خطاب الزعيم في الشوف


إنّ العراك التاريخي هو دائماً عراك شديد وشدته على نسبة قيمته؛ ولا يحدث شجار عنيف في التاريخ حول مسائل تافهة، وإنما يحدث العراك بين جماعات وجماعات من أجل مصالح حقيقية لحياة الجماعات الكبيرة، ومن هذا العراك ما اختبرتم وما تختبرون وما ستختبرون.

إننا قد اجتمعنا على المهاجمة لا على المسالمة، إننا لم نجتمع قوة مدافعة. إنّ الذين يدافعون والذين يليق بهم الدفاع هم الذين يملكون الأعناق ويستعبدون الناس، هؤلاء المدافعون عن احتكارهم مصالح الشعب وامتيازاتهم فيه. أما نحن فإننا حركة تحريرية والحركة التحريرية هي حركة فاعلة مندفعة، لأن غرضها التغيير والتحسين.

نما الحزب السوري القومي سراً من عمل استغرق نحو 3 سنوات كان يعمل فيها مطموراً تحت تيارات الطبقات وتحت عوامل السياسة. وفي هذه السنوات الثلاث استطاع الحزب أن يثّبت قدمه ويضع الأساس المتين لهذه النهضة العظيمة على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي اعترضته.

وها إنّ الحزب لم يعد فقط عقيدة قومية وفكرة صادقة بل قوة سياسية وقوة مادية. أصبح الحزب قوة متحركة فاعلة. إنه لظاهرة خطيرة في عالم الاجتماع والسياسة، والذين نصبوا أنفسهم منذ القديم متزعمين في حقل الاجتماع والسياسة يراقبون الآن هذه القوة، ويبحثون في غرفهم الموصدة عن وسيلة لتحويل هذه القوة السياسية عن استقلالها في اتجاهها الإصلاحي إلى طرق ملتوية مغايرة لأغراض الأمة الصحيحة.
ولكن ما هي هذه الشبكات التي يحبكون خيوطها؟ وما هي هذه الحبائل التي يحاولون أن ينصبوها في الطرق كي يستثمروا الحزب وعواطف رجاله؟ إنّ الجبار القومي يستطيع أن يقطع كلّ الخيوط التي يحاول النفعيون أن يوثقوا يديه بها.

ايها السوريون القوميون،
إنكم قد أصبحتم قوة بالفعل. وإنّ لهذه القوة التي تمثلونها، وهي خطيرة شأنا عظيماً في تقرير المصلحة العامة التي هي مصلحة كلّ واحد منكم ونحن الآن في ظروف سياسية دقيقة في لبنان هي محكّ لنا لنعرف هل نحن في الحقيقة مصلحة واحدة، هيئة اجتماعية واحدة، وإرادة واحدة. نعم إنّ الظروف السياسية الحاضرة ستكون محكاً لنا لنعرف ما إذا كان في أنفسنا بقية من الزمن البائد أو من أغراض صغيرة شخصية وأهواء نفعية متفسخة تتغلب على الأغراض العامة النبيلة.

في الزمن العصيب فقط يُعرف الرجل، العصيب فقط تُعرف قيمة المبادىء ومبلغ قوتها في النفوس، في الزمن العصيب فقط ينظر إلينا العالم والتاريخ ليعرف هل نحن مادة مائعة تتشكل بحسب رغبات المستثمرين، أم نحن حياة فيها قوة فاعلة من نفسها، تسيطر على نفسها وتكيّف نفسها. وإنّ الذين يعتقدون ويحسبون أننا مادة للتكيّف حسب أهوائهم ومطامعهم يقوم اعتقادهم على أساس فاسد.

لسنا لفئة أو لأخرى بل لمصلحة نهضتنا. نحن الفئة الوحيدة في البلاد التي لها حقّ أن تطلب تأييد نفسها لتستطيع تحطيم السلاسل التقليدية التي تقيّد هذا المجموع الحيّ.

نحن الفئة التي لها الحقّ أن تطلب أن يؤيدها الشعب. أنتم القوة المنظمة ولا قوة منظمة غيركم في هذا الوطن. أما القوات الأخرى التي تجمع أحياناً حول مصالح وقتية، كالتي تحسون بها اليوم، فهي ليست قوات لأن أغراضها وقتية.

أجل أنتم القوة في أنفسكم وإليكم يجب أن يسعى الناس، لا أن تسعوا أنتم نحو أشخاص آخرين. فلا تثقوا بوعود أحد من خارجكم. إنّ بحر السياسة مضطرب، ولكن ثقوا بأنفسكم، ثقوا بأن عقولكم ليست عقولاً مريضة، ثقوا بأن قضيتكم هي قضية حياتكم، ثقوا بأنفسكم قبل كل شيء، واعتصموا بإرادتكم قبل كل شيء، ولا تهتزّ أعصابكم حين الخطر، لأن الخطر في اضطراب الأعصاب.

لقد قلت وأكرر إننا حركة مخلصة شريفة، وإنه إذا كانت هنالك جماعات تريد خطب ودّ الحركة، فيجب أن تضع الشرف والإخلاص أول شيء لها، ونحن عندنا المقدرة الكافية لنعرف الإخلاص من النفاق. سنكون صريحين مع من يصارحنا، أما الذين يحاولون أن يمكروا بنا فسنكون ماكرين بهم. من جاءنا بصراحة فله صراحة من عندنا ومن جاءنا بمكر فله مكر من عندنا.

أيها السوريون القوميون،
إنكم ارتبطتم بعضكم ببعض وربطتم أرواحكم بعضها ببعض لأنكم تعملون في سبيل المبادىء التي جمعتكم بعضكم إلى بعض. فابقوا منضمين متضامين وكونوا عصبة واحدة أينما سرتم وكيفما توجهتم.

19/1/1937

أنطون سعاده

نشرة عمدة الإذاعة،
بيروت، المجلد 3، العدد 7، 30/9/1947
“نقلاً عن النشرة الإذاعية، بيروت، 1937”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى