رأي الجيل الجديد – مركزية الجامعة العربية

كررت الصحافة القومية الاجتماعية التنبيه إلى الاتجاه الذي تتجه فيه مؤسسة الجامعة العربية، الذي ابتدأ خفياً وأخذ يبرز مؤخراً علانية، ونعني به الاتجاه نحو أن تكون هيئة تنفيذية مركزية تعبد العقود وتقطع العهود باسم جميع الأمم والدول المشتركة فيها. فتصبح السيادة الحقيقية في مؤسسة الجامعة العربية منتقلة من الأمم ودولها المستقلة إلى المؤسسة المذكورة. فقد ذكرت بعض الصحف البيروتية وغيرها أنّ محادثات تدور بين ممثلي بعض الدول المنضمة في الجامعة لجعل التعاقد مع الخارج من صلاحية مؤسسة الجامعة العربية، باسم الدول المشتركة فيها. ويقال إنّ مشروع زيارة رئيس الوزارة اللبنانية [رياض الصلح] ورئيس الوزارة الشامية [جميل مردم] لبغداد والعُربة لها علاقة ببحث مشروع مركزية الجامعة العربية.

في عدد سابق علّقت هذه الجريدة على مشروع الدولة الشامية (ص 184 أعلاه) القائل بإلزام كل دولة تنتمي إلى مؤسسة الجامعة العربية الامتناع عن التعاقد الحر مع أية دولة من خارج العالم العربي وعرض كل رغبة منها في تعاقد من هذا النوع على مجلس الجامعة العربية لأخذ الموافقة. وقلنا إنّ اتخاذ قرار بقبول مشروع الحكومة الشامية يعني إبطال السيادة القومية للأمم وإلزام دول العالم العربي القبول بأحكام تُتَّخذ تحت تأثير مركز مؤسسة الجامعة (مصر) وفي اتجاه قد لا يكون، في ظروف المؤسسة وطريقة عملها، المعبّر الصحيح عن إرادة جامعة.

إنّ جعل مركز مؤسسة الجامعة العربية الدائم، مصر، يجعل جو السياسة المصرية يؤثر ويسيطر على أعمال المؤسسة وتوجيهها، خصوصاً وأنّ الصحافة المصرية ومجلس السياسة المصرية هي التي تقود كل بحث وتعالج كل موضوع وفيها تسمع الوفود واللجان والآراء، وهي، في غالبيتها إن لم تكن بكليتها، مصرية.

نحن نعتقد أنه لا بد من اللجوء إلى نظام جديد في ما يختص بكيفية عمل مؤسسة الجامعة العربية. فيجب أن يتبدل ناموسها العام كل سنة ويجب أن يتغير مركزها كل سنة، فتقيم سنة في لبنان وفي الشام وسنة في العراق وسنة في مصر. ولا يحتاج الأمر إلى كبير عناء، ففي بيروت دور رسمية كبيرة فارغة، خصوصاً تلك التي كانت ثكنات ضباط احتلال وموقعها بديع وبناؤها صالح، وفي دمشق وبغداد أيضاً دور صالحة وإقليم سورية الطبيعية كله أصلح من إقليم مصر للإقامة والعمل.

إنّ دلائل كثيرة تشير إلى أنّ هنالك رغبة ملحة من بعض نواحي الجامعة العربية في استعجال الأمور لوضع الأمة السورية أمر مفعول وحصر دويلاتها في نطاق يلزمها البقاء في حالة شلل وضياع حق السيادة.

إننا نحذّر الدول السورية كلها من الانجراف في تيار المركزية العربية المصري ونطلب من المسؤولين التريث في تحقيق ما لا حاجة شديدة إلى السرعة في تحقيقه لئلا يخرج مبتسراً.

نحن نعلم أنّ العالم مقبل على حرب عالمية عظيمة ونعلم أنّ مصالح أجنبية معيّنة ترغب في أن ترى جامعة عربية تتخذ موقفاً واحداً في القتال المقبل. ولكننا نعلم أيضاً أنّ مؤسسة الجامعة العربية أنشئت لتسهيل نمو أمم العالم العربي وللتعاون على ما فيه مصلحة هذه الأمم وليس لتقرير إجماعي لمصلحة حربية معيّنة.

يجب أن تبقى لكل أمة من أمم العالم العربي حرية العمل وحق التعاقد وتقرير المصير، وإلا فإن مؤسسة الجامعة العربية تكون قد صارت واسعة لعكس الغاية التي أنشئت لأجلها.

الجيل الجديد، بيروت،

العدد 5، 9/4/1948

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى