السياسة الخارجية – العقبة بين سورية والمملكة العربية


لسورية في أقصى الجنوب ميناء بحري، عظيم الخطورة التجارية والحربية، هو ميناء العقبة الواقع في داخل الخليج المعروف بهذا الاسم. ويقع هذا الميناء بحكم الوضع الجغرافي في أعمال شرق الأردن، وهو قريب من المملكة العربية [السعودية].

وقد اتجهت أنظار الملك السعودي إلى العقبة منذ زمن وحاول كثيراً أن يتفاهم مع بريطانية العظمى، لكي ترضى عن وقوعها في يده. ولسبب حربي هام فضلت بريطانية أن تبقى العقبة السورية ببقائها في إمارة شرق الأردن الضعيفة، وبقاء العقبة في امارة شرقي الأردن يلقي ستاراً على خطورة هذا الميناء المسيطر على خليج يعدّ أفضل كمين وملجأ للأسطول المستولي عليه. وقد اتجهت أنظار بريطانية العظمى في الآونة الأخيرة إلى العقبة وأخذ خبراءها يدرسون إمكانيات هذا الخليج الحربية، خصوصاً بعد أن استولت ايطالية على الحبشة ووصلت بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.

والظاهر أنّ لابن السعود مطامح سياسية تجعل استيلاءه على العقبة أمراً ضرورياً، وفوق ذلك فابن السعود لا يطمع فقط بالعقبة بل بسورية كلها. فهو يغدق الأنعام على عدد من الصحفيين في لبنان والشام وفلسطين. ويتجاوز أنعامه هؤلاء إلى عدد من السياسيين الرسميين وغير الرسميين وعدد من أساتذة المدارس، فيقوم هؤلاء بالإذاعة له باسم الوحدة العربية. ودعاته يتزاحمون من هذه الجهة مع دعاة ملك العراق وصنائع السياسة العراقية الذين ترى بعضهم يرتدي شعار العراق (الصدارة).

وقد قويت الدعاوة لابن السعود في سورية حتى أنّ كثيراً من السوريين أخذوا ينظرون إليه نظرهم إلى المنقذ المنتظر. ومما لا شك فيه أنّ هذه الإذاعة القومية لابن السعود تعتبر تمهيداً جديداً لفتح عربي سعودي لسورية.
ليست فكرة التوسع العربي خيالاً بل حقيقة تدعمها الحاجة المادية إلى موارد العيش. وابن السعود يرى أنّ مملكته تحتاج إلى موارد تثبتها ويليق بها الملك. فإذا لم تحصل على موارد جديدة لم تستطع الثبات في الأزمات السياسية والاقتصادية وآذنت بالتفكك والانهيار. وكما وجدت القبائل العربية لعهد النبي أغراضها المادية في الاتحاد في الإسلام، كذلك تجد القبائل العربية اليوم أغراضها المادية في العصبية الدينية الوهابية، فترمي إلى فتح جديد والاستيلاء على الأمصار المجاورة باسم الرسالة الوهابية المعادية للسنة والشيعة والتمدن المسيحي الإسلامي العام.

وبديهي أيضاً أنّ فكرة فتح عربي لا يمكن أن تتولد من نظرة فاهمة في الحاجة الاقتصادية والاستعمار، لأن العقل العربي لا يزال على حال من الفطرة بعيدة عن فهم العوامل النظامية المركبة. وهو أمر عرض له ابن خلدون في دراسته أحوال العرب وشؤونهم في مقدمته المشهورة. فله فيها فصل [السابع والعشرون] في أنّ العرب لا يقوم لهم ملك أو سلطة إلا بدعوة دينية من نبوّة وغيرها.

والأخبار الواردة حديثاً تفيد أنّ العصبية الوهابية تنذر الشعوب حول بلاد العرب بخطر حرب مداهمة. فجيوش ابن السعود تتجه نحو حدود شرق الأردن. وقد أحست إمارة شرق الأردن بالخطر المحدق فقامت جيوشها بمناورة على الحدود تمريناً لها على الدفاع.

إنّ الحالة من هذه الجهة خطرة فإذا ذهبت العقبة إلى المملكة العربية [السعودية] زالت من سورية إمكانيات حربية تجارية ضرورية جداً لها من حيث هي أمة ناهضة لها مصالح واسعة.

أنطون سعاده

النهضة، بيروت
العدد 2، 15/10/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى