المعرض السياسي – بعد رجوع الكردينال من باريس – أهربوا من السياسة لأنها من عمل الشيطان


عاد أول أمس نيافة الكردينال تبوني رئيس الكنيسة الكاثوليكية في الشرق من باريس ورومة حيث كان يقوم لدى المقامات الدينية والمدنية، بمهمة تتعلق بالأقليات وبالكنيسة الكاثوليكية في الشرق، وصرح في الكلمة التي ألقاها في المقر البطريركي رداً على كلمة نيافة القاصد الرسولي “إنه توفق في مساعيه ونجح في مطالبه واستطاع أن يدفع عن الأقليات والكنيسة الكاثوليكية كل ضرر” (كذا) ولم ينسَ نيافته أن يلمح إلى وجوب عدم تدخل رجال الدين في السياسة لأن السياسة محظورة عليهم، وهو يعد عمله عملاً دينياً بحتاً.
وكأننا به يشير من ناحية خفية إلى خطاب صاحب الغبطة البطريرك الماروني وسداه ولحمته السياسية والسياسة فقط.
وينهي نيافته خطابه بهذه الفقرة.
“يوجد أيها السادة ثلاث قضايا متلاحمة ملتصقة لا تنفصل الواحدة منها عن الثانية، وهذه القضايا المتلاصقة هي: فرنسة والكنيسة والكثلكة في الشرق. إنّ هذه القضايا لا تعرف لها حدوداً منفصلة وهي دائماً تسير متحدة ملتحمة!!”
نحن نشكر أولاً لصاحب النيافة تذكره لرجال الدين من أن لا يتدخلوا في السياسة، لأن السياسة من عمل الشيطان. ونأمل من رجال الدين أعداء الشيطان في كل زمان أن لا يعلموا تحت لوائه لأن لواءه رجيم وحبائله شريرة.
ولكن ألا يسمح لنا صاحب النيافة أن نسأله هل كان عمله هو عملاً دينياً بحتاً؟
أما كان عمله في باريس ورومة عملاً سياسياً يتعلق بجزء كبير من أجزاء الوطن لا يحق لغير رجال السياسة أن يعملوه؟
أما كان تدخله في شؤون الأقليات في لواء الجزيرة عملاً سياسياً بعد أن أجمع البرلمان السوري وفي أعضائه من يمثل الأقليات، على إبرام المعاهدة السورية ـ الفرنسية؟
هل كانت مساعي صاحب النيافة في باريس مثلاً مع رجال الدين أم مع رجال السياسة؟
أما كانت مساعيه في رومة مع رجال الدين ليؤثروا بنفوذهم على رجال السياسة في باريس؟
ألا يرى صاحب النيافة أنّ عملاً يقصد منه تفكيك عرى الأمة وإبعاد أقليتها عن أكثريتها هو عمل سياسي بحت؟
ألا يرى أن التدخل الذي يؤدي إلى خراب الأمة هو عمل سياسي؟
وبعد، أي خطر هو هذا الذي استطاع صاحب النيافة أن يدفعه عن الأقليات والكنيسة الكاثوليكية” هل هو الخطر الذي كان يهدد لواء الجزيرة، وحوادث الجزيرة لا تسأل عنها فئة دون فئة؟
إنّ الخوف على حقوق الأقليات، اليوم وفي هذه المرحلة التي تجتازها البلاد في جهادها القومي الذي جاء ليؤمن حقوق الجميع، يفكك من وحدة البلاد ويسير بها إلى الفوضى والخراب، والمصيبة آنئذٍ لا تلحق صاحب النيافة ولا زملاءه أصحاب الغبطة والسيادة لأنهم يكونون على التلة يتفرجون يوم تعصف بالأمة نيران الموت.
لقد استوحى صاحب النيافة شعوره الديني وهو يطرح القضية على رجال الأمر في باريس، وشعوره الديني يعلمه أنّ الأمة أقلية وأكثرية، ولو استوحى صاحب النيافة الكردينال شعوره القومي لوجد أنّ الأمة وحدة قومية لا تتجزأ فلا أقلية هناك ولا أكثرية.
إنّ الفقرة الأخيرة التي راح يشير فيها إلى الوحدة الملتصقة المتلاحمة بين فرنسة والكنيسة والكثلكة في الشرق، فلقد كان فيها ملكياً أكثر من الملك.
ألا يرى صاحب النيافة أنّ في البلاد قضايا أكثر التصاقاً وتلاحماً تتعلق رأساً بمصير الشعب والأمة؟ ألا يمكن للأمة أن تسير بجانب الدولة الفرنسية متفاهمة على أسس صريحة إلا عن طريق الكنيسة والكثلكة؟
هل يريد صاحب النيافة أن يزوج فرنسة من الكنيسة والكثلكة زواجاً أبدياً لا يحل فيه الطلاق وأن يترك الأمة طليقة من كل شيء إلا من العبودية الأبدية، وتعفير الجبين والنزعات الدينية والتعصب المعيب؟
نحن نقول لصاحب النيافة بجرأة: إنّ في البلاد ايها السيد الكريم قضايا أكثر التصاقاً والتحاماً مع فرنسة من قضية الكنيسة والكثلثة.

أنطون سعاده
النهضة، بيروت
العدد 49، 10/12/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى