الآن فرصتكم!


كثيرون هم مواطنونا من أصحاب بضاعة الكلام، الذين يوجهون الآن إلى الحزب السوري القومي هذا القول: «اليوم يومكم، الآن فرصتكم»، وهم يعنون أنه لما كانت فرنسة وبريطانية قد انشغلتا بحرب طاحنة، وبما أنّ فرنسة قد سلمت ووقفت تنتظر نهاية الحرب، فالفرصة سانحة للقيام بحركة مسلحة تنيلنا الاستقلال.

بين الذين يقولون هذا القول نفر مخلص، ولكنه جاهل طبيعة العوامل الكامنة أو الفاعلة وراء كل حالة سياسية أو حربية. وبينهم نفرٌ من المستهزئين والمستهترين، الساخرين من شعبهم ومقدرته. وبينهم فئة من أعداء الحزب السوري القومي الألدَّاء ذوي النفسية اليهودية الذين حاربوا النهضة القومية وصلبوا قضية الشعب السوري، ثم وقفوا يقولون للحزب السوري القومي: «إذا كنت أنت حزب الشعب السوري فاظهر عجائبك فخلِّص الشعب الذي صلبناه بأيدينا!».
أما أنّ هذه الحرب قد قدَّمت فرصة جديدة لقضية سورية فهو ما كان قد رآه زعيم الحركة السورية القومية منذ سنتين. ولكن سنوح الفرص لا يكون شيئاً إيجابياً إلا إذا استتب له شرط أساسي هو الاستعداد والتأهب لاغتنامها، ولقد مرَّت في الحرب العالمية الماضية فرصة أعظم من هذه، ولم يمكن الاستفادة منها لغفلة الشعب وعماوة المتزعمين.

وإننا نوجه إلى المخلصين من القائلين «الآن فرصتكم» هذا القول:
إذا كنتم تتكلمون بإيمان وتقصدون حقاً إنقاذ أمتكم وتحرير وطنكم، فدعوا الكلام واقبلوا على العمل وبرهنوا أنكم جنس شريف يتضامن أفراده في مصلحته العامة، ويقدمون على الأعمال المجيدة. وإنّ قولكم «الآن فرصتكم» لا يفيد شيئاً لأنه تنبؤ بأمر قد حصل ورآه الناس طراً، ليس الآن وقت إدراك أنّ الفرصة سانحة. بل كان من اللازم إدراك دعوة سعاده إياكم إلى توحيد صفوفكم في النهضة القومية وتلبية ندائه لاغتنام الفرصة المقبلة الذي وجّهه إليكم بصورة علنية صريحة واضحة منذ سنة 1934، وهذه الفرصة التي تقولون أنتم الآن إنها موجودة هي الفرصة عينها التي تنبأ سعاده سنوحها منذ سنة 1930، ثم وجّه نداءه للتأهب لاغتنامها سنة 1934.

صحيح أنّ الفرصة سانحة ولكن هذه الفرصة ذات طبيعة معقدة بالأسباب الوضعية الداخلية والخارجية. فذيول «الاستقلال» الذي جلبه «الكتليون» للشام على صورة ورقة موقعة في باريس، وجلبه إميل إده وخير الدين الأحدب على الشكل عينه للبنان، وخدع الشعب في الوطن والمهجر بأن الاستقلال قد تمَّ، وأنّ الشعب قد نال أمانيه، ولم تبقَ حاجة لعمل الحزب السوري القومي. وذيول ثورة سنة 1936 في فلسطين وتدخّل «ملوك العرب» في تلك السنة لتجريد الثورة من سلاحها من أجل المساومات الموجودة بين أولئك «الملوك» وبريطانية العظمى، وحرب العصابات الصغيرة سنة 1937، إنّ الذيول النفسية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية لهذه الحوادث، مضافاً إليها تزاحم الخونة على خدمة المطامع الأجنبية في سورية، وعملهم الواسع باسم «العروبة» حيناً، وحيناً باسم «الوطنية» وطوراً باسم «الحرية» وتارة باسم «استقلال لبنان»، كل ذلك يجعل الحالة الداخلية معقدة تعقداً لا تكون مهمة سهلة محاولة اغتنام الفرصة قبل تخفيف قسم كبير منه.

وهذه الحالة الداخلية عينها تصعب الوجهة الإنترناسيونية من القضية السورية. ففي مثل هذه الحالة تطمع الدول الطامحة في اغتنام فرصة تضعضعنا الداخلي فتمد يدها في شؤوننا الداخلية وتصبح ذات شأن داخلي بواسطة عمالها ومذيعيها من خونة شعبنا. وهكذا تجد كل دولة ذات مطامع فينا ممثلة بنفر من «أصحاب المكانة» الروحية أو المادية في البلاد. فبريطانية لها عمالها «العروبيون» الذين يضربون على وتر «الامبراطورية العربية» بمساعدة بريطانية ولخدمة أغراضها.

وأهمها في هذه الحرب جمع كلمة الأقطار العربية ضد ألمانية وإيطالية. ومحور برلين ــــ رومة له عمال على نوعين: نوع عام يستخدم لغرض وحيد هو غرض القضاء على بريطانية العظمى وربح الحرب. فهذا النوع مكلف باستخدام خيال «الامبراطورية العربية» عينه الذي يستخدمه عمال بريطانية، والقصد منه حمل جميع الأقطار العربية على الانتفاض على بريطانية تحت ستار تحرير جميع هذه الأقطار وإنشاء «امبراطورية» منها وخيال الجامعة الإسلامية.

ونوع خاص هو النوع العامل في الشؤون الداخلية في سورية وغيرها ليهيىء للسياسة الإيطالية تنفيذ خططها الامبراطورية. ومنه فئة تعمل للسياسة الألمانية الاقتصادية. وتركية لها عمالها المنبثون في الأوساط السورية الذين يؤكدون «للأكثرية» أنّ الالتجاء إلى الحماية التركية هو خير حل وأفضل حالة تؤمنها من الوقوع فريسة لدول «كافرة»، وعمال فرنسة مشهور أمرهم، والسياسة المكلفون بتمهيد سبلها هي سياسة تفسيخ المنطقة المشمولة بالانتداب الفرنسي على أساس الدين وإثارة التعصبات الدينية.

ونقول للمستهترين والمستهزئين: إذا كنتم لا تؤمنون بنهضة، ولا تعتقدون بحقيقة شيء، فاخرسوا ولا تتكلموا، لأن الساعة التي ينقلب فيها كلامكم عليكم قد لا تكون بعيدة البعد الذي تتصورونه!
ونقول لأعداء الحزب السوري القومي ذوي النفسية اليهودية: إنّ فرصة إنقاذ الشعب منكم ومن نفسيتكم سانحة ولا مفرَّ لكم من الهلاك المحدق بكم!

إنّ صعوبات النهضة السورية القومية كثيرة وقد ذكرها الزعيم في خطابه أول يونيو/حزيران سنة 1935 ولكن هذه الصعوبات لن تحول دون الحركة السورية القومية.
أما ساعة العمل الفاصل فالذي أوجد البعث القومي يوجدها.
إنّ ساعة العمل هي الساعة التي يعلنها الزعيم، البصير بحالة الشعب ووضعية الأمم، الساهر على القضية القومية. فليعمل المخلصون الواثقون بمصير أمتهم الصالح وليترقبوا الساعة وهم عاملون!

الزوبعة، بوينس آيرس،
العدد 3، 1/9/1940

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى