في عالم الفن: معرض التلوين الصوري

كنت يوم الأحد الماضي في شارع الصالحية فمررت بقرب نادي يقظة المرأة الشامية، وللحال تذكرت أمر معرض الصور الملونة، الذي يقام في النادي المذكور من قبل بعض أساتذة التلوين الفني الوطنيين، الذين قلّما يعرف مجموعنا من أمر المهام اللذيذة الشاقة التي يقومون بها شيئاً راسخً وبعض تلاميذهم وغيرهم من الميالين إلى هذا الفن الجديد في محيطنا.

كان الأحد يوماً مخصصاً للرجال فشكرت محاسن الصدف ودخلت نادي يقظة المرأة الشامية، وإذا بجدران المنزل التي كانت قبلاً عارية جرداء، قد اكتست بدمى تمثل من الفن جماله ورواءه ومن الأنفس ما امتزج منها بتلك الألوان مكسباً إياها الحياة!

يتألف معرض النادي المذكور من ثلاث غرف اقتسمها ثلاثة من مهرة التلوين بيننا وهم الأساتذة فائز العظم وتوفيق طارق وكرشه، وخصص البهو الأوسط بأشغال التلاميذ والهواة، وكانت الغرفة اليمنى من مدخل المنزل مختصة بأشغال الأستاذ العظم والغرفة اليسرى مختصة بأشغال الأستاذ طارق والغرفة الخلفية مختصة بأشغال الأستاذ كرشه. فدخلت الأولى أولاً حيث استقبلني الأستاذ العظم بلطف وعناية هما من مميزات أهل الفن الصحيح، ورافقني في تتبعي القطع التي يحويها معرضه. وجدت في هذه الغرفة، بعض القطع التي تعطي صاحبها شهادة بأهليته للشرف الكبير الذي ناله بقبوله عضواً في الصالون الخريفي بباريس وهو شرف لم يحصل عليه من أهل الشرق سوى واحد أو اثنين آخرين، على ما أعلم. من المؤسف أنّ القطع المعروضة لا تحمل عنواناتها ليتمكن المرء من معرفتها وذكرها بها.

رأيت في معرض الأستاذ العظم بعض الوجوه التي تستلفت هيئاتها الأنظار وبعض الصور القيمة المصنوعة بالسكين، وفي جميعها يظهر ميل الأستاذ الخاص في انتقاء مواضيع صوره وذوقه في مزج ألوانه. إنه أحد تلاميذ المدرسة العصرية الحاذقين.

انتقلتُ إلى معرض الأستاذ كرشه وكان متغيباً فتتبعت معروضاته البديعة، وكان بودّي لو كان حاضراً ليشرح لي بعض صور استرعت انتباهي.

ثم دخلت معرض الأستاذ طارق وكان لطيفاً كالأستاذ العظم. يشتغل الأستاذ طارق في أسلوب مدرسة «الكلاسيك» وفي الأسلوب العصري أيضاً وله في الأسلوبين بعض قطع جديرة بالاهتمام.

لا تقلّ معروضات التلاميذ أهمية عن معروضات الأساتذة وإنْ كانت لا تمثل سوى بداءة الفن، وقد استلفتت نظري، بوجه خاص، بضع صور في الحياة الجامدة أو ما يعبَّر عنه في اللغة الفرنسية (Nature Morte) .

قبل أن أترك المعرض أقبل الأمير فريد شهاب، وهو أحد الهواة الذين لم يحرموا المعرض من بعض ما أوجدوه في فرص العمل وبشرني بأن المساعي مبذولة لإنشاء رابطة لتعزيز فن التلوين في مجموعنا. لا أعرف من المساعي ما يستحق الشكر أكثر من المساعي لإنشاء رابطة فنية للتلوين في محيطنا، لأن الفنون على أنواعها، ومن ضمنها الأدب، هي عنوان ارتقاء نفسيات الأمم.

خرجت من المعرض مسروراً من النتيجة الفنية القليلة التي رأيتها فيه. وكان سروري على نوع خاص، بمدلولها على بداءة الحياة الفنية في مجموعنا. ولا يسعني في الختام إلا تهنئة الأساتذة والتلاميذ بنتيجة جهودهم التي لا أراها ذاهبة عبثاً.



أنطون سعاده
ألف باء، دمشق 
العدد 3151، 31/6/1931

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى