الحزب القومي الاجتماعي حزب.. أجنبي!

ينشأ في بلادنا “حزب” أو كتلة أو شركة سياسية بالتواطؤ مع إرادات أجنبية معيّنة، وأحياناً بإيعاز دولة محتلة وتأييدها، وتكلف هذه الكتلة أو الشركة أو “الحزب” بالعمل للمصلحة الأجنبية المحتلة أو ذات النفوذ أو الطامعة في نفوذ أو في استعادة نفوذ مفقود، وتمنح المساعدات المادية والمعنوية للقيام بمهمتها، فتصير هذه الشركة أو الكتلة أو “الحزب” ذات حول وطول، لأنها “مسنودة من دولة قوية” ويشمّ المواطنون المحتاجون إلى المنافع والمتململون من ضيق نطاق العيش والحياة رائحة العطور الأجنبية فيسعون للتثبت من حقيقة الإمدادات والمساندة الأجنبية، حتى إذا تأكد لهم الأمر، التفوا يؤازرون “أرباب الهمم الوطنية” ودهاقنة السياسة القومية الذين اكتشفووا الحكمة التي أخفيت عن الحكماء والعقلاء وأعطيت للجهال!

ويخرج دهقان من دهاقنتنا السياسيين في مهمة أو في نزهة “للترفيه” فيزور بعض عواصم السياسة الإنترناسيونية كلندن واشنطن وباريس وموسكو. فيبلغ بدهائه النادر المثيل إلى صلة وثيقة مع أولياء الأمر هناك. فيوعزون إلى عمالهم، في هذا الوطن المنكوب بهم ـ وما أكثرهم في مدننا الكبيرة وعائلاتنا الشهيرة! ـ فتبتدىء الدعاوة المرتبة لذاك السياسي الوطني العظيم وتنثر، في سبيل الدعاوة له، أوراق المصارف ومنافع الشركات التجارية ومصالح الإدارات الوطنية. فيوقن الناس أنّ نجم السياسي العظيم طالع، وأنّ في تأييده والسير في ركابه ما يبشر بمنافع ومراكز وخير جزيل. فيصير أصحاب المنافع “شعباً” يمثّله الداهية السياسي الكبير.

المشكَّلة [حزب الكتائب] التي تنشأ في بلادنا للتعاون مع الإرادة الأجنبية ضد إرادة الأمة، وتعلن في مبادئها الأساسية أنَّ التعاقد والصداقة مع الدولة المحتلة هما أساس وجودها وغايته تسمى “منظمة وطنية عظيمة” وتصير حامية لبنان من أبنائه البررة الثائرين في وجه الاحتلال الأجنبي والإرادات الأجنبية.

والحزب الذي ينشأ من الشعب ـ من صميم الشعب ـ ليحمل آلام الأمة المجروحة في شرفها وكرامتها التي مزق الأجانب وطنها ويحارب حرب شرف الأمة وكرامتها، هذا الحزب يصبح خارجياً وأجنبياً لأنه لا ينعم بمساعدة أجنبية ولا يقدر أن ينثر أوراق مصارف مالية ذات اليمين وذات اليسار.

قال أحد الأفاضل الحكيمين لأحد أعضاء الحزب القومي الاجتماعي: “إسأل الزعيم إذا كان حاصلاً على مساعدة إنكلترة فإني أكون مستعداً لمؤازرته والعمل معه!”

بعض الأفاضل والحكماء يظنون أنّ للزعيم هذا المقدار من الحكمة والحنكة. ما أبعد هذه الظنون عن الحقيقة! إني أعرف بساطة الزعيم وجهله قواعد السياسة العملية التي تربى عليها أبناء أجيال عديدة من العبودية والذل والمسكنة، وهم يحملون شهادات الية فيها.

“السياسة العملية” الجارية في سورية، في هذه الدولة السورية الصغيرة، كما في الدول السورية الأخرى، هي سياسة الشركات والكتل والدهاقنة ـ هي السياسة التي تُصَيِّر المصالح القومية مصالح أجنبية والإرادة الأجنبية إرادة قومية!

إنّ الزعيم، في سذاجته السياسية، يزدري تلك السياسة العملية ويحتقر هذه الشركات والكتل وهؤلاء الدهاقنة العظام. إنه يحتقر الكثير من أرباب “السلطة الرابعة” في الدولة الذين أصبحوا من مهرة الغوّاصين في بحر تلك السياسة العملية. ومقابل ذلك هو يؤمن بالشعب إيماناً عظيماً ويعتقد أنّ تعاليمه القومية الاجتماعية ستولد وعياً حاداً في الأمة السورية، وأنّ وجدان الأمة سيتحرك، بل هو يقول إنّ الوعي قد ابتدأ، وأنه آخذ في الامتداد، وإنّ النهضة القومية الاجتماعية قد ابتدأت تزمجر، وإنّ النفوس النبيلة ستنتصر في الأخير على “السياسة العملية” ودهاتها ودهاقنتها.

متى صار الأجنبي صاحب الشأن الأول في البلاد، ومتى صارت الإرادة الأجنبية هي الإرادة القومية التي يرجع إليها دهاقنة “السياسة العملية”، صارت الإرادة القومية إرادة أجنبية وصار الحزب الذي يعبّر عن الإرادة القومية العامة حزباً أجنبياً!

مع ذلك فإنّ قوة خفية تدفعني إلى مشاركة زعيم الحركة القومية الاجتماعية إيمانه بالشعب وبانتصار الأجمل والأنبل والأعز على الأقبح والأرذل والأذل!

 كل شيء، بيروت،

العدد 94، 14/1/1949

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى