قطعت الأرجنتين علاقاتها مع ألمانية واليابان

‏في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير الماضي صدر مرسوم من رئاسة الجمهورية الأرجنتينية يقضي بقطع العلاقات مع ألمانية واليابان. والمرسوم ‎‏يستند في حكمه هذا إلى “حصول البراهين الكافية على وجود شبكة جاسوسية كبيرة في الأرجنتين ضد مصلحة أقطار ذات أواصر وثيقة مع الجمهورية الأرجنتينية وهي حركات تخرق حرمة سيادة الأمة وتعارض سياسة الحكومة الخارجية وتخالف سلامة القارة”.

ما كاد يذاع هذا الخبر في الخارج حتى تواردت برقيات التهنئة من الدول الأميركية التي هي كلها إمّا في حالة حرب أو في حالة قطع علاقات مع المحور الألماني – الياباني الذي حل محل المحور الألماني – الإيطالي بعد تمزق الوحدة الإيطالية. وجميع الأمم غير الأميركية الموجودة في حالة حرب مع ألمانية واليابان أو مع إحداهما أبدت سرورها.

الحادث له خطورته نظراً لأهمية الدور الذي يمكن الأرجنتين أن تلعبه في السياسة الأميركية. وفضلاً عن ذلك فالأرجنتين كانت إحدى الدول القلائل التي احتفظت حتى الآن بحياد تام في هذه الحرب، وكان حيادها مثارة لتكهنات وتقديرات كثيرة في سير الحرب إلى منتهاها، وفي الحالة الإنترناسيونية التي ستعقب الحرب.

إنّ عدم اتخاذ بعض الأمم ذات المواقع الهامة في خريطة العالم موقفاً انحيازيًّا صريحاً إلى أحد الفريقين المتحاربين، كان ولايزال من النقاط الغامضة التي يمكن أن تهدد مجرى الحرب بتحول فجائي من اتجاه إلى اتجاه. من هذه الأمم إسبانية وتركية والبرتغال فإن الدور الذي يمكن أن تلعبه كل واحدة من هذه الأمم بانحيازها في وقت من الأوقات إلى أحد الفريقين يحتمل أن يكون ذا نتائج فاصلة. ومجرّد التساهل من ‎بعض هذه الدول يمكن أن يكون ذا تأثير في مجرى الحرب كتساهل البرتغال تجاه مطاليب بريطانية وسماحها لها باستعمال أوزاعها البحرية في جزائر أصور أو أزور وإنشاء مطارات فيها، فكان لهذا التساهل تأثير كبير في مجرى الحرب البحرية، لأنه مكّن البريطانيين من استخدام عصابات الطيارات المستكشفة لاكتشاف مسالك الغواصات الألمانية ومهاجمتها. وإذا تصورنا إمكان دخول إسبانية الحرب ضد الأمم المتحدة أو المحور البريطاني -الأميركاني فأي انقلاب يمكن أن يُحدث هذا الانحياز في وضعية الجبهة الحربية في المتوسط والأطلسي؟ وإذا دخلت تركية الحرب في جانب الاتحاد البريطاني – الأميركاني فأي ضغط يمكن أن يجري على الألمان في البلقان؟

ثم هناك مسألة أخرى هي مسألة زوال الشكوك وتوكيد الثقة. فإن بقاء بعض الأمم على الحياد يقلل الثقة ويثير شكوكاً في جماعات كثيرة. فإن هذه الجماعات تأخذ تسأل: إذا كان الحق في هذا الجانب فلماذا لا تكون فيه هذه الدولة أو تلك؟ وفي حالة كحالة الأقطار الأميركية تأخذ المسألة شكل قضية إجماع أو عدم إجماع، وهي قضية غير قليلة الأهمية في الشؤون الإنترناسيونية، خصوصاً في المدى البعيد.

من هذه الناحية تظهر خطورة موقف الأرجنتين. فمع أن هذه البلاد كانت أقرب، في موقفها ومعاملاتها، إلى جبهة الأمم المتحدة فإن عدم انحيازها النهائي كان يثير هذه المسألة – مسألة الإجماع أو عدم الإجماع. هي مسألة هامة جدًّا لسياسة أميركانية في الدرجة الأولى. ولذلك كان اهتمام الأميركان بموقف الأرجنتين وحياد الأرجنتين يزيد مع طول الوقت وامتداد أجل الحرب.

ومن البديهي أنّ قطع الدولة الأرجنتينية علاقاتها الدبلوماسية مع ألمانية واليابان بسبب الأمور التي رأت الحكومة أنها موجبة لذلك، قد وضع حدًّا لاستمرار التساؤل والاستفهام عن موقف الأرجنتين الحيادي. وهذا الحادث يزيد من الوجهة المعنوية، على الأقل، قوة جانب الأمم المتحدة ويعزز جبهتها.

وواضح من كيفية قطع الجمهورية الفضّية علاقاتها الدبلوماسية مع ألمانية واليابان أنّ هذا الحادث جرى ضمن متطلبات مبدأ السيادة، أي أنه وقع بمطلق حرية الحكومة الأرجنتينية في تقدير الأسباب الموجبة وليس بعامل المجاراة.

إنّ اتخاذ الأرجنتين موقفاً أنهى حالة الحياد التام، للأسباب الموضحة فوق، يحل للمراقبين السياسيين الخارجيين مسألة من المسائل التي تشغل عقولهم. وتبقي لهم مسائل تركية وإسبانية والبرتغال، ولعل مسألة موقف البرتغال لم تعد شاغلاً للمراقبين، خصوصاً من الأمم المتحدة. وأهم مسألة اليوم للأمم المتحدة هي مسألة موقف إسبانية. ولعل الزوبعة كانت أول صحيفة في العالم، أو من أولها على الأقل، أشارت إلى ما يمكن أن تتعرض له إسبانية من اقتراب القوات البريطانية – الأميركانية منها.

إنّ قطع الأرجنتين علاقاتها مع ألمانية واليابان لا يعني أنها دخلت الحرب، أو صارت في حالة حرب مع هاتين الأمتين، ومع ذلك فهو ذو تأثير كبير يزيد في معنويات الأمم المتحدة ويقلل من معنويات المحور الألماني – الياباني.

هاني بعل ‎

الزوبعة، بوينس آيرس،
العدد 72، 1/2/1944 ‎ ‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى