ريشة شكيب أرسلان في مهبّ الدعاوات الأجنبية

في ختام سلسلة «جنون الخلود» قال الكاتب صاحب السلسلة إنّ كتابات السيد شكيب أرسلان مستوحاة من الدعاوات الأجنبية التي يتقلب بينها قلم ذاك السياسي المشعوذ (انظر ج 5 ص 273).
وإننا ننشر فيما يلي، نقلاً عن عدد الشباب المصرية الصادر في 8 فبراير/شباط 1939 ما نشرته الجريدة المذكورة من الأخبار في صدد محاولة السيد أرسلان العودة إلى سورية، ونص رسالة بعث بها السيد المذكور إلى صاحب جريدة الشباب بيّن له فيها «موقفه ونظرته السياسية» المتضمنة دعاوة مدسوسة لفرنسة ولتركية بقصد صرف أفكار السوريين عن جريمة هاتين الدولتين باتفاقهما على تسليم منطقة الإسكندرونة السورية إلى تركية.
قالت الشباب:
«منع فرنسة للأمير شكيب أرسلان من دخول سورية»
«ما هي الأسباب وماذا يقول الأمير؟
«كان المنتظر أن يمرّ عطوفة الأمير شكيب أرسلان، شيخ المجاهدين في الشرق، بميناء الإسكندرية يوم 31 يناير/كانون الثاني قادماً من سويسرا في طريقه إلى سورية ليتسلم مركزه الذي انتخب له وهو رئاسة المجمع العلمي العربي.

«وبينما المساعي تبذل في مصر للسماح لعطوفة الأمير الجليل بزيارته إخوانه فيها إذا بحادث جديد غريب يقع في فرنسة وهو أنها منعت عطوفته من الرجوع إلى سورية! فدهشنا لهذا الخبر أشد الدهشة، وقد قابلته البلاد العربية بالاستغراب والاستنكار، فأخذنا نتربص لنعلم السبب فلم نقف على جديد، وها نحن ننتظر.
«ماذا يقول الأمير شكيب؟
حظينا برسالة خاصة من عطوفة الأمير شكيب أرسلان يفصّل فيها الحادثة ويعلّق عليها، قال حفظه الله.
جنيف 1 ذو الحجة 1257 ــــ [22/1/1939]

أخي أبا الحسن [محمد علي الطاهر] لا عدمته
كتبت إليك من يومين أننا قررنا السفر في 28 يناير/كانون الثاني الجاري من ثغر البندقية وأن نكون في الباخرة «ماركو بولو» التي سيسافر بها صاحب المقام الرفيع عزيز عزت باشا.
إلا أننا لم نفطن لقضية الرخصة بالسفر إلى سورية وهذه الرخصة لا بدّ أن تكون من حكومة فرنسة فراجعنا قنصلية فرنسة في جنيف فأجابت بأنها تلقّت أمراً من نظارة الخارجية في باريز بأن لا تعمل إشارات على تذاكر السفر إلى سورية دون استئذان من الخارجية، فقلنا للقنصلية استأذني إذنْ ونحن نأخذ منك الجواب غداً، ففي اليوم التالي أخذنا الجواب فكان «إنه في الوقت الحاضر لا سبيل لإعطاء فيزا للأمير شكيب»، فلما اطّلعنا على هذا الجواب أبرقنا إلى جميل بك مردم رئيس الوزارة السورية برقية مطولة وطلبنا إليه المفاوضة مع المندوب السامي الجديد بأن شكيب أرسلان انتخب رئيساً للمجمع العلمي في دمشق وقد استدعته حكومة سورية ليتسلم وظيفته فلا بدّ له من المجيء إلى سورية.
ولا أزال في انتظار الجواب.

وقد رأيت هذه المعاملة غريبة، لأنه إن كان المقصود بمنعي من الذهاب إلى سورية أن لا أشدد السوريين على تقاضي العمل بالاتفاق الفرنسةوي السوري، فالجواب أنّ السوريين قاطبة محتاجين إلى من يشددهم في هذا الأمر، فالحكومة نفسها من الباب إلى المحراب تعلن أنّ سورية ليست جزءاً من الامبراطورية الإفرنسية ولن تكن جزءاً والمجلس قرر أنّ الشعب السوري لا يزال موافقاً على المعاهدة مع فرنسة، وهي المنعقدة سنة 1936، لكن لا يقبل ملحقاتها التي لم يطّلع عليها المجلس، فإن رضيت فرنسة بذلك فيها ونعمت وإلا فالشعب السوري معلن استقلاله.
وقد قام الشعب المذكور أمام المندوب السامي الجديد المسيو بيو بمظاهرات عامة شاملة على اختلاف الأحزاب، تبيّن له فيها أنّ السوريين موطّنون أنفسهم على بذل دمائهم وأموالهم وكل ما في أيديهم لأجل الدفاع عن استقلالهم، وإن كان وجد بعض جماعة من العلويين أو من الدروز صلاتهم بدائرة الاستخبارات الإفرنسية معروفة يخالفون مبدأ الوحدة السورية، ومثلهم بعض الشذّاذ الملتجئين من تركية إلى مقاطعة الجزيرة وهم أيضاً على اتصال بالفرنسيس الذين هم مستخدمون هناك، فكل هذا أمور صنعية غير طبيعية مصيرها إلى الاضمحلال، وهي لا تؤثر في مجموع العلويين ومجموع أهل الجزيرة ولا تؤثر بخاصة في مجموع الدروز العرب الأقحاح الذين ضحوا أربعة آلاف شاب في ثورة 1925 لأجل تأييد استقلال العرب.
وأظن أنّ المندوب السامي الجديد قد فهم الحقائق الراهنة وعلم أنّ كل محاولة لعقد معاهدة ثانية غير الأولى فاشلة ولا يكون لها نتيجة سوى إعلان السوريين قطع كل علاقة مع فرنسة، مما يجرّ إلى أحوال إن لم تكن نافعة للسوريين فهي ضارة بالإفرنسيين، وبالإجمال فسورية لن ترضى تسلط أية دولة أجنبية عليها لا فرنسة ولا إنكلترا ولا إيطالية ولا ألمانية ولا تركية التي يقال إنها طلبت إلى فرنسة التخلي لها عن الانتداب على حلب وملحقاتها.

فإذا كان لهذا الخبر من أثر فهو غريب جداً من وجوه عديدة:
الأول مخالفته للبرنامج الذي أعلنت تركية ألف مرة بأنها لا تطمع بعد الحرب العامة في أي بلاد أهلها غير أتراك. والثاني أنّ السوريين والأمة العربية كلها من ورائهم يقاومون بالقوة كل محاولة استيلاء على حلب والجزيرة مقاومة مستمرة لا تنقطع ما دام في الدنيا عرب، فإن كانت تركية الجديدة قد نسيت المبادىء التي أعلنتها فالعرب يذكّرونها بها ولكني غير معتقد أنّ الأتراك سيثيرون في مسألة كهذه لما يعلمون من عواقبها فسنجق أسكندرونة فيه تسعون ألف تركي والعرب الذين يقابلونهم من أجناس مختلفة ضعفاء وعملة في أراضي الأتراك، وأما حلب فهي عربية ومن أمهات البلاد العربية لا يمكن أن يتسلط عليها أمة غير عربية، وكذلك الجزيرة التي أربعة أخماس أهلها عرب لا يقدر أن يقاومهم هناك شذّاذ يحركهم الكردينال فلان والمطران فلان، فينبغي قطع كل أمل في إخراج هذه البقعة من الوحدة السورية سواء لحساب تركية أو لحساب فرنسة.
وهنا مجال للقول أيضاً إني غير معتقد كون الحكومة الإفرنسية راجعة عن معاهدة سنة 1936 بل هي تتحين الفرصة لإقناع مجلس النواب والشيوخ بوجوب تصديق تلك المعاهدة. هذا الذي أعتقده من جهة المعاهدة، وقد يجوز أن تقع محاولات لإعطاء إدارة داخلية مستقلة لجبل الدروز وبلاد اللاذقية ومقاطعة الجزيرة، وأظن أنّ جميع هذا التردد والتذبذب اللذين صحبا قضية هذه المعاهدة مقصود بهما الوصول إلى جعل هذه المقاطعات الثلاث ملتحقة بسورية بالإسم فقط وبالفعل ملتحقة بفرنسة لأسباب عديدة لا يتسع هذا المقام لشرحها، والمطّلعون على الحقائق لا تُخفى عليهم هذه الأسباب لكن هذه المحاولات هي أيضاً فاشلة والمأمورون الإفرنسيون الذين يثيرون القلاقل في هذه المقاطعات الثلاث لا بدّ لسورية من أن تطالب فرنسة بإبعادهم من هناك، إن كانت تريد السلام مع سورية، ولا يتأتى أبداً أنّ مجلس النواب السوري يرضى بفصل جبل الدروز عن سورية إسماً ولا فعلاً ليكون تحت حماية فرنسة، فإن وجد في ذلك الجبل فرقة تطلب هذا الطلب ففرقة أخرى مثلها وأقوى منها تعتصم بالوحدة السورية، ومجموع الدروز في سورية لا يرضون لأنفسهم هذه الوصمة المخلدة للعار عليهم، وهي أن يفضّلوا الأجنبي على أبناء جلدتهم ويسجلوا على أنفسهم بأنهم ما قاتلوا ذلك الأجنبي وضحّوا في قتاله بأربعة آلاف شاب محافظة على الاستقلال العربي بل حباً لشن الغارات، فهذه لن يرضاها الدروز لأنفسهم مهما فعلت الدسائس والأغراض فيما بينهم وكذلك السواد الأعظم من العلويين متمسكون بالوحدة السورية، ولولا وجود العمال المعهودين ممن كانت فرنسة جعلتهم هناك لم يكن أقل حركة في بلاد العلويين ترمي إلى الانفصال عن سورية، فحركة الانفصال مصطنعة غير طبيعية قائم بها جهلاء يعتقدون أنّ هؤلاء الضباط الإفرنسيين هم كل شيء، وأنّ فرنسة من ورائهم، وهي التي تعمل لأجل هذه السياسة، وأنّ ما أرادته فرنسة لا مردّ له، فسواء قاموا أو قعدوا فبلاد العلويين مقاطعة إفرنسية! فالأحسن لهم أن يسبقوا الوقت وينالوا الحظوة عند الفرنسيين بخدمتهم لها في هذه السياسة.
وهذا هو أيضاً جهل وطيش راجعان إلى سذاجة هؤلاء المغرورين، لأن الحكومة الإفرنسية نفسها لا تعلم شيئاً من هذه الدسائس الخفية ولا تقصدها ولا ترضى بها، وغير معقول أنها ترضى بإدخال سنجق اللاذقية ضمن سورية ثم تعود في السر ا لخفي فتدس دسائس لفصله عن سورية، ولا سيما إذا كانت هذه الدسائس هي عبارة عن تحريك أشقياء لقطع الطرق والقتل والسلب.
إنّ هذا تجلّ عنه الحكومة الإفرنسية وتعلو علواً كبيراً، ويستوي في نفي ذلك عنها صديقها وعدوّها، ولهذا نحن معتقدون أن المسيو بيو سيضع حداً، لهذه الأفاعيل الماسّة بشرف فرنسة على غير علم من حكومة فرنسة. فأما الجزيرة العليا فأربعة أخماسها عرب صراح:
منهم بادية، ومنهم حاضرة ومن هناك من المتشردين الفارين من تركية لا يقدرون أن يقفوا ساعة واحدة في وجه العرب، وإن كانت قد حصلت منهم تلك الجرأة على الحكومة السورية وطال عبثهم وسادهم بدسائس البطريرك الفلاني والمطران الفلاني، فهذا كله باستناد هذه الشراذم على الجيش الإفرنسي المحتل، وهذه القضية أيضاً سيطلب المجلس السوري وضع حد نهائي لها وستصحّ الأجسام من العلل، فالصبر الذي صبرته الحكومة السورية على عبث هؤلاء المتشردين وخرقهم لناموس الحكومة قد بلغ حدّه، ولو كان البطرك الفلاني والمطران الفلاني ومن هم في حزبهم يتأملون عواقب الأمور لعلموا الخطر المحدق بهم من جهة لا ترحمهم ولا ترأف بهم إذا وقعوا تحت يدها، وإنّ الملجأ الوحيد لهم هو الأمة العربية لا غير، وهي صاحبة البلاد وغيرها لا يكون إلا ملجأه مؤقتاً.
وبالأجمال لنا متشائمين بمصير الأمور بل أعتقد أنّ المسيو بيو سيعود إلى باريز بعد شهرين وحقيبته ملأى بالأدلة والبراهين من الجهة الداخلية والخارجية على وجوب المبادرة إلى تصديق المعاهدة السورية الفرنسية،وبعد ذلك تستوي الحالة وتزول القلاقل ويرجع السلام والاطمئنان ويعود الناس إلى أشغالهم.
وأمَّا هذا العاجز شخصياً، فإن كنت في سورية فلا أزيد أهلها استمساكاً بعروة استقلالهم مقدار ذرّة، وإن كنت غائباً عن سورية فلن أنقص السوريين من عزيمة الدفاع عن وحدتهم واستقلالهم مقدار ذرّة.
وما أنا إلا واحد منهم وإني عارف بالحالة الداخلية كما هي وعارف أيضاً بالحالة الخارجية كما هي، ومنها أستخلص أنّ السكون والراحة للجميع لا يكونان إلا بتصديق المعاهدة ورجوع فرنسة إلى ما عاهدت عليه، وما جمٌّ غفير من أقطاب سياستها يصرّون على وجوب العمل به.
وسترون أنها عاملة بذلك (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق الإله الحكم وهو أسرع الحاسبين).
جنيف شكيب أرسلان

الزوبعة: في مقالة أرسلها السيد شكيب أرسلان من جنيف، بشكل «كتاب» إلى جريدة العلم العربي في بيونس آيرس، في نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1939، نشرت في الجريدة المذكورة ثم طبعت (على نفقة من؟) ووزعت في كرّاس خاص، يقول السيد أرسلان:
«كل الشرقيين (يا عظيم!) يعلمون أني كنت انتخبت رئيساً للمجمع العلمي العربي في الشام وأزمعت الرحلة إلى هناك لتسلّم منصبي العلمي الجديد، فلما وصلت إلى مصر وتريثت فيها بضع أسابيع ظهر لي خلالها أنّ فرنسة عدلت عن تصديق المعاهدة الإفرنسية السورية، عدلت أنا أيضاً عن الذهاب إلى دمشق وتسلّم رئاسة المجمع، ورجعت إلى جنيف محل هجرتي القديم.
وكتب إليَّ ناظر المعارف في سورية يستحث قدومي لأجل أن أتبوّأ عملي وكان ذلك في وزارة نصوح البخاري فأجبته: يا سبحان الله أنتم أعلنتم على الملأ أنّ وزارتكم مؤقتة وتحت جواب يصدر من حكومة فرنسة، وقلتم إن كانت فرنسة لا تصدق معاهدتها مع سورية فإنكم تتركون الحكم ولا ترضون به تحت الانتداب، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تريدونني أن أتبوّأ أنا منصاً تحت الانتداب؟ والحال أني أنا لم أقبل رئاسة المجمع العلمي إلا على أمل أني لا أصل إلى الوطن إلا بعد أن يكون تصدّق استقلال سورية ونفذ فعلاً، الخ».

من مقابلة هذا الكلام الذي قاله السيد أرسلان في أواخر سنة 1939 على كلامه في جريدة الشباب المصرية في أوائل تلك السنة يجد المنقّب تضارباً صريحاً في الحقائق التاريخية لا يمكن أن يُحسب إلا من قبيل التلاعب والتزييف.
ففي رسالة السيد أرسلان إلى صاحب جريدة الشباب وتاريخها 22 يناير/كانون الثاني سنة 1939 يقول السيد المذكور إنه كان يلحّ في السفر إلى سورية «ليتبوّأ منصبه».
وهذه الرسالة مكتوبة بعد أن كان مضى على توقيع المعاهدة الشامية الفرنسية نحو سنتين ونصف، دون أن يكون البرلمان الفرنسي قد أقرّ المعاهدة المذكورة، وحين كانت الشام لا تزال تحت الانتداب وحين كانت جميع الدلائل تدل الخبيرين على أنّ مماطلة فرنسة في تصديق المعاهدة سائرة نحو رفض التصديق. هذا يعني أنّ ما يدّعيه السيد شكيب أرسلان في رسالته إلى جريدة العلم العربي إن هو إلا ادّعاء بعيد عن الحقيقة يقصد به خدع السواد من السوريين المغتربين في أميركا، والظهور أمامهم بمظهر الأبيّ الذي رفض «منصباً» في الدولة لأنها كانت لا تزال تحت الانتداب. ودليل آخر على تدجيل السيد أرسلان وبهتانه هو قوله في رسالته إلى العلم العربي أنه عند وصوله إلى مصر «تريث فيها بعض أسابيع» ظهر له خلالها ما لم تكفِ سنتان ونصف لإظهاره من عدول فرنسة عن تصديق المعاهدة ومن بقاء سورية تحت الانتداب!

تبقى هنالك مسألة «الفيزا» القنصلية أو علامة الترخيص التي يقول السيد أرسلان أنّ قنصل فرنسة في جنيف رفض وضعها على جواز سفره.
فأي جواز سفر يحمله السيد شكيب أرسلان؟ أجواز سوري أم ألماني أم سويسراني؟ فالمرجّح من عبارته أنه يحمل جواز سفر أجنبي، أي أنه، على الأرجح، تخلى عن جنسيته السورية كما فعل إبن عمه السيد أمين أرسلان في الأرجنتين.
أما دعاوته في رسالته إلى الشباب لفرنسة ولتركية ودفاعه عنهما في مسألة منطقة الإسكندرونة فأمر لا يأتيه إلا من مارس خيانة الوطن مدة طويلة حتى أنه صار يجد سلخ جزء هام، حيوي منه كالإسكندرونة شيئاً، والطمع في جزء آخر شيئاً آخر «لأن سنجق إسكندرون، (في عرف السيد شكيب أرسلان)، فيه تسعون ألف تركي والعرب الذين يقابلونهم من أجناس مختلفة هم ضعفاء وعملة في أراضي الأتراك».
أفي إمكان أي تركي أن يدافع عن مطامع الأتراك في مفتاح سورية من الشمال أفضل مما دافع عنها هذا الخائن الذي تلقّبه بعض الصحف «مدرّة العروبة»؟
كذلك قوله عن نيات فرنسة السيئة في سورية إنها أعمال يقوم بها ضباط فرنسيون من غير موافقة حكومتهم ورؤسائهم «لأن الحكومة الإفرنسية نفسها لا تعلم شيئاً من هذه الدسائس الخفية ولا تقصدها ولا ترضى بها».
ماذا يقدر أن يقول فرنسي مغرض في الدفاع عن حكومته أحسن مما يقوله هذا الخائن المدجّل بالبطولة والوطنية؟
أما قوله:
«ولهذا نحن معتقدون أنّ المسيو بيو (أوفويو) سيضع حداً لهذه الأفاعيل الماسّة بشرف فرنسة على غير علم من حكومة فرنسة» فهو السمّ في الدسم.
إنه كلام يقصد منه ترقيد النفوس وتثبيط العزائم والاتكال على السيد فويو الذي لا يحتاج المرء ليكون من أعظم الخبراء في السياسة ليعرف أنه استعماري من الطبقة الأولى وتصريحاته لجريدة الطان قبل سفره إلى سورية تدل على مبلغ احتقاره للسوريين وعلى اعتقاده بوجوب بقاء الانتداب عليهم. ويقصد منه فوق ذلك إبقاء الثقة بفرنسة مع كل ما قام من الأدلة في نحو عشرين سنة من «انتدابها» على سوء نيتها نحو أمتنا ووطننا.

أجل، إنّ السيد شكيب أرسلان كان يدافع عن سياسة فرنسة وسياسة تركية المتفاهمتين على حساب سورية في حين يتظاهر بالوطنية «وبالعروبة»، وواضح أنّ سبب هذا الدفاع تسخيره قلمه للدعاوات الأجنبية ولمآربه النفعية الخصوصية.
وفي محاولة التمويه على حقيقة أمر السياسة الفرنسية في وطننا يرتكب جريمة احتقار مدارك السوريين فضلاً عن جريمة الخيانة العظمى للأمة والوطن.

أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،

العدد 47، 1/7/1942

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى