحال لا تدل على أنّ لهذا التصريح غير هذا الغرض، وخصوصاً فيما يختص بسورية.
ثم كان أنّ وزير خارجية بريطانية صرّح في مجلس العموم في أواسط مايو/أيار الماضي أنّ الحكومة البريطانية تحبذ المطامح السورية الاستقلالية. وعاد فأكد هذا التصريح بتصريح آخر في خطاب ألقاه في 29 مايو/أيار الماضي. وقد أثبتنا تصريحه في العدد السابق من «الزوبعة» (ص 245 أعلاه).

لا يختلف تصريح وزارة خارجية بريطانية عن تصريح دولتي المحور إلا بتعيينه «المطامح السورية الاستقلالية» وهو اعتراف بوجود هذه المطامح عند الأمة السورية. أما بقية التصريح فلا تختلف عن التصريح المحوري إلا بنص العبارة، إذ يقول الوزير البريطاني إنّ مفكري العرب «وهم يسعون وراء هذا الاتحاد (الذي يقرّب الأقطار العربية بعضها إلى بعض) ينتظرون مساعدتنا» وهو يكاد يكون شبه جواب على تصريح الألمان والطليان بإمكان الأمم العربية الاعتماد على عطفهما. ويضيف الوزير البريطاني هذه العبارة الخطيرة «ويجب ألا يبقى نداء لأصدقائنا بدون تلبية». وهي كانت أول إشعار بأن بريطانية عازمة على اتخاذ خطوة جديدة في سورية.
كما كان التصريح المحوري سابقاً للإجراءات التي ظهرت طلائعها في انقلاب الحكم في العراق على يد رشيد عالي الكيلاني، كذلك كان تصريح وزير خارجية بريطانية سابقاً لزحف القوات البريطانية على شمال سورية. فغرض التصريحين واحد وهو: توليد تأثيرات نفسية موافقة للإجراءات الحربية.

وقد عقب تصريح وزير الخارجية البريطاني تصريحات الديغوليين القائلة إنهم يزحفون مع حلفائهم البريطانيين على منطقة الانتداب الفرنسي ليمثّلوا «فرنسة الحقيقية» في سورية، وقد اشتملت هذه التصريحات على وعد مؤيد بوعد بريطاني بتحقيق استقلال الشام ولبنان منفصلين أو مندغمين وعقد معاهدة تضمن هذا الاستقلال، حالما يتم احتلال كل المنطقة السورية الشمالية التي كانت مشمولة بالانتداب الفرنسي.

في 12 من شهر يوليو/تموز الماضي عقدت الهدنة بين القوات البريطانية وقوات فرنسيــي فيشي التي تسلمت بموجبها القوات البريطانية البلاد السورية الشمالية كلها. ولكن هذا التغيير العسكري لم يشمل وضعية البلاد السياسية. فهذه الوضعية لا تزال من الوجهة السياسية والشرعية على حالتها السابقة، وكل ما حدث أنّ القوات الجندية البريطانية حلت محل القوات الفرنسية، وأنّ الإدارة في البلاد انتقلت من أيدي فرنسيــي فيشي إلى أيدي «الفرنسيين الأحرار».
وقد صرّحت الحكومة البريطانية، بلسان رئيس الوزارة، بأنها لا ترمي إلى بسط سلطانها على سورية، وأنها لا تطمع في الاستيلاء على شيء منها. وهذا التصريح ليس موجهاً إلى السوريين، بل إلى الفرنسيين كتأكيد أنّ بريطانية لا تريد انتزاع شمال سورية من يد فرنسة، وقد فاه به رئيس الوزارة البريطانية، السيد تشرشل، في مجلس العموم في 15 يوليو/تموز الماضي بمناسبة إعلان التحالف البريطاني ــــ الروسي.

أما إشاعات استقلال سورية المبنية على التصريحات والحوادث الأخيرة، فالأوساط السورية القومية تعدّها «مجرّد إشاعات». وبعض تصريحات ذوي المصلحة الأجانب يفيد أنّ كل ما يمكن التفكير به من هذا القبيل إنما هو إقرار المعاهدتين السابقتين المعقودتين مع الشام ولبنان أو إيجاد معاهدة جديدة على نسقهما. والمعاهدتان المذكورتان تبعدان كل البعد عن تحقيق استقلال الشعب السوري وسيادة الأمة السورية.

ومن غريب ما يُلاحظ في تطور الحوادث الأخيرة أنّ الإدارة الفرنسة الجديدة أبقت الطقم الوظائفي كما هو، وعدّت الرجال السوريين، الذين وضعتهم حكومة فيشي فزّاعات جديدة، صالحين للتكلم باسم الأمة والمخابرة بهذه الصفة!
وسنعود في العدد القادم إلى هذا الموضوع.
هاني بعل

الزوبعة، بوينس آيرس،
العدد 25، 1/8/1941

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى