الآرامية

فاديا رستم

عرفت الآراميّة انتشاراً واسعاً في معظم الشّرق، بسبب سهولة أبجديّتها وصرفها ونحوها ومواكبتها تلك العصور الغابرة؛ حتى أنّ الباحثين عثروا على آثار وكتابات آراميّة في أقاصي آسيا الصغرى واليونان وأفغانستان والهند.

الخط المربّع الآراميّ:

الفرس أيضاً كتبوا به أيّام الإمبراطوريّة الفارسيّة؛ فهي كانت مترامية الأطراف، وكانت سورية إقليماً من أحد الأقاليم، بالإضافة إلى الأناضول ودوجانستان وأفغانستان ومصر، فكلّ هذه الأقاليم، وبأمر من داريوس الأول 520 ق. م، أصدر أمراً أنّ الّلغة الآراميّة هي لغة المراسلات والأدب والكتابة، لذلك تبنّتها وكان لها دعم، ولَم تفقد الآراميّة هذا السند إلّا عند سقوط الإمبراطوريّة الفارسيّة على يد الإسكندر 333 ق. م. لكنّ الّلغة لم تمت، فقد بقيت الّلغة اليونانيّة لغة البلاط ولغة العلم، أمّا خارج المدن فكانت الّلغة الآراميّة سائدة حتى قدوم السيد المسيح، فكان الشارع الفلسطينيّ يتكلّم بها.

اللغة العبرية هناك كانت فقط لغةً طقسيّة. يُؤرَّخ دخول الآراميّين إلى سورية في القرن التاني عشر قبل الميلاد، وأجمَعَ المؤرخّون إلى أنّهم كانوا قبائلَ متفرّقة منتشرة في الصحراء العربيّة لأسبابٍ مختلفة، منها الجفاف، سورية لم تكن سوريا الحالية (الشام) فقط، فكانت أيضاً فلسطين، لبنان والأردن.. ثُمّ أوجد الآراميّون لأنفسهم أبجديّةً خاصة سُمِّيت الخطّ المربّع الآراميّ، وهذا الخطّ بسبب الإضافات التي أضافوها إلى الأبجديّة الساكنة، أبجدية جبَيل. استفادوا من ثلاثة أحرف هي أحرف العِلّة الصوتيّة، فكانت هذه الأحرف في الأبجديّات الساكنة هي أحرف ساكنة، متل الواو والياء والألف.

حَرَّك الآراميّون الحرف السّاكن الذي قبل هذا الياء وهذا الواو، فصاروا يقولوا سُوق،  اجتمعُوا، غُيوم، لذلك أبجديّتها تفوَّقت على ما دونها من الأبجديات حتى الكنعانيّة والآشوريّة والبابليّة. كلّهم كتبوا بالخط الآراميّ المربّع حتى نبوءة دانيال وأشعيا وآرميا، وخمسة أجزاءٍ من التوراة كُتِبَت بالخط الآراميّ المربّع. أجمع المؤرّخون في دمشق أنّه صحيح أنّ الحرف الآراميّ المربّع أُثبتَ علمياً أنّه صُنِع في سورية، إلّا أنّ اليهود في فلسطين المحتلّة يستخدمونه أيضاً. أخذه الأحبار اليهود عن الآراميّة في سورية، وهم يستخدمونه إلى الآن. لا توجد إلّا طائفة صغيرة تكتب بالأبجديّة العِبريّة القديمة التي استخدموها في سنة 900 قبل الميلاد، هي طائفة السامريّين. أمّا هذا القلم الآراميّ المربّع الذي يعود إلى 600 -700 قبل الميلاد، أوجده الآراميّون. وبعد اجتماعٍ خاصٍّ مع لجنة مؤلّفة من قِبل جامعة دمشق لتدوين آراميّة معلولا، تبيّن لهم أنّ الفترة التي كانت تلائم الحرف الآراميّ أكثر هي فترة حياة السيّد المسيح، فكانت آراميّة تدمر، لذلك تمّ اعتماد الحرف التدمريّ، لأنّه وُجد قبل حياة السيد المسيح بسنواتٍ قليلة، وامتدّ حتى القرن الأول الميلاديّ.

للأسف، هناك أشخاص لم يقرأوا التاريخ، ولم يعرفوا التسلسل التاريخيّ لسورية، رأوا هذا الشّبه بالحرفِ الآراميّ المربّع مع ما يكتبه اليهود في فلسطين المحتلة؛ فإن كانوا أخذوه منّا واستعملوه، فهذا لا يعني أن نتخلّى عنه، لأنّه لنا. هذا ليس ملكاً لهم، فهم أخذوا منّا الكثير، وليس فقط حرفنا. ولكن، بالرغم من ذلك، نستطيع أن نستأنس بالحرف الآراميّ التدمريّ، و هو لا يختلف عن المعلوليّ إلّا بشكل بسيط جداً.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى