رأي النهضة – محافظة اللاذقية وحق المنتصر


منذ أيام أرسلت برقيات تحمل توقيع السيد إبراهيم الكنج أحد أقطاب العلويين وغيره إلى المفوضية وإلى وزارة خارجية فرنسة وفيها روح انفصالية شديدة سببها عدم رضى السيد الكنج ومن والاه عن النتيجة التي صارت إليها محافظة اللاذقية بعد الانتخابات النيابية. وقد دفع السبب عينه السيد إبراهيم الكنج ليأتي بيروت ويأتي معه صقر خير “بك” والنائب محمد إسماعيل وعلي محمد كامل والأستاذ نوفل الياس، بقصد مقابلة المفوض السامي.
ونشرت النهضة في عدد أول أمس خبر وصول هذه الفئة ومقابلتها المفوض السامي، وبسط أفراد هذه الفئة للمفوض المرامي التي يقصدونها وهي توسيع نطاق الاستقلال المالي والإداري وجعل المحافظ منتخباً.
وواضح أنّ القصد من هذه السياسة إثارة مشاكل تتعب الحكومة المركزية في دمشق انتقاماً منها للسياسة التي اتبعتها في محافظة اللاذقية أو حملاً لها على الإذعان لمطالب هذه الفئة التي بينها من هو متنفذ في منطقته.
إذا رجع القارىء إلى العدد الأول من النهضة وجد أنّ هذه الجريدة قد تكهنت بالمصاعب التي ستولدها السياسة التحزبية الكتلوية في محافظة اللاذقية. وإثارة مشاكل انفصالية في هذه المنطقة ليست من المسائل الهينة في هذا الوقت الذي تقطع فيه الإسكندرونة من جسم الوطن وتثار مشاكل انفصالية في لواء الجزيرة. ولكن سياسة الضيعة التي تقرر الاتجاه السياسي الكتلوي أبت أن تنظر في نتائج الأمور.
إنّ سياسة التحزب الكتلوي سياسة خرقاء ضيقة. وهذه السياسة لضيقها، أصبحت مانعة من التطور القومي ونموّ الدولة، لأن نظرة واحدة ضيقة هي التي تسيطر وهذه النظرة هي الاحتفاظ بالحكم.
تستند الكتلة في هذه النظرة على مبدأ لا يصحّ في مثل هذه الأحوال هو مبدأ حق الفتح أو حق النصر. و”الكتلة الوطنية” تعدّ نفسها منتصرة لأنها فازت بالمعاهدة فوزاً أولياً ومركزت الحكم في الداخل مركزة إسمية.
ومعلوم أنه لا مبرر لنظرية “الكتلة الوطنية” القائلة بحزب واحد هو حزب الكتلة سوى هذا المبدأ. فـ”الكتلة الوطنية” لم تعالج القضايا القومية ولم تضع برنامجاً قومياً جامعاً يتناول جميع الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، ولذلك لا وجه مطلقاً لهذه النزعة الكتلوية القائلة بالقضاء على كل حزب غير حزب الكتلة.
كان أحد النواب الكتلويين يناقش زعيم الحزب السوري القومي في نظرية الكتلة. فقال ما ملخصه إنّ البلاد اليوم في حاجة إلى توحيد الصفوف. فتعدد الأحزاب في هذه الظروف يضر المصلحة العامة. فقال الزعيم: كيف يمكن أن تتوحد الصفوف من غير جامع وخطة يمكن أن يقبلها القوميون؟ إنّ الحزب السوري القومي يقول بتوحيد الأمة كلها في حزب واحد هو الحزب السوري القومي. وهذا الحزب هو الوحيد من بين كل الأحزاب الذي وضع مبادىء تعيّن مصالح الأمة وإرادتها ونظام العمل، وهو من هذا القبيل الحزب الوحيد الذي يجد مبرراً للقول بتوحيد الكلمة، لأنه تقدم إلى الأمة بعقيدة واضحة وتمثيل مصالح معينة وخطة جلية ونظام دقيق. أما أنتم الكتلويين فتريدون منا أن نسلّمكم أعناقنا ومصير القضية الوطنية من أجل أنكم وطنيون طيبو القلب، ومعالجة القضايا الوطنية لا تتم بطيبة القلب.
إنّ تثبيت الدولة على أُسُسٍ راسخة أمر لا يتم بالوطنية وطيبة القلب، فلا بد لتأسيس الدولة من نظرة قومية صحيحة فاهمة تضع الخطط الناجحة لإيجاد التجانس بين مصالح الأمة الداخلية وبين جماعات الأمة. أما الأخذ بنظرة إيجاد حزب حاكم وإلغاء كل حزب آخر، ففكرة عقيمة، ليست في مصلحة الأمة التي تحتاج إلى حزب جديد يعرف حاجاتها ويُخرج قواها من مكامنها ويولد فيها حيوية تستطيع أن ترفعها إلى مراتب الأمم الحية الراقية.
تحتاج الأمة إلى حزب مبادىء وبرامج قومية مستمدة من مصلحة الأمة التي ينبثق منها. ولكن “الكتلة الوطنية” تقول لا حاجة للبلاد بهذا الحزب، وتمضي في معالجة القضايا القومية على أساس التحزب فتنفر العناصر التي يجب استمالتها.
أما خطة السيد إبراهيم الكنج وجماعته في الجواب على سياسة الكتلة فليست خطة قومية ولا تتفق مع الكرامة القومية. إنّ عهدنا بإبراهيم الكنج أنه وطني. ولو أنه اعتمد على وطنيته وحدها لوجد فيها خير سند لرد الكيل للكتلة.
والظاهر أنّ إبراهيم آغا الكنج قد أصغى لناصح سوء، فقام يسعى لدى مفوضية الدولة المنتدبة ضد الحكم الوطني، وهذا ليس عملاً قومياً.
إنّ أمورنا الداخلية يجب أن تبقى من شؤوننا نحن. ولا يفتح الطريق للأمة غير عمل الأمة معتمدة على نفسها.

النهضة، بيروت
العدد 23، 9/11/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى