خطاب الزعيم في قصر آل ثابت


أيها السوريون القوميون،

منذ ظهر الحزب السوري القومي تحت سماء هذا الوطن برزت في العالم ظاهرة جديدة هي ظاهرة انبثاق الحياة من العدم!
العدم والوجود، العدم والحياة هما شيء واحد عند أساطين الفلسفة والعلم، وإنما الفارق بينهما هو ظواهر الجمود وظواهر الحركة، فالعدم مادة ثابتة مستترة جامدة، والوجود مادة متحركة مندفعة حية. وهذه سورية قبل الحزب السوري القومي هي المادة نفسها بعد الحزب السوري القومي، ولكنها قبل الحزب جمود، عدم، وبعد الحزب حركة، حياة. هذا المعنى العظيم لكيانكم السياسي الاجتماعي الذي هو الحزب السوري القومي.

إنّ وجود الحزب السوري القومي وعمله يمثلان القوى العظيمة المخزونة فيكم التي قال دجالو السياسة الفاقدو الثقة بأنفسهم، الفاقدوا الثقة بأمتهم إنه لا وجود لها تحت هذه السماء وفوق هذه الأرض الجميلة. إنّ قيامكم بنهضة الحزب السوري القومي العظيمة قد أبطل حجة هؤلاء الدجالين القائلين إنه ليس في سورية أمة، وإنه لا أمل للسوريين بالحياة الحرة المستقلة إلا بالاعتماد على مجاميع خارج الوطن وعلى الإرادات السياسية المنبثقة من حاجة غير الحاجة السورية!

إنّ الإرادة التي تقرر مصير سورية هي الإرادة المنبثقة من القوة الكبيرة التي ولدها ونظمها الحزب السوري القومي لتكون الأساس الراسخ لتشييد كيان الأمة على الثقة بالنفس والاعتماد على النفس. وإنّ القوة هي الشيء الذي يمثله كل سوري قومي في قرارة نفسه وصميم معدنه، وبهذا الفارق الكبير يحق لكم أن تفخروا، وبهذه الظاهرة الجديدة يمتاز الحزب السوري القومي ويجعل الناظرين إلى هذه الثقة يدركون أنه قد جاء انقلاب عظيم في العالم يرفع السوري القومي إلى مصافّ الآلهة البشرية التي لها شأن في تقرير توزيع المصالح والحقوق في العالم.

أيها الرفقاء،
لا يقدر حاسب عادي أن يقدّر القيمة الاجتماعية والسياسية بوجودكم هنا قادمين من دمشق. إنّ وجودكم هنا يمثل نتيجة لم تأتِ في حسابات العمليات الجارية في هذا المحيط لإبقاء مجموعنا الموحد المصير مصائر متفرقة سهلٌ أن تتناولها الأيدي الطامعة وتعبث بها وتستضعفها قوات بعضها من وراء الحدود!
صحيح أنّ الحزب السوري القومي هو حزب أعزل لا يملك مالاً ولا دبابات ولا مدافع ولكن الحزب السوري القومي هو حزب قوي. لأنه يمثل الأساس الذي يقيم وحدة الحياة ويعيد رباطها من نواحٍ لا تطالها العوامل الهدامة، ولأنه يمثل النهضة الفاعلة التي تطلق من مكامن الأمة قوة روحية تسيطر وتستنبط وتتغلب.

أيها الرفقاء،
إننا نخرج الآن من معركة كبيرة عنيفة ظافرين ولكن هذا النصر الذي يسجله لنا التاريخ يجب أن لا ينسينا الأغلاط والخسائر التي منينا بها. يجب أن نذكر انكساراتنا كما نذكر انتصاراتنا لأن انكساراتنا هي جزء أساسي من عظمة نهضتنا متمم لتاريخها، إننا قد خسرنا خسارة كبيرة ولكننا عدنا فانتصرنا انتصاراً باهراً.
في الزمن الذي ساد السلم فيه الإمبراطورية الرومانية انطلقت هذه العبارة “هنيئاً للأمة التي لا تاريخ لها”؛ أما أنا فأقول “الويل للأمة التي لا تاريخ لها”! فما من أمة نامت واستكانت إلا كان مصيرها البوار.

هنيئاً للأمة التي تسير إلى أهداف سامية وتعرف أن تنشيء تاريخها، أما الأمة التي تتشبث بالسلام تحت كل الظروف، حتى ولو كان في ظلال الخنوع والذلة والمسكنة، فلا خير في حياتها ولا خير في الطمأنينة التي تنعم بها!

إننا حركة لا جمود. إننا نريد حقنا في الحياة، وإننا لمدركون هذا الحق لأننا حركة منظمة وقوة فعالة وإرادة واحدة متمركزة. فلتبقَ هذه الصفة الغلابة ملازمة لنا في جميع الظروف.
أهنئكم أيها الرفقاء، بالنتائج الكبيرة التي حققها الحزب السوري القومي أهنئكم وأقول لكم ثقوا بأنفسكم ومبادئكم وافعلوا واجبكم في سبيل حياة أمتكم وعظمتها.

1/6/1937

أنطون سعاده

الرابطة، سان باولو
العدد 389، 3/7/1937
“نقلاً عن الجزيرة، دمشق، العدد 1653، يونيو/ حزيران 1937”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى