خطاب الزعيم في حفلة تكريمه بأول مارس

(ذكرنا في عدد سابق الحفلة التي أقيمت على شرف زعيم النهضة القومية الاجتماعية من قبل الإدارة الحزبية المركزية في منزل الأمين بشير فاخوري. ووضعنا سياقها ووعدنا بنشر كلمة الزعيم التي أجاب بها على خطب القوميين الاجتماعيين في الحفلة. وها نحن نبرّ بالوعد وننشر في ما يلي خطبة الزعيم الروحية القومية التي لعباراتها علاقة وثيقة بسير الخطب، وبالروحية القومية الاجتماعية الممتازة التي سيطرت على الحفلة، وتجب الإشارة إلى أنّ الأمين عبد المسيح التقطها أثناء الحفلة وسجلها):

إنها وحدة الروح. ووحدة الروح هي شخصية الأمة الحية. فإذا قلنا إننا قد أصبحنا أمة حية، نقول ذلك لأنه قد أصبحت لنا وحدة الروح.

وحدة الروح شيء بعيد عن إدراكه المائتون من أجيالنا المتدهورة. وحدة الروح شيء لم يعد إلى قلوب المائتين سبيل له.

ولكن لو دعونا الأموات لينظروا ويسمعوا لحدث شيء مخيف جداً للأموات أو المائتين، لحدث شيء مخيف جداً لهم. وهذا الشيء هو أن ينساقوا في هذه الروح، وأن تدبَّ الروح فيهم وأن يحيوا.

من كان يظن في هذه البلاد أنه يمكن أن يتكلم عدد كبير من طوائف متعددة في هذه البلاد، كانت إلى هذه الساعة أمماً مستقلة، بينهم السني والشيعي والماروني والأرثوذكسي والدرزي وغيرهم على اختلاف المذاهب ـ أن يتكلم عدد من هذه الطوائف ناطقين بلسان واحد ومعبرين عن حقيقة واحدة وسائرين إلى غاية واحدة هي حقيقة الأمة وغايتها العظمى إلى تحقيق مثلها العليا السامية.

هذه الحقيقة التي يريدها المتألمون بلا إيمان لا توشك أن تصبح فاعلة إلا ويهربون منها: إذا حدثت هذه الحقيقة التي يرغب فيها قليلو الإيمان، ويخشون أن تحدث، حدثت لهم نكبة عظيمة. لأن قليل الإيمان لا ثقة له بنفسه، لا ثقة له بوعيه، لا ثقة له بتفكيره أو بقدرته. إذا رأى يخاف أن يصدّق وإذا سمع يخاف أن يصدّق. يخاف على نفسه من قومه ومن الكون. يخاف من الحقيقة والخائف لا يمكن أن يسير إلى تحقيق شيء في العالم. بل يلتف به خوفه ويحدد له أفق الكون ويحدد له مدى الحياة. يقصره تقلصه فيتقلص ليفنى في ذاته نائحاً،، شاتماً الكون، لأنه لا يقدر أن يعيش فيه حياً مؤمناً بنفسه، بشعبه، بحقيقة حياته.

هذه هي مصيبتنا مع الشعب الذي يحيط بنا.

إيمان وسط شكوك. حياة وسط تدهور في هاوية الموت.

في أول الدعوة كنا نصطدم بهذه الأسئلة:

هل يمكن أن يتم شيء مما نقول؟

جميل ما نقول لكننا لا نصدق. لا نؤمن. لأنهم لخوفهم لا يؤمنون حتى بعد أن يروا.

نحن اليوم لا نقدم للناس نظريات في الحياة.

نحن اليوم نقدم للناس أمة حية، تتحرك، تتكلم، تتعاطى، تأخذ وتعطي، تحتكّ بالكون حولها؛ ومع ذلك لا يصدّقون.

نقول لهم الطوائف أصبحت كياناً قومياً واحداً، فقط.

تعالوا المسوهم وانظروهم واستقروا بوجودهم؛ ولكن “لا نصدّق” هذا ما يقولون. “إنّ شيئاً من هذا لا يكون”.

الخائف المتوجل مصيره مصير واحد. هو للتعاسة والفناء. إنه يخاف مخاوفه، ولكنه لا يقدر على العيش بدونها فيخاف أن تطير مخاوفه.

ونقول لهم إنّ الأمور التي تخافونها هي التي نعمل على ملاشاتها ولكننا لا نحصر عمل الملاشاة في بقعة واحدة، بل نعمل لملاشاتها في كل نطاق هذه الأمة، حتى تتلاشى من الأمة كلها.

ولكن هو الخوف… “لا نصدّق”… “لا نؤمن”.

ولكننا نحن الذين آمنا وصدّقنا، نسير لا تعرقلنا المخاوف، ولا تعوقنا قوة المخاوف التي هي قوة عنيفة عنيدة. قوة، لخوفها، تقوم بأعمال جنونية، إلى حدّ أنها تُقدِم على قتل الروح المحيي لو أمكنها.

مع ذلك سرنا مؤمنين نتلقى اللطمات من الخائفين من اباء أمتنا، نتلقاها كما يتلقى الطبيب لطمات عليل يريد أن يداويه من علة تملكت به ويأبى أن يتداوى.

وحدة الروح وحدة روح عظيمة في هذه، التي هذا الاجتماع الصغير ليس إلا مظهراً من مظاهرها قد سارت وتغلغلت في صميم الأمة على الرغم من الخائفين.

تعمل ليس لنطاقها المحدود، بل لنطاق الأمة بكاملها.

وإذا كان لأصدقاء كرئيس وزارة سابق ونواب حاضرين وسابقين فضل في تشجيع التقدم إلى هذه النهضة المحيية، فلست اقول مع الأمين [عبد الله] قبرصي إنهم يُخرجون النهضة القومية الاجتماعية من نطاقها، بل العكس، إنهم يُدخلون ما خرج عن نطاق هذه الروح الحقة.

إننا مبدأ حياة فاعل. إذا كان قد عبّر عنه الرفيق [محمد يوسف] حمود بصور التراكم فلست أظنه تراكماً بالمعنى الصحيح، بل تراكم ما يأتي على الروح.

نحن لسنا في الحياة أكواماً متراكمة بل نحن قوة حية فاعلة. نحن نُحدث التراكم ولا نحدث بالتراكم. ولذلك يمكننا أن نقول مع الدكتورة مي سعاده “إنّ لنا اليوم ولنا الغد”.

بهذه الروح نحن هذه النهضة التي يعجب الناس لسر بقائها واستمرارها ونموها وتعاظم شأنها.

إنه سر يجمع الحياة ولا يفرق الحياة.

إننا نريد جمع حياة هذه الأمة حتى ولو كان بالرغم عن بعضها لأن في إرغامهم لرفعاً لهم لا وضعاً.

هذه الروح قد شقَّت طريقها من تحت مطابق الاستعمار، شقَّت طريقها من تحت مطابق عقلية رجعية وضعف نفساني حتى اليوم.

بهذه الروح التي شقَّت طريقها، من هذه الساعة تعطي برهاناً لا قبل لدفعه على أنها سائرة لتحقيق النصر الأخير الذي نريد أن يشترك فيه حتى الذين لطمونا.

لسنا بالذين عن حمل اللطمات عاجزين بل نحملها ونسير.

نسير مثبتين سيرنا في التاريخ الذي لا ينعدم.

ونحن إذ أدركنا ـ كما عبّر الدكتور [عبد الله] سعاده ـ إذ ندرك التاريخ لنبني التاريخ نبرهن على أننا أصبحنا إننا أمة منتصرة حقاً.

قد انتصرنا انتصارات كثيرة غير منظورة وانتصارات كثيرة منظورة، وسيكون لانتصارنا الأخير مشهد ينظر إليه العالم أجمع.

 الجيل الجديد، بيروت،

العدد 4، 8/4/1948

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى