المعرض السياسي والحربي

اجتماع تشرشل ــــ روزفلت:
في الثامن عشر من يونيو/حزيران الماضي صدر بلاغ من المنزل الأبيض في واشنظن، فاجأ العالم بخبر وجود رئيس الوزارة البريطانية، السيد تشرشل، للمرّة الثانية في الولايات المتحدة ولما يمضِ على زيارته الأولى أكثر من نحو سبعة أشهر.
أشار البلاغ المذكور إلى أنّ السيد تشرشل سيقابل السيد روزفلت «وأنّ المداولة بين السياسيين ستنناول الحرب وإدارتها وانتهاءها بالنصر». وأعلن أنه وصل بمعية رئيس الوزارة عدا عن ناموسه الخاص، ناموس آخر ومعاون وعدد من القواد وكبار الضباط.

ما إن شاع خبر وجود رئيس الحكومة البريطانية في الولايات المتحدة مصحوباً بهذا الملاك العسكري حتى أخذت الصحف الأميركانية وشركات البرق تتسقط التكهنات من الحواشي والحوافي. أهم التكهنات يتناول مسألة فتح جبهة حربية جديدة نزولاً عند إلحاح الروس والصينيين الذين تضغطهم القوات الألمانية واليابانية ضغطاً بطيئاً شديداً، مستمراً بإحكام، وجميع التكهنات مجمعة على أنّ نتيجة مقابلة الرجلين الخطيرين ستكون حدثاً خارق العادة.

إذا ألقينا نظرة استعراض على ما جرى من الحوادث الهامّة بعد مقابلة تشرشل وروزفلت في ديسمبر/كانون الأول الماضي وعلى ما يجري من التطورات الخطيرة في الجبهات الحربية المتعددة رأينا أنّ أسباب مقابلة رجلي الدولة هذين، هي أسباب غاية في الخطورة تستدعي الوصول إلى حل نهائي. ويظهر من عدد العسكريين المشتركين في المداولة أنّ الوضعية الحربية تُدرَس بكاملها درساً جديداً دقيقاً يمكّن السياسيين الكبيرين من العزم على خطة فاصلة قد تكون ذات مرحلة واحدة أو أكثر من مرحلة. ولا يبعد أن تكون في عداد النقاط التي درسها السياسيان نقطة النهج الواجب فيما يختص بالصلح عند انتصار أحد الفريقين.

إنّ الصورة التي مرّ بها ربيع هذه السنة الشمالي ودخل صيفها قد جعلت وجه الحالة السياسية ــــ الحربية أشد عبوساً ممّا لو كان حدث هجوم ألماني عظيم على طول الخطوط الروسية الدفاعية. وتحويل قسم من الضغط الحربي المحوري إلى ليبيا والمتوسط يزيد حراجة الموقف.
موقف الهند:
جميع الأخبار التي وردت عن الهند، بعد إخفاق المشروع البريطاني لجرّ الجنود إلى الحرب لقاء الوعد بترتيب استقلال الهند بعد النصر، أكدت صواب التحليلات والتعليلات التي أثبتها الكاتب السياسي في الزوبعة منذ البدء قبل ظهور تفاصيل المشروع المذكور وقبل انتهاء مهمة ستافرد كرفس بالإخفاق التام.

من الأخبار الأخيرة الهامّة ما ورد لــ«يونايتد برس» في الثامن عشر من يونيو/حزيران الماضي عن بومباي أنّ زعماء حزب «المجمع الهندي» قد وحّدوا وجهة نظرهم وأنّ الحالة أصبحت حرجة سياسياً في ذاك القطر الكبير.
تقول البرقية المذكورة إنّ الزعماء الهنود الأقوى في الهند، غاندي ونهرو وأسد، قد وفقوا بين نظراتهم المختلفة فيما يختص بالعلاقات الهندية الإنكليزية وأنهم قد قرروا اتخاذ موقف العداء البارد تجاه بريطانية العظيمة.

وتزيد البرقية إنّ البانديت جواهر لال نهرو، نائب رئيس حزب «المجمع الهندي» قد أعلن أنه والماهتما غاندي، الرئيس الروحي لمئتي وثمانين مليوناً من الهنود، قد توصلا إلى اتفاق عام، وقد اجتمع غاندي ونهرو بالسيد أبو الكلام أسد، رئيس حزب «المجمع الهندي» لبحث الحالة السياسية المعقدة.

وأهم ظاهرة في هذه الأحداث الجديدة هو في تعديل موقف نهرو الذي ظهر في بادىء الأمر أنه يميل إلى التفاهم مع بريطانية لضمان استقلال الهند بعد الحرب فالبرقية المذكورة تقول إنّ نهرو لخّص موقفه بهذه العبارة الجازمة: «يجب على بريطانية أن تنصرف».
ومن عبارات نهرو في هذا الصدد قوله: «عندما يطلب غاندي من البريطانيين أن ينسحبوا يقول ما يشعر به كل هندي يحترم نفسه. وقد غامرت بالتصريح بهذا القول عينه بلهجة أبسط: «لينصرفوا» وهذا لا يعني أنه يجب على البريطانيين كأفراد أن ينصرفوا، بل يعني وجوب تسليم بريطانية السلطة السياسية تسليماً نهائياً، بدون طرح سؤالات عما يريد الهنود أن يفعلوا بهذه السلطة».
هذا الكلام يدل على أنّ الثورة السياسية في الهند تختمر.
الحرب:
في ليبيا ــــ بعد سقوط بير هاشم (أو بير الحكيم) المذكور في العدد الماضي تبيّن أنّ المسألة لم تكن مسألة تقهقر نظامي، بل مسألة انكسار.
فقد وقع من جيش المتطوعة الفرنسيين أتباع ديغول نحو ألفي أسير لم يُعلم مصيرهم، وقد تابع المحوريون هجومهم وتمكنوا من قسمة الجيش البريطاني الثامن المتولي جبهة ليبيا إلى قسمين.
وكان هذا النجاح الحربي العامل الفاصل في الاستيلاء على مرفأ طبرق، وأخذ ما يزيد على خمسة وعشرين ألف أسير من البريطانيين وعدد كبير من المدافع والسيارات ومقدار كبير من الذخائر، ووقع في الأسر قائد الموقع وعدد من القوّاد والضباط. وكان الهجوم على طبرق يوم السبت في التاسع عشر من يونيو/حزيران واستمر يوم الأحد فسقطت طبرق في نحو 24 ساعة.
وفي الوقت عينه تابعت فرق محورية تعقُّب الجيش البريطاني المنسحب إلى مراكزه الرئيسية في مصر وأصبحت ليبيا كلها في قبضة قوات المحور، ومصر مهددة تهديداً شديداً بسبب سقوط طبرق، الأمر الذي سيضطر البريطانيين إلى سحب قوات كبيرة من مراكز أخرى في الشرق الأدنى، وإرسالها على جناح السرعة لتعزيز جبهة الدفاع عن مصر في مرسى مطروح.
وهذا يجعل مركز البريطانيين حرجاً، خصوصاً إذا تحقق أنّ الألمان وحلفاءهم يقومون بتمارين هجومية في جزيرة كريت تهدد قبرص والإسكندرية.

في روسية ــــ قد كان ما توقّعنا في العدد الماضي فإن مصير سوستفول قد تقرر كما تقرر مصير طبرق، ولكن الاستيلاء على سوستفول كان أصعب كثيراً نظراً لطبيعة الأرض الجبلية المحيطة بها ودقة جهاز الحصون الذي أنشأه البلاشفة بناءً على اختباراتهم الحربية في الصيف الشمالي الماضي.
وأهمية سوستفول للأعمال الحربية في جبهة القوقاس قد تكون أكبر من أهمية طبرق للأعمال الحربية في جبهة السويس، نظراً لمناعتها وعظم مرفأها الحربي الذي يسع جميع أساطيل العالم دفعة واحدة.
وميناء سوستفول هام جداً لحركات الأسطول الروسي في البحر الأسود.
وهذا الأسطول قوة حربية لا يستهان بها إذ لا يوجد أسطول آخر معادٍ له في هذا البحر.
سقطت سوستفول حصناً بعد حصن وعقبة بعد عقبة. وسقوطها يعني للروس ما يعنيه سقوط طبرق للبريطانيين، إلى الحاجة لتعزيز جبهة القوقاس التي تبتدىء برسطف. فالخطر على هذه الجبهة صار كبيراً بعد خلو شبه جزيرة الكريم من الأعداء في مؤخرة الجيش الألماني.
لم يحدث في أنحاء أخرى من الخطوط الروسية سوى مناوشات محلية.

في الهادىء ــــ تسير الحركات الحربية في هذ المحيط بشكل مناوشات ومسابقات على المواقع الاستراتيجية الباقية. والظاهر أنّ اليابانيين لم يحاولوا احتلال جزيرة أونالسكه التي فيها الميناء الحربي «دتش هاربر» ولكنهم احتلوا جزراً أخرى صغيرة أرخبيل اليوتيان الذي تدخل فيه الجزيرة المذكورة بالقرب من السكة، وبعد معركة مدواي لم يحدث التقاء بين الأسطولين الياباني والأميركاني.
وحتى الآن لم تذع القيادة الأميركانية نتيجة معركة مدواي بكاملها بحجة أنّ عدداً من الطيارين وغيرهم الذين اشتركوا في المعركة المذكورة لم يعودوا إلى أماكنهم ليعطوا تقاريرهم التفصيلية.

وقد جاء في التاسع عشر من يونيو/حزيران الماضي أنّ بورت مورسبي كانت هدفاً لهجوم جديد من الراجمات اليابانية وبأن أحد موظفي القوة الجوية الأميركانية قد أكد بعد الهجوم المذكور، الأخبار الواردة من المواقع الأمامية عن ظهور شكل جديد من الراجمات والمطاردات اليابانية يحتوي تحسينات كبيرة لهذه الطيارات أهمها السرعة الشديدة وزيادة القوة الفاتكة.

ومن الأنباء الواردة في الأسبوعين الأخيرين أنّ رئيس الحكومة الأسترالية السيد كرتن، عاد فحذّر الرأي العام من الخطر الذي لا يزال يهدد أستراليا بالزوال، وكان لهذا التحذير تأثيره في أوساط الشعب البريطاني.
تدلّ أخبار الولايات المتحدة على أنّ القيادة البحرية قد عدلت عن بناء عدد من المدرعات البحرية الضخمة إلى بناء عدد من حاملات الطيارات، لأن المعارك البحرية برهنت أنّ التفوق في البحر للأسطول الأكثر استعداداً للتفوق الجوي.

جبهة جديدة ــــ كَثُر التحدث عن فتح جبهة جديدة في مكان من أوروبا تخفف الضغط عن روسية والشرق الأدنى. وأعلنت تصريحات من رجال بريطانيين مسؤولين في هذا الصدد، ولكن إمكانية تحقيق هذا الحلم لا تزال موضع مناقشات كثيرة في الصحف، ومن الأخبار الأخيرة خبر وارد عن لندن في 19 يونيو/حزيران الماضي يحمل فقرة من كلام دايلي مايل البريطانية هذه ترجمتها:
«إنّ الحلفاء يخسرون من مستوعبات الأطنان من المراكب التجارية أكثر مما يعمّرون في دور الصناعة. فموارد الملاحة التجارية تقلّ حين ازدياد الاحتياج إليها. متى تتبدل هذه الحالة؟ على إعطاء الجواب لهذا السؤال يتوقف سير الحرب ومدتها. والجواب على هذا السؤال هو الذي يعيّن الوقت الذي تترك فيه الأمم المتحدة موقف الدفاع وتنتقل إلى الهجوم. وإنه لمن العبث طلب فتح جبهات جديدة بينما نحن نجد صعوبات كثيرة في إمداد الجبهات الموجودة».
إنّ الولايات المتحدة الأميركانية لا تزال تفتح الاعتمادات المالية المدهشة للصناعات الحربية. ولكن مسألة فتح جبهة جديدة في أوروبا هي مسألة تكنية من أشد المسائل خطراً في هذه الظروف.

وزير خارجية إسبانية:
في التاسع عشر من يونيو/حزيران الماضي وصل السيد سرانو سونير إلى روما يرافقه وزير خارجية إيطالية. وبقاء الوزير الإسباني في روما كان بصفة خصوصية وقد قابل قداسة البابا. وهنالك تخمينات أنّ سونير قَدِم إيطالية لتسوية قضية تتعلق بمطامح إسبانية في مراكش الفرنسية.

أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،

العدد 47، 1/7/1942

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى