الشعب في الوطن مع الحزب السوري القومي الاجتماعي

نشرنا في العدد الماضي خبر دخول مرشحين من الحزب السوري القومي الاجتماعي معركة الانتخابات النيابية في منطقة الشام وفوزهم فيها، وذكرنا أسماء بعض الفائزين. وقلنا في تعليقنا على الخبر المذكور إنه فوز محسوس للحزب السوري القومي الاجتماعي. فهو دليل على زيادة الميل عند الشعب إلى هذا الحزب ورجاله. ومتى ابتدأ رجال الحزب المنتخبون للنيابة يرفعون أصواتهم بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي قررها حزبهم فيشتد الانحياز إلى الحركة السورية القومية الاجتماعية أكثر فأكثر.

لم تقتصر بشائر التقدم والفوز القوميَّين الاجتماعيَّين على نتائج انتخابات منطقة الشام فقط بل تناولت منطقة لبنان أيضاً، التي لم نقف على تفاصيل الانتخابات النيابية التي جرت فيها إلا في أوائل شهر يناير/كانون الثاني الأخير، مع أنّ الانتخابات جرت في أواخر أغسطس/آب من السنة الماضية.

لم نتبين بين المرشحين والفائزين في انتخابات لبنان أسماء أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولكننا وقفنا على ما هو أهم من ذلك بكثير، نعني النتيجة السلبية الكبيرة للانتخابات في المنطقة اللبنانية.

لسنا ندري هل حدثت في لبنان، في الماضي، انتخابات نيابية أشد فتوراً وأقل أهمية من الانتخابات الأخيرة التي نتج عنها المجلس الجديد القديم ورئاسة الأستاذ بشارة الخوري ووزارة رياض الصلح. ولكننا نعلم أنّ هذه الانتخابات كانت باردة إلى درجة شديدة السفول. فقد أظهر الشعب في أهم الأنحاء اللبنانية إعراضاً واضحاً عن لعبة الانتخابات وتحزباتها الشخصية وتكتلاتها التنافسية وقابل حوادثها بلا مبالاة. وهذا دليل قطع الرجاء وحجب الثقة عن السياسيين العتيقين الذين خبرهم الشعب في أدوار الانتداب الفرنسي، وملّ وعودهم وصياحهم وصخبهم، ويئس من إمكان وضعهم المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة الضيقة، وفقد كل أمل بإحداث تغير جوهري على يدهم في دور الاحتلال البريطاني.

هذه الحقيقة تظهر بجلاء في فقرات أخبار مصدر مشهور بولائه لكل حالة جديدة في لبنان. وهذا المصدر هو جريدة الهدى التي تصدر في نيويورك. فقد أرسل مراسل تلك الجريدة في بيروت رسالة إلى جريدته يصف فيها حركة الانتخابات الأخيرة، حاول أن يظهر فيها هذه الانتخابات بمظهر النجاح والإقبال، ولكن بعض المعلومات الواقعية التي أفضى بها كشفت عن وجه الحقيقة.

من هذه المعلومات أنّ “صندوق” الفئة السياسية التي أطلقت على نفسها إسم “الكتلة الدستورية” وحده أنفق، وفي تعبير مراسل الهدى عينه “أهلك نحو خمس مئة الف ليرة”! هذه الفئة هي التي يرأسها الأستاذ بشارة الخوري (الشيخ) الذي صاررئيس “الجمهورية اللبنانية”. وكانت المعركة الانتخابية بينها وبين “الكتلة الوطنية” التي رأسها الأستاذ إميل إده أي بين حزب بشارة الخوري ورفقائه وحزب إميل إده ورفقائه. هي الحزبية الشخصية القديمة عينها في لبنان، لم يتغيّر فيها شيء غير ظهور اسم “الكتلة الوطنية” إلى جانب إسم “الكتلة الدستورية”.

وأهم معلومات مراسل الهدى، التي تتضح منها قيمة الانتخابات النيابية في لبنان ما يأتي ننقله بحروفه:

“ولقد شهدت البلاد اللبنانية انتخاباً حرًّا نزيهاً لم يجر في تاريخ لبنان، ولا في أعرق البلدان الديموقراطية، شبيه له، إلا أنّ الإقبال على صناديق الاقتراع كان ضئيلاً نسبيًّا..خذ لك مثلاً على ذلك منطقة جبيل التي يبلغ عدد الناخبين فيها أكثر من ثمانية آلاف، أما الذين تقدموا للاتقراع فبلغوا ثلاثة آلاف وسبع مئة فقط.

وبلغ عدد الناخبين في بيروت 43 ألفاً ولكن الذين اقترعوا أحد عشر ألفاً”!

من أكثر من ثمانية آلاف ناخب في منطقة جبيل يقترع ثلاثة آلاف وسبعة مئة فقط، أي أقل من النصف! ومن ثلاثة وأربعين ألف ناخب في بيروت يقترع أحد عشر ألفاً، أي نحو ربع الناخبين فقط!!

إذا كان الذين تقدموا للاقتراع في لبنان هم أقل من نصف عدد الناخبين فما هي أهمية الانتخابات الأخيرة، وما هي القيمة التمثيلة الحقيقية أو الإسمية، للمجلس النيابي الحالي والحكومة اللبنانية الحاضرة؟

وما هي، أخيراً، القيمة الحقيقية لتلك اللعبة السياسية التي نظمت في الخفاء وحاولت الظهور بمظهر “ثورة وطنية استقلالية” على حساب سلطة الديغوليين في لبنان؟

الحقيقة أنّ الانتخابات النيابية في لبنان قد أظهرت تغيّراً محسوساً في نفسية الشعب ونظره إلى الأمور. فمع كل المجهود الإذاعي ومع كل المال الذي بذل لإكساب الانتخابات مظهر ابتداء “عهد جديد” لم ينخدع الشعب الذي أيقظته أنوار النهضة السورية القومية الاجتماعية ونبّهته تعاليمها، فلم يذهب إلى صناديق الاقتراع حتى ولا نصف عدد الناخبين المعدودين في لبنان!

إنّ أكثرية الشعب في لبنان ليست مع هذه الحكومة ولا مع ذاك الاستقلال الانفصالي المؤيد بالاحتلال الأجنبي. فمع من هي أكثرية الشعب في لبنان؟

هي، بلا ريب، مع النهضة السورية القومية الاجتماعية – مع الثورة الفكرية الروحية التي أضرمتها هذه النهضة المباركة والتي لم يمكن السجون والاضطهادات السابقة إخماد لهيبها، ولن يمكن السجون والاضطهادات الحاضرة واللاحقة إيقاف سيرها إلى النصر.

الشعب في سورية كلها يميل أكثر فأكثر نحو الحركة السورية القومية الاجتماعية. وفي المغترب أيضاً تسير عملية الاختبار بين المغتربين بوعي منهم أو بلا وعي. وإذا لم يعترف بهذه الحقيقة المكابرون في الحق فالحوادث والأرقام تعترف والتاريخ يسجل.

هاني بعل

الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 72، 1/2/1944

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى