حول تصريح للدكتور الشهبندر – بين الأمة الكبيرة والصغيرة


عندما كان الدكتور شهبندر لا يزال في القطر المصري مبعداً عن وطنه كان الجيل القومي في سورية يتفاءل به كثيراً لما يطالعه في أمهات الصحف والمجلات المصرية من كتابات تدل على اتجاهاته الصحيحة التي امتاز بها عن أغلب أبناء جيله. فمن ذلك: إنتصاره لأعمال الإصلاح الاجتماعي، وتقديره ضرورة الشعور بالشخصية القومية السورية، وتمييزه بين المبدأ القومي والعصبيات الطائفية والأعمال السياسية.
وكان من المنتظر أن يؤدي إدراكه لهذه الحقائق الأساسية إلى عمل جديد مبني على هذا الإدراك.
وعاد الدكتور شهبندر إلى بلاده فاستقبلته الأمة السورية الوفية بما يستحقه جهاده وتضحيته. ولم يطل مكوثه في دمشق حتى اصطدمت شخصيته بشخصيات رجال الحكم. واتجهت إليه الأنظار لإعلان برنامج إصلاحي لتبنى عليه أعمال المعارضة العتيدة.
ولكننا رأينا الدكتور يعود إلى الأساليب المتبعة القديمة في استمالة الشعب، وهي ذات الأساليب التي ارتقى عليها أخصامه ولم تكن جميع خطبه الشعبية لتتفق تماماً مع ما بني عليه من آمال.
وما [إن] بدأت تتمركز حوله فئات شعبية حتى رأيناه يختفي فجأة عن مرسح السياسة الداخلية مسجلاً بذلك تراجعاً آخر، كان لمصلحة أخصامه.
وأملنا أن يظهر نجم الدكتور في السياسة الخارجية، خصوصاً وقد صار يمثل أمته في قضيتين أساسيتين من قضاياها، الإسكندرونة وفلسطين.
وفيما نحن ننتظر أن نسمع أخبار الانتصارات التي سيحرزها لأمته في السياسة الإنترناسيونية، إذا بنا نسمع منه نغمة لا تطمئن كثيراً إلى النتائج التي بلغها لأنها أصبحت عندنا المخدر الذي يسبق تسجيل نتائج الفشل من سياسيينا.
يقول الدكتور على رواية النهار عدد 1238 بتاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني ما يلي:
“إنّ الوحدة العربية فكرة سامية لا بد من تحقيقها، وإنّ الرسالة التي يؤديها الرجل تكون عظيمة بقدر اتساعها، فالرجل الذي يكتفي بخدمة مليونين من السوريين أو العراقيين لا يمكن أن يكون عظيماً كالرجل الذي يعتز بخدمة أمة عربية، مؤلفة من ثمانين مليوناً تساهم في إنهاض الدنيا وتكون لها كلمتها المسموعة”.
هل يعني هذا أنّ الدكتور قد “قرف” من العمل لأمته الصغيرة، وعاد يعتز مثل الكثيرين غيره بخدمة ثمانين مليون عربي.
إننا نلاحظ في هذه الجملة الصغيرة أموراً عديدة ما كنا نتظرها من الدكتور، ففيها رجوع إلى النظرة الخاصة في السياسة إذ هو لا يذكر مصلحة الشعوب، بل ينظر إلى عظمة الرجل ومجال اعتزازه.
كما أنها تضع عدة من المبادىء العربية السطحية في السياسة ـ “إنّ الرسالة التي يؤديها الرجل تكون عظيمة بقدر اتساعها” أي أن تُهمَل الاعتبارات الكيفية للرسالات الاجتماعية، وتُغفَل القوى الروحية والنفسية التي تطلقها، وتُغفل الأساليب العلمية العملية التي تؤدي إلى إنجاحها، ويُنظر إلى أمر واحد ـ مدى الاتساع الجغرافي الذي يدّعيه حامل الرسالة. وإننا نتساءل بتعجب، ما الذي يحدد عظمة الدكتور واعتزازه؟ أليس أدعى للاعتزاز أن يمثّل مصالح مئات الملايين من إخواننا الآسيويين المغلوبين على أمرهم؟ وما الذي يمنعه من الانضمام إلى جمعيات السلم العالمي؟
إننا نثق بأن الدكتور شهبندر لو وُفِّق بأداء خدمة عملية لأمته في سياسة البلاد الداخلية، أو في سياستها الخارجية، ولو انتهج النهج الإخلاصي القوي، لكان يجد أمامه الآن متسعاً كبيراً للعمل الحق غير الاعتزاز بتمثيل الثمانين مليوناً.

النهضة، بيروت
العدد 28، 14/11/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى