رأي النهضة – ذكرى تأسيس الحزب


هذا اليوم تاريخي في حياة الأمة. ففي مثل هذا اليوم، منذ سنتين تماماً، أُعلن للعالم أنّ الأمة السورية قد ابتدأت تاريخها!
في السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة خمس وثلاثين وتسعمئة وألف، ولمرور ثلاث سنوات على تأسيس الحزب السوري القومي، إنبثّ رجال دائرة الأمن العام في بيروت في الأحياء التي يسكنها زعيم الحزب ومعاونوه ودخلوا منازلهم باكراً عند الصباح واستاقوهم إلى دائرة الأمن العام.
وفي مساء ذلك اليوم أُجري مع الزعيم والعمد الأول للحزب التحقيق القضائي الأول الذي أُرسلوا على أثره إلى سجن الرمل بمذكرات توقيف غير موقت. وكان الجو صافياً والدراري تلمع في زرقة الأديم فتلطّف من زرقته. ولكن بعد ساعات قليلة هبّت ريح زعزع وجاءت في إثرها بروق ورعود. ثم شقّت كبد الجو صاعقة، وانقضّت على صنوبرة إحدى الزوايا القائم عليها عرزال الزعيم، على هضبة منفردة مخضلة من الشوير، فشقّت الصنوبرة وأيبستها. أما العرزال فقد بقي كما هو، والصنوبرة اليابسة لا تزال قائمة على زاويته إلى اليوم.
كان قصف الصاعقة، في سكون ذلك الليل الذي تحوّل إلى اضطراب، أحد تلك الاشتراكات الطبيعية التي ترافق بعض الأحداث الخطيرة في العالم، والصوت الخارجي الوحيد الذي وجد فيه سجين النهضة القومية الأول اشتراكاً بما في نفسه.
في مثل هذا اليوم، منذ سنتين، خرجت إلى مجال الحياة العملية مبادىء الحزب السوري القومي معلنةً، لأول مرة في التاريخ الحديث، إرادة أمة كانت بين الأمم التي سقطت منذ قرون، وظن العالم أنها ماتت وأصبح وطنها قطائع للأمم الغريبة.
في مثل هذا اليوم، منذ سنتين، نهضت الأمة السورية من بين الأمم الميتة وابتدأت تاريخها الجديد. فكان أول حوادث هذا التاريخ سجن زعيم الحزب السوري القومي وأركان إدارته. والزعيم يقول في أحد خطبه: “ويل للأمة التي لا تاريخ لها!”.
إنّ الغافلين عن حاجات الأمم الجاهلين طبيعة نهضاتها، ظنوا أنّ الحزب السوري القومي قد بلغ نهايته في السجن. أما السوريون القوميون في السجن، فأيقونوا أنهم قد ابتدأوا أفعالهم الواسعة، وأنّ النهضة القومية قد ابتدأت تاريخها فولدت هذه الروحية الجبارة ذخراً لا يفنى لحيوية النهضة وفاعليتها.
لن يختلف تاريخ النهضة السورية القومية عن تواريخ النهضات القومية الأخرى إلا بمميزاته الخاصة الدالة على معنويات خاصة، وشخصية خاصة. فهو سيكون تاريخ صعود وهبوط وعثرات وإقالات إلى أن تبلغ الأمة محجّتها.
في هذا اليوم يقف السوريون القوميون معظّمين هذا الاختبار الأول العظيم الذي برهن عن معدنهم وعزيمتهم الصادقة.
في مثل هذا اليوم، منذ سنتين، وقفت الأمة مشدوهة، لأن منها قد خرجت نهضة جبارة تضاهي نهضات الأمم الأخرى، وتقرن اسمها بأسماء الأمم الحية التي غسلت عارها بتضحياتها.
لم تعد الأمة بعد هذا اليوم تتسقط الفتات عن موائد حريات الأمم الأجنبية، بل أصبحت تشترك مع الأمم الحرة بمجهودها هي في سبيل الحرية.
بعد هذا اليوم لم تعد كرامتنا القومية مستمدة من كرامة أخلاق الغير، بل من قيامنا بمتطلبات الحياة القومية الحرة.
اليوم يقف السوريون القوميون صامتين متأملين الحكمة الكامنة في قول الزعيم “ويل للأمة التي لا تاريخ لها!”
اليوم يصدّقون ويقولون: ويل للأمة الخانعة التي تجبن عن الاضطلاع بتبعة تاريخها وتفضل سلامة الجسد على سلامة قيمة الحياة، وتفضل التسكع للفاتحين على حمل مشقات تاريخها.
اليوم يهنىء السوريون القوميون بعضهم البعض الآخر لأنهم قد أنقذوا كرامة الأمة.
في هذا اليوم نهضت أمة عظيمة لتحمل أعباء تاريخها على أكتاف جبابرتها رجال الحزب السوري القومي الذين يوفونها حقها من المكرمات.
في هذا اليوم ابتدأت الأمة العظيمة تاريخها.
هنيئاً للأمة التي لها تاريخ!

النهضة، بيروت
العدد 29، 16/11/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى