حديث الزعيم إلى جريدة الرائد


تلهج بعض الصحف البيروتية، في هذه الأثناء، بحديث الحزب السوري القومي ناسبة إليه شتى التهم، ملصقة بزعيمه عيوباً كثيرة، فمن إنكار عروبة سورية والسوريين، إلى تناول الأموال الوافرة من إيطالية، إلى بذخه وترفه في قصر منيف يحف به الحرس والخدم ويشاركه في ملذاته وولائمه الشبان والضيوف الكثيرون، إلى غير ذلك بما توحيه مخيّلات كتابها الذين ماضيهم موضع للشك والريبة والتحامل.
فرغبنا إلى مندوبنا الخاص باستطلاع هذه النعمة التي يعيش فيها الزعيم بين الرياش الفاخرة والخمور المعتقة، والتحدث إليه بما يزيل الشبهة ويرفع الظن، فقصد إليه ملبياً طلبنا. وها نحن نترك له الكلام، قال:

في طريقي إلى بيت الزعيم أنطون سعاده كنت أعلل نفسي بمشاهدة رجل ترف ونعمة، يعيش عيش الأغنياء المثرين، في جمهور من الحشم والخدم، بمنزل مفروش بالطنافس مزدان بالثريات الكبرى، وشد ما كانت دهشتي عندما بلغت “مقر الزعامة” فألفيتها خلواً من كل ما ذكروا من مظاهر الغنى والمجد تسودها بساطة هي أقرب إلى الفقر منها إلى الحالة الوسط.

ولكني لحظت في جوّها شيئاً من القوة المجرّدة، وتنسمت فيها روح نهضة جبارة متحفزة، ولمست بروحي ما أخذت به فشعرت بما يشعر به الناس عند مقابلة العظماء.

أُجبرت على الانتظار لأن الزعيم كان منشغلاً بمهام كثيرة لا بد أن تكون عائدة للحزب ومصلحته.
وأخيراً أذن لي فمشيت لمقابلته والتحدث إليه، فإذا بي أمام شخصية تجبر الناظر إليها أن ينكس أبصاره أمامها احتراماً للقوة المتجلية في عينيه البراقتين؛ وللزعامة الحقة التي تتألق أنوارها في كل معنى من معاني وجهه الهادىء.

ومشى برأسه المرتفع وصدره النافر وخطواته المتزة الثابتة؛ فلم يكن بد من أن تدب في عروقي كهربائية جعلتني أخشع مضطراً أمام الرجل الذي أثار زوبعة هائلة في المجتمع السوري فكان ملء السمع والبصر.
أتتكرمون بحديث أنقله إلى جريدة الرائد يا حضرة الزعيم؟

ـ تفضل.

ورأيت أنّ الوقت قصير فاقتصرت من سلسلة السؤالات التي كنت أعددتها لألقيها عليه بالسؤالات القليلة الآتية:

س ـ ما رأيكم بتطور الموقف السياسي في فرنسة وتأثيره على مفاوضات الوفد السوري؟

ج ـ مما لا شك فيه أنّ تطور الحالة السياسية في فرنسة هو لخير التفاهم السوري الفرنسي، وأرجّح أنّ تأثيره على المفاوضات سيؤدّي إلى تسهيل بعض الصعاب في الوصول إلى اتفاق على المسائل الجزئية التي يمثلها الوفد.

س ـ ما هو موقفكم من حوادث سورية الجنوبية؟

ج ـ إننا نؤيد كل التأييد موقف السوريين في فلسطين، وإن كنا نعتقد أنّ الحركة الأخيرة جاءت سابقة لأوانها.

س ـ قرأنا في كتيب عنوانه العروبة قوميتنا الخالدة، ما يلي: “الحقيقة هي أنّ القائمين بالحزب السوري القومي لم يدعوا إلى هذه القومية السورية إلا لتعصب ديني كامن في نفوسهم، فخوفهم من أن يضيعوا في قومية عربية شاملة تذوب فيها أقلياتهم، فزعوا إلى قومية لبنانية أو سورية صيانة لكيانهم الطائفي”. فما رأيكم في هذه “الحقيقة”؟

ج ـ إنّ صاحب هذا القول يتكلم عن شيء لا وجود له، فمتى وجدت الوحدة العربية كنا نحن أحد فروعها الحية.

س ـ هل في القومية السورية مانع من الوحدة العربية أو التحالف العربي؟

ج ـ لا، فالقومية السورية لا تتضارب مع التفاهم مع الأقطار العربية الأخرى على ما فيه مصلحة مشتركة.

شكرت الزعيم وخرجنا إلى القاعة المحتشدة بوفود الحزب من مختلف الجهات فأخذ يحدثهم بهدوء ورصانة وعدم مبالاة بالإشاعات الباطلة التي يريّشها خصوم الحزب إليه. ثم قال:

“طالما يرون أنّ مبادىء الحزب شريفة وسديدة، ويتبجحون بأنهم مخلصون للوطن يدافعون عن حقوقه فعليهم أن يتفاهموا مع أعضاء الحزب ويتباحثوا مع عمدته في هذه الدعاية الإيطالية، وعندما يثبتون على زعيمه رسمياً وجود هذه العلاقة الإيطالية فليرموا به جانباً، ويسيروا بهذه المبادىء التي يؤمنون بصلاحها إلى تحقيق أماني هذه الأمة الممزقة”.

هنا ودعت شاكراً معجباً مردداً: إنه زعيم وزعيم مخلص.

الرائد، طرابلس
العدد 93، 11/6/1936

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى