رأي النهضة – الجزيرة بعد إسكندرونة


ليس فَقْد لواء الإسكندرونة عائداً إلى السياسة الإنترناسيونية فحسب، بل إلى سياسة الحزبية والعنصرية التي سارت عليها “الكتلة الوطنية” مضافة إلى عوامل السياسة الإنترناسيونية.
فالذين يتتبعون انتخابات الشمال والإنذارات التي سبقتها، يجدون أنّ الكتلة أبت أن تأخذ بعين الاعتبار خطورة بعض المسائل السياسية في جبل الأكراد، مما أدى إلى انصراف بعض العناصر عن تأييد الحكم السوري الوطني، وإلى احتكاك بعض الرؤساء الأكراد بالقنصلية التركية وتوددهم إلى الأتراك إظهاراً لنقمتهم على سياسة الكتلة.
وحتى الآن، تستند سياسة الحكومة في معالجة مشكلة لواء الإسكندرونة على النعرة العنصرية. فهي تعطي الأساس الحقوقي من وجهة العنصر العربي مهملة العناصر الأخرى التي لها شأن عظيم في تقرير مصير اللواء. فأدت هذه السياسة العنصرية إلى النتيجة الوحيدة لكل سياسة عنصرية وهي تنافر العناصر الداخلة في سورية وتصادمها.
والظاهر أنّ السياسة عينها التي اتبعت في معالجة مسألة الإسكندرونة تتّبع في معالجة مسالة الجزيرة. فالعناصر هناك تتذرع بالخطر العنصري عليها لتدعو إلى التفكك وعدم الثقة بالحكم الوطني. فماذا تفعل حكومة الشام في سبيل اكتساب هذه العناصر ونزح سلاح المشاغبين؟
أن تفضل أن تكون بربونية على أن تكون قومية متساهلة. وكما أنّ البربون ظلوا يكررون أغلاطهم، حتى قيل فيهم: إنهم لم ينسوا شيئاً قديماً، ولم يكتسبوا فائدة جديدة. كذلك تريد الكتلة ألا تنسى شيئاً عقيماً، وألا تستفيد درساً جديداً، ولو تبعت الجزيرة العليا لواء الإسكندرونة.
طبعاً إنّ رجال الكتلة سيجدون الداء كل الداء في المطامع الخارجية، وسيضعون كل التبعة على هذه المطامع. ولكنهم من هذه الجهة عينها يخطئون، لأن الطريقة الوحيدة للإبقاء على لواء الجزيرة هي طريقة اكتساب العناصر كلها للوحدة القومية.
ولقد تسرب إلى بعض الأوساط أنّ بعض الأحاديث التي دارت بين زعيم الحزب السوري القومي ودولة رئيس الوزارة الشامية تناولت مسألة الجزيرة العليا، وإمكان تعاون الحزب مع الحكومة لإيجاد الحل الملائم للمصلحة القومية. وقد أثبت الزعيم لدولة رئيس الوزارة صحة الإمكانيات الواسعة لعمل الحزب في سبيل تأييد الحكم الوطني وتثبيته. وظهر أنّ دولة رئيس الوزارة اقتنع بوجهة نظر الزعيم.
ولكن الأمور عادت فسارت على عكس المرغوب. وقيل إنّ السبب هو في الخلاف الداخلي على بعض وجوه النظر الأساسية في محيط الكتلة. فإن بعض أعضائها يتشبثون بمبدأ الحزبية قبل كل شيء، وضرورة منع التطور القومي إلا ضمن قالب الكتلة، وإن تكن الكتلة لما تضع برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً يصح السكوت عليه.
لقد جربت الكتلة الحكمة من هذه السياسة العقيمة في لواء الإسكندرونة. واختبرتها مكرراً في جبل حوران حيث نكبت سياستها أكثر من مرة. وهي لن تنفك عنها حتى تاتي بنتائج فادحة لا تستطيع الأمة تحملها.
لا نعتقد أنّ الحزب السوري القومي يريد أن يزاحم رجال الحكم في الشام على الحكم، فللحزب من المشاغل القومية ما يصرفه عن هذا الأمر. ومما لا شك فيه أنّ مبادئه قد أعطت نتائج حسية في إيجاد الاتحاد القومي لجميع العناصر الداخلة في وجود الأمة، وأنّ تعاون هذا الحزب مع حكومة الشام يعطي نتائج كبيرة للمصلحة القومية.
يقول رجال الحكم في الشام للحزب السوري القومي: اشتغلوا في الإسكندرونة والجزيرة ولا تشتغلوا في دمشق ومدن الشام. فكأنهم بهذا القول يريدون عملاً عقيماً أو غير ممكن الحدوث، إذ كيف يستطيع حزب [أن] يعمل من غير قاعدة؟
إنّ طرق التفاهم للمخلصين للقضية القومية غير وعرة، ولكنها تحتاج إلى نفي الأنانية والنظرة الخصوصية. فهل تستفيد الكتلة من الدروس الماضية وتفسح للعناصر القومية مجال العمل لمصلحة الأمة والوطن؟
الحقيقة أننا تجاه مشاكل قومية خطيرة لا تفيد فيها العجرفة البربونية ولا يفيد فيها إلا الضمير القومي الحيّ!

النهضة، بيروت
العدد 6، 20/10/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى