رأي النهضة مشاكل دولة الشام – الحزبية قبل القومية

هذا هو الشعار السائد في الجمهوريتين السورية واللبنانية وسائر القطر السوري وبين تصادم مجاري الأهواء الحزبية تضيع المصلحة القومية الجامعة.
هكذا نرى القوى العقلية في طول سورية وعرضها محشودة حول نقطة واحدة ضئيلة، تكاد لا ترى بالمجهر، بالنسبة إلى المسائل الحيوية الكبرى، ومنصرفة إلى معالجة مشاكل هزيلة هي أشبه شيء بمشاكل القرية، لأنها تقتصر على المشادة بين فلان وفلان، والعمل على إنزال فلان ورفع فلان، وجعل الوجيه الفلاني في صفوف هذه الفئة لريح المحيطين به، ونبذ الوجيه الفلاني إلى تلك الفئة لعدم تجانس مطامعه مع هذه. أما فلان ذو الخبرة في المسائل السياسية التي لها علاقة بحياة الأمة وفلان ذوو المبادىء الاقتصادية التي يمكن أن ترفع مستوى ثقافة الشعب، وأما المصالح القومية وإيجاد التجانس النظري والعملي في معالجتها فمن الأمور الثانوية في اعتبار ذوي الشان.
قامت “الكتلة الوطنية” في الشام بعمل بُني على العاطفة الوطنية لا على التفكير القومي ولذلك لم تنشىء الكتلة منظمة شعبية أو مؤسسة سياسية. وكان غرضها إيجاد وحدة الحكم في الشام وتحويل الانتداب إلى معاهدة. أما ما هو أساس الدولة الاقتصادي والاجتماعي وما هو الأسلوب الذي يمكن أن يحول المتناقضات القومية إلى تجانس موحد للعواطف وألأفكار لكي تصبح الدولة وحدة فاعلة، لا مجرّد ركام من المواد البشرية المشلولة، فمن الأمور التي ظلت بعيدة عن تفكير سياسيي الكتلة، ولذلك لم تضع “الكتلة الوطنية” برنامجاً اقتصادياً يعالج مشاكل الأمة الداخلية ويضع الحلول العملية لها.
وحظيت “الكتلة الوطنية” بغرضها تحت ضغط العوامل السياسية التي كان للحزب السوري القومي أثر كبير فيها ونالت وحدة الحكم في الشام ومعاهدة بدلاً من الانتداب، ورضيت العاطفة الوطنية ونفذت الكتلة مهمتها.
وقد أدى تنفيذ الكتلة غرضها إلى تسلم رجالها دكات الحكم. ولكي يثبت الحكم لجماعة يجب أن تنتظم وتنظم صفوفها وقواتها فأدرك رجال الكتلة، بعد ما رأوا من مثال الحزب السوري القومي البديع في قيمة المبادىء والتنظيم والمؤسسات، أنّ الأمر يدعوا إلى إيجاد رابطة حزبية للجماعة التي أيدتهم فأخذوا ينظمون أنفسهم حزباً. وقلدوا الحزب السوري القومي في نظام الميليشيا فشكلوا القمصان الحديدية التي تلهت بالألبسة وتعرضت لأمور لم تقدّر عواقبها.
وحتى الساعة تعمل الكتلة على تنظيم مكاتب إدارية “لحزب الكتلة” ولكنها لما توفق إلى وضع برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي لهذا الحزب. فلا تزال النظريات غير الناضجة تسيطر على أعمال وتدابير إدارته. ولا تزال هذه الإدارة بعيدة عن إدراك طبيعة العلاقات الاجتماعية القومية وأساليب توثيقها.ولذلك فالأمر في الجزيرة العليا فوضى لا مثيل لها، والإدارة عاجزة عن إيجاد حل لمشاكلها فتضطر للالتجاء إلى معونة الدولة الحليفة المنتدبة، وقضية جبل حوران دخلت في دور حزبية القرية وعولجت بأساليب حزبيات القرية. وفي اللاذقية سارت السياسة الداخلية على أساس قضايا القرية. ولم تتمكن الكتلة من إيجاد قضية عامة تعالج على اساسها المشاكل المحلية.
أما نكبة الإسكندرونة فقد دلت على عجز فاضح في إدراك أسباب السلامة القومية.
في هذا الطور الخطير تظهر قيمة الأساس القومي للعمل السياسي الداخلي. وهذا الأساس يقضي بفسخ المجال لنشوء المنظمة القومية التي تأتي بمؤسسات جديدة وأساليب جديدة صالحة لتأمين القواعد الصحيحة لتسيير المبادىء القومية وتحقيق المثل العليا.
وقد علمنا أنّ مخابرات جرت بين الحزب السوري القومي وأركان الحكومة الشامية القصد منها اظهار ضرورة فسح المجال لهذا الحزب ليعمل عمله القومي الذي لا تصادم بينه وبين هيئة الحكومة الحاضرة.
فعسى أن يدرك أصحاب الشان في الشام أنّ الحزب السوري القومي منظمة قومية ضروري وجودها للعمل على إبادة التناقضات الداخلية، وتحويل جماعات الأمة إلى أجزاء متجانسة تجعل للأمة كياناً صحيحاً متجانساً، وتعمل على تدارك مقدرات البلاد المعرضة لأخطار يقتضي درؤها استجماع كل القوى القومية.
إنّ للأمة حقاً في التطور لتحيا ورجال الحكم مسؤولون عن تمكينها من هذا الحق.

أنطون سعاده
النهضة، بيروت
العدد 3، 16/10/1937

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى