رسالة الأرجنتين تطهير المهجر من العلق والسوس «الحرب بين مبدأ الحياة ومبدأ الموت»


بوينس آيرس في 5 مايو/أيار 1940 ــــ لمراسلنا الخاص


في الخطاب الذي ألقاه الزعيم في أول يوليو/حزيران 1935 تناول سعاده مسألة الصعوبات الداخلية التي تعترض سير الحركة السورية القومية ونهضة الأمة السورية. وفي خطابه في أول مارس/أذار 1938 تناول مظاهر الفساد المناقبي والانحطاط الأخلاقي التي يحتاج الحزب السوري القومي لنفيها من الأوساط القومية ولتطهير الأمة منها. وفي مواقف متعددة بيّن الزعيم أنّ الجهاد القومي يجب أن يكون داخلياً أولاً، وأنّ الانتصار على عناصر الرجعة والنفعيين تجار المبادىء والأعمال، الذين لا معنى للحياة عندهم غير ابتزاز الناس و المتاجرة بشعور الشعب ومطالبه، هو شرط أساسي للانتصار على أعداء الأمة الخارجيين. إنّ شعار الزعيم من هذه الوجهة وهو: «حارب الرذيلة حيثما التقيتها لا تنفك عنها حتى تجهز عليها». رذائل عهد الانحطاط هي أكبر عائق لتقدمنا وشالّ لحركتنا، وانتصار أمتنا على أعدائها الخارجيين يجب أن يسبقه انتصار عناصرها الصحيحة على العناصر المصابة بمرض الانحطاط المناقبي.

أتاحت الظروف للزعيم فرصاً عديدة للتعبير عما يعنيه وما يريده في هذا الصدد في أوساط السوريين المهاجرين، وها هو قد أشار في خطابه أول مارس/أذار الماضي إلى أنه جاء المهجر حاملاً إليه فكرة الصراع بين مبدأ الحياة ومبدأ الموت.

كلام الزعيم يدل على أنه يعرف شعبه جيداً، وأنه كان ينتظر كل ما يحتمل أن تقوم به عناصر العقلية المريضة. وإذا كانت هذه العناصر قد تمكنت من تنفيذ بعض خططها الأثيمة في البرازيل، فقد كان ذلك بسبب وجود الزعيم في حالة مرض وإجهاد لم تسمح له بتتبع الشؤون بنفسه، فتمكنت بعض العناصر الأثيمة من التقدم تحت ستار «الوطنية» والغيرة على المصلحة القومية ونيل مآربها المادية، قبل أن يتمكن الزعيم من إزاحة الستار عن نياتها السيئة والضرب على أيديها.

إنّ هذه العناصر الأثيمة تمكنت من الوصول إلى أشياء كثيرة في البرازيل والتلاعب بالتبرعات التي قدمها الغيورون تحت ستار غيرتها على الزعيم والقضية، وبفضل مرض الزعيم وتوقيفه.
في كل جالية سورية عناصر أثيمة لا تحدّثها نفسها إلا بالسوء. ومن هذه العناصر من قد قضى عمراً طويلاً في المران والتفنن في خداع الناس بوطنيتهم وغيرتهم على مصلحة «القضية الوطنية»، حتى اكتسبوا مهارة كبيرة في لبس لبوس كل حالة. فهم لا همّ لهم غير التربص وانتظار السوانح. إنهم كالأفاعي تنساب بين كثافة المجتمع غير المنظم وتتخذ لها مكامن تخرج منها لسوء، ثم تعود إليها فتختبىء وينسى أمرها الناس.

وقد ظنت هذه العناصر في جالية الأرجنتين أنها ستفعل أكثر مما فعلته عناصر جالية البرازيل، خصوصاً بعض هذه العناصر التي يصح أن يطلق على الواحد منها اسم «واوي عتيق» أو ثعلب قديم، أي واسع الحيلة، فتقدمت من الزعيم تحمل في مظاهرها الغيرة والإخلاص وفي بواطنها لبانات وغدر وخيانة. ولكن عودة النسر القومي إلى الانتصاب على ساقيه جعلت هؤلاء المنافقين يعلمون أي منقلب ينقلبون.


طرد حسني عبد المالك وجبران سابا:
«من خدعك فانخدعت له، فقد خدعته»، معاوية.
«من تقدم إلينا بصراحة وصدق قابلناه بصراحة وصدق من جانبنا، ومن جاءنا يقصد مكراً بنا مكرنا به وكنا بالماكرين أشد مكراً»، سعاده. (من خطاب الزعيم في الشوف 1937).
السيد حسني عبد المالك هو شخص قد شاب شعره وقلع أضراسه في «كار الوطنية» بواسطة الصحافة والجمعيات التي انخرط فيها ومشاريع التبرعات والمآدب التي كان له ضلع فيها. وبهذه الطريقة اكتسب عند الكثير من السذج لقب «وطني غيور»، حتى أظهروا استغراباً شديداً حين أعلن الزعيم في الخامس والعشرين من أبريل/نيسان الماضي طرده وطرد شريكه السيد جبران سابا.

تقدم السيد حسني عبد المالك المستخدم كاتباً في جريدة «السلام» من الحزب السوري القومي مُظهراً تقديراً عظيماً للزعيم ورسالته. ولما أقيمت مأدبة الجامعة الطرابلسية في يوليو/تموز الماضي للزعيم، ظهر السيد عبد المالك فيها خطيباً يقدّر رسالة الزعيم، ومنذ ذلك الوقت انضم إلى الحركة القومية. ولكنه اكتفى بالمجهود القليل من المظاهر الذي خوّله دخول الحركة، وكان الزعيم لا يزال في حالة ضعف شديد لا يتصل بأوساط الجالية ولا يحتك بالناس.
مضى على السيد عبد المالك أشهر عديدة وهو عضو في الحركة القومية، ولكنه كان قطعة جامدة لا يكلف نفسه سعياً ولا يقوم بعمل يدل على صحة «غيرته»، فشعر الزعيم أنه يتربص لسانحة فانخدع له وفسح المجال أمامه. فكلفه رئاسة لجنة تمهيدية قبل سفرته إلى ولاية توكومان. فتقدم إليه السيد عبد المالك بقائمة مطاليب وسؤالات في ظاهرها بساطة خادعة ولكنها تضمنت مثل هذه السؤالات: كيف تجري المخابرة مع الوطن، وبأية طريقة يمكن مخابرة مكتب عبر الحدود في الوطن؟ من هم القوميون المكتومون هنا؟ فأجابه الزعيم أنّه يجيب على هذه السؤلات حالما يسمح له الوقت بذلك!

سئل السيد عبد المالك لماذا لا يكتب في القضية القومية في الجريدة التي يعمل فيها، فادعى أنه مقيد بشدة، وسئل لماذا لا يرسل مقالات إلى الجريدة القومية «سورية الجديدة» في البرازيل فوعد بالكتابة، ومرت الأيام على الوعد. فلما تذمر الزعيم وأظهر استياءه من «قومية» السيد عبد المالك الجامدة الغامضة، أظهر بعض الأشخاص أنّ حالة هذا السيد في عسر مادي، فاستدعاه وعرض عليه الانتقال إلى البرازيل ووعده بالتوسط مع إدارة سورية الجديدة لتقبله محرراً فيها، فقبل الرجل الفكرة مبدئياً ولكنه أوجد صعوبات. فقدم للزعيم لائحة بخط يده يقول فيها إنه مديون بألف ومئة «باسس» أرجنتيني ونيف، وإنه يطلب اقتراض هذا المبلغ، على حساب عمله في «سورية الجديدة»، ويطلب فوق ذلك دفع أجرة سفره وأجرة تقوم بمعاشه وباستهلاك القرض وبزيادة مئة باسس لأمر خاص. فتعجب الزعيم من هذه المطاليب ومن أنّ الغيور حسني لا يقبل بمعاشٍ أفضل من المعاش الزهيد الذي يتناوله في عمله هنا.

وكان الزعيم قبيل سفره إلى توكومان قد أخبر السيد عبد المالك أنه يدرس مسألته، وقطع السيد عبد المالك وعداً بمراسلة «سورية الجديدة» والمباشرة في الحال، ولكنه لم يفعل شيئاً حتى جاءه من إدارة «سورية الجديدة» أنها قد عيّنت له راتباً شهرياً، فابتدأ يراسلها، ولكنه بدلاً من إرسال رسائل كان يكتب مقالات، لأن كتابتها أهون ويطلب من الجريدة أن تحسبها كرسائل.

أخيراً وجد السيد حسني عبد المالك الميدان الذي يبرز فيه: ميدان التبرعات والمآدب، فلما شعر بالأوساط القومية تتحرك للاحتفاء بعيد مولد الزعيم، أظهر غيرته الشديدة على الزعيم ورسالته، وفوضت إليه الأوساط القومية أن يكون في عداد اللجنة التي تألفت لإعداد الاحتفاء بمولد الزعيم، واختارته اللجنة رئيساً لجلساتها. فلم يكن أسرع من السيد حسني عبد المالك في العمل الكتابي فوضع منشور اللجنة وابتدأ يكتب كتباً كثيرة عمومية وخصوصية إلى الداخلية، وكان شديد الاهتمام بأن يقوم هو وحده بهذا العمل، فكان يرفض المساعدة التي يعرضها عليه بعض القوميين بحجة أنهم غير حائزين شهادة من مكتب هواويني بالخط الفني الجميل. وكان في الوقت نفسه يتظاهر أمام أعضاء اللجنة بأنه يتحمّل أعباء العمل وحده بصبر جميل تولّده فيه غيرته وتقديره للزعيم ورسالته.

الأسباب المباشرة لطرد حسني عبد المالك وجبران سابا:
تألفت من بين أعضاء لجنة الاحتفاء بمولد الزعيم لجنة فرعية سُمّيت «اللجنة المالية»، غرضها الاهتمام بالاشتراكات التي ترد لحضور المأدبة التي تقام في يوم الاحتفاء، أي إنّ عملها كان مقتصراً على الاتصال بأوساط بوينس آيرس، أما الاتصال بالجالية عموماً والتمثيل الرسمي فكان منوطاً بالسيدة كتلينا مسوح والسيد حسني عبد المالك مشتركين، الأولى تمثل لجنة السيدات والثاني يمثل لجنة الرجال، إذ إنّ لجنة الاحتفاء المختلطة تألفت من تدامج لجنتي السيدات والرجال.

وضع عنوان المراسلات في مكتب السيد جبران سابا الذي انتخب خازناً، فصار السيد عبد المالك الذي اختير لرئاسة الجلسات يذهب كل يوم إلى مكتب السيد سابا، ويصرف ساعات يكتب ويتسلم المراسلات، وبقيت مسألة المراسلات محصورة بين السيد عبد المالك والسيد سابا. وقلّما كانت تدعى اللجنة للاجتماع والنظر في سير الأمور.
بعد انتهاء الاحتفاء بنحو شهر، أي في أواخر مارس/آذار عقدت اللجنة جلسة، بناءً على إلحاح الأعضاء في إنهاء الأعمال وتصفية الحسابات وتقديم الهدية التي تقرر تقديمها. فقدّم السيدان حسني عبد المالك وجبران سابا حساباً إجمالياً بما دخل وما خرج. ولمّا جرى سؤال عن التفاصيل قال رئيس الجلسة السيد عبد المالك إنّ اللجنة قد انتهت ويجب أن تعتبر منحلّة، وإنّه سيوزّع هو والخازن فيما بعد لائحة بالاشتراكات والنفقات بشرط أن يَعِدَ كل عضو بــ«كتمان هذه اللائحة ومضمونها».

أثارت هذه المسألة ظنون الأعظاء فانتظروا عودة الزعيم من هضاب «كوردبة»، ثم طلبوا عقد جلسة بحضوره، فعقدت في الرابع من أبريل/نيسان. في هذه الجلسة وضع أمم اللجنة كتاب غريب هذا نصه:
«حضرة الرئيس المحترم والأعضاء الكرام دمتم للوطنية والغيرة سنداً وعماداً، «أتشرف بإيصال هذه النداء إليكم، نظراً لما أعهده فيكم أنا شخصياً وتعهده اللجنة كلها بحضراتكم من الغيرة والشهامة راجياً أن تنظروا إلى عمل لجنتنا بعين الاعتبار والغيرة المشهورة عنكم، فتلبّوا صوت الوطن الصارخ إليكم. ولا أشك بأن مروءتكم ستنهض كعادتها إلى المناصرة فتوافونا بما تسمح به نفوسكم على العنوان المذكور في رأس المنشور الواصل طيّه، ولئن كان ذلك بصفة فردية أو بدون عقد جلسة رسمية، نظراً لقرب الوقت إذا كان لا ينفسح لعقد جلسة. ثم لا تبخلوا علينا ببرقية انضمام أو رسالة تأييد ليلة المأدبة أو قبلها. وموعد المأدبة أول مارس/آذار القادم الساعة 21.30.
«على انتظار جوابكم الكريم ومع الاستعداد لكل ما يلزم لجمعيتكم وللعمدة الكريمة نحيّيكم بكل إخلاص.
«عن فريق السيدات
كتالينا مسوح
عن فريق الرجال
حسني عبد المالك»
«عنوان المراسلة:
Comision de Homenage a Saadeh Reconquista 114, Escrit 20, Buenos Aires

فطلب الزعيم من اللجنة التي دعته إيضاح هذا الكتاب، فتبين أنه كتاب وضعه السيد حسني عبد المالك وأرسله إلى الجمعيات السورية في الداخلية، بدون معرفة اللجنة وبدون اطّلاع السيدة كتلينا مسوح عليه.
فقال الزعيم إنه يستنكر جداً استعمال شخصيته بهذه الصورة، وإذا كانت الهدية التي ستقدم إليه جمع المال لها بهذه الكيفية فهو يرفض الهدية، وإذا كانت البرقيات والكتب الواردة وردت بمثل هذه الأساليب فهو يرفض هذه أيضاً.
فصرح أعضاء اللجنة بأن الهدية تقدم من الاشتراكات التي تقدمت من القوميين والمحبذين والمعجبين في بوينس آيرس، وأنه إذا كانت وردت أموال أو كتب وبرقيات بناءً على هذا الكتاب الذي وجّهه السيد عبد المالك فهي لا تعرف عنها شيئاً.

ودرست اللجنة مسألة هذه الكتاب الخطيرة التي أحرجت مركزها تجاه الزعيم، فوضح من الدرس أنّ هذه الكتاب مخالف لغاية الجمعية وللنهج الذي نهجته، وأنّ فاعله قد رمى من ورائه إلى ما لا علاقة للجنة به، وأنه استعمل التوقيع المصطلح عليه من قبل اللجنة زوراً، أي بإضافة اسم كتلينا مسوح مع أنه كتب الكتاب بلهجة فردية.
والتحليل الحقوقي لهذا الكتاب يوضح أنه حثٌّ للناس على مساعدة وطنية بدليل عبارة «تلبّوا صوت الوطن الصارخ إليكم»، فيوهم القارىء أنه مقصود من الحفلة والاحتفاء بالزعيم أن يكونا وسيلة لجمع إعانات «للوطن الصارخ». ويوضح التحليل أيضاً أنه أعطى عنوان المراسلة اسم اللجنة غير المسجل لدى الحكومة بدلاً من اسم السيدة كتلينا مسوح وحسني عبد المالك معاً لتكون الكتب والتحاويل باسميهما مشتركين. واسم اللجنة بهذه الصورة يكون عرضة لتلاعب واسع، فأي من أمضى على قفا تحويل ماليّ باسم اللجنة غير المسجل يمكنه أن يقبض المال بدون أدنى مسؤولية. ثم هنالك صيغة الكتاب الفردية التي تحمل على اعتبار السيد حسني عبد المالك هو الواجب مخابرته شخصياً.

فلما وضحت هذه الاعتبارات للجنة طلبت من السيد حسني عبد المالك إيضاحاً عن تصرفه، فقال إنه أرسله خفية عن اللجنة ولم يستبق معه نسخة لإطلاعها عليه «لضيق الوقت». فكان هذا الاعتراف كافياً لاتخاذ اللجنة قراراً بوضع إذاعة في الصحف تتنصل فيها من مسؤولية هذا الكتاب.
بعد ظهور هذا الكتاب أُحرِجَ موقف السيد عبد المالك كثيراً. وسواء أكان السيد عبد المالك تسلم وحده، أو بالاشتراك مع السيد جبران سابا، أموالاً باسم «تلبية نداء الوطن» على حساب الاحتفاء بمولد سعاده أم لم يتسلم، فخطورة الكتاب من الوجهة الحقوقية والمعنوية كبيرة.

وزاد موقف السيد عبد المالك حراجة ورود كتاب إلى الزعيم من إدارة «سورية الجديدة» يطلعه أنّ الإدارة أرسلت، بناءً على إلحاح الزعيم، مبلغ كنط تعويض خمسة أشهر عن المراسلة للسيد عبد المالك في حوالة واحدة، وأنّ جواب السيد عبد المالك بعد قبضه المبلغ هكذا:
«يوم حدثني حضرة الزعيم كما حدّثني الرفيقان أسد الأشقر وخالد أديب عن مراسلة «سورية الجديدة» وأصروا عليَّ قبول أجرة لم أوضح لأحد منهم فكري الحقيقي على الإطلاق، لأنه يكون بمثابة بيع السمك قبل صيده… أي إني كنت ناوياً أن أخصص تلك الأجرة لتغطية جانب من نفقات مكتب الزعيم… أرى أني وجدت سبيلاً لأفيد القضية من حيث نفقات الحفلة بما أستفيده من «سورية الجديدة» فأكون قد حققت فكري بهذا الأسلوب، بعد كتمانه إلى اليوم».
فرأى الزعيم في جواب السيد عبد المالك كذباً ووقاحة ليس بعدها وقاحة. وللحال أرسل وسأل اللجنة إذا كان صحيحاً أنّ السيد عبد المالك تبرع للحفلة بمبلغ نحو مئتي باسس أرجنتيني، فكان الجواب أنه حُسب للسيد عبد المالك اشتراك بمبلغ أحد عشر باسس، وهو مبلغ لم يدفعه من جيبه بل حُسب له بنتيجة عملية بعض تذاكر.

وفوق هذا وذاك جاءت حادثة جديدة تدل على نفاق السيد عبد المالك، وهي اعتراف السيد جبران سابا أمام وفد من اللجنة ذهب ليناقشه في موقفه، أنّ السيد حسني عبد المالك طلب منه ذات يوم الذهاب معه لفحص ثمن ساعة ذهبية كان قد نقش عليها حرفا A.S. فذهبا إلى محل مجوهرات وطلبا معرفة ثمنها، فقدرت بمبلغ أربعمائة وخمسين أو خمسمائة باسس، أي نحو كنطين ونصف من العملة البرازيلة. فلما بلغ الخبر الزعيم استاء جداً وقال إنه لا يقبل هدية من رجل لا يسمح له معاشه ولا حالته المادية بتقديمها. وهذا كان رفضاً لطيفاً من الزعيم. ومجرّد التأمل في مسألة هذه الهدية من رجل يطلب من الزعيم أن يدبّر له قرضاً مالياً لوفاء دين عليه يزيد على ألف باسس، وراتبه لا يسمح له بوفاء شيء منه، يظهر حقيقة هذا الدجّال «الوطني».

كل هذه الأسباب المباشرة دعت إلى طرد حسني عبد المالك من الأوساط القومية. أما جبران سابا فقد طُرد لتواطئه مع السيد عبد المالك والعمل معه يداً بيد في جميع الشؤون الخفية المادية والمعنوية. وعندما سأل بعض أعضاء اللجنة عما ورد من الداخلية كان سابا يقول: «أنا لم أفتح المكاتيب، الرئيس كان يفتحها» وعبد المالك كان يقول: «المكاتيب كانت تأتي على مكتب سابا».
بعد ظهور سوء ائتمان هذين الشخصين المدعوين حسني عبد المالك وجبران سابا طردا نهائياً.

سوابق المدعو حسني عبد المالك:
إنّ الزعيم كان قد اهتم بمعرفة شيء من ماضي المدعو حسن عبد المالك، خصوصاً بعد أن اطلع على سؤالاته الجاسوسية فيما يختص بكيفية مخابرة دوائر الحزب في الوطن. وقد وردت مكتب الزعيم معلومات تفيد أنّ هذا الشخص هو من أصحاب السوابق.

فبمناسبة مشروع التبرع لمساعدة المجاهدين في الصحراء، يوجد معلومات وثيقة على أنّ السيد حسني عبد المالك وضع مبلغ عشرة آلاف باسس في مصرف باسمه الخاص، وجرى ذلك بالتواطؤ مع أشخاص آخرين من جمعية «ثمرة الإحسان»، وهذا يعني أنّ هذا المبلغ يبقى في ذمة المدعو حسني عبد المالك لمعرفة إذا كان أرسل إلى أصحابه ومعرفة من هم أصحابه.

وهنالك مسألة استخدام «الجامعة السورية» التي أسسها في بوينس آيرس المغفور له العلاّمة الدكتور خليل سعاده، والد الزعيم، حين كان في الأرجنتين فيروى عن ثقة أنه لما أخذت هذه الجمعية تعمل على تسهيل الاستحصال على أوراق هوية، وتعطي شهادات تثبت جنسية المهاجرين، وكان ذلك بعد ترك المغفور له الدكتور خليل سعاده، كان المدعو حسني عبد المالك هو القائم على هذا الأمر، ويقول شهود إنه جرى بواسطته ابتزاز أموال أدى إلى مجيء جماعة من المهاجرين إلى مكان «الجامعة السورية» للاحتجاج على ما كان القائمون بالأمر من قبل الجامعة يتقاضونه لقاء شهاداتهم، وهو أضعاف أضعاف ما تتقاضاه جمعيات أخرى تقوم بالعمل عينه.

هذه السوابق وغيرها تعود اليوم إلى الظهور بمناسبة طرد المدعو حسني عبد المالك والمدعو جبران سابا، وتطهير الأوساط القومية من الجراثيم المفسدة الروحية التي ينفثانها فيها.

وقد بلغني أنّ اللجنة ستصدر بياناً تضع فيه بعض الأعمال عند مسؤوليتها الحقيقية.
إنّ التطهير القومي قد ابتدأ مع ابتداء الحزب، ويجب أن يستمر باستمرار النهضة القومية، هكذا يقول الزعيم وهذه هي الطريق لنجاح الحركة القومية.

سورية الجديدة، سان باولو،
العدد 65، 11/5/1940

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى