مباحث عمرانية: كيفية الانتخاب في الولايات المتحدة 2


أتينا في الجزء الماضي على كيفية الانتخاب في الولايات المتحدة في طوره العادي، وانتقدنا الطريقة التي يتمشون عليها هناك في التصويت. والآن نأتي على كيفية الانتخاب في أطواره غير العادية إتماماً للفائدة.

متى توازن الميزان:
منذ مدة غير بعيدة وزَّع مكتب «اليونيتدبرس» على الصحافة كتاباً أتى فيه على كيفية الانتخاب في الولايات المتحدة بصورة موجزة. وقد ورد في الكتاب أنه متى حصل توازن في تصويت «الكلية الانتخابية» أو منتخبِي الرئاسة الذين أتينا على ذكرهم في الجزء الماضي، فإن انتخاب الرئيس يصبح إذ ذاك من حق مجلس الممثلين كما ينص على ذلك القانون الأساسي للبلاد. وإننا في شرح كيفية ذلك لا نستند إلى كتاب «اليونيتدبرس» إلا قليلاً.

متى بلغت الحال الانتخابية حدّاً يجب عنده على المجلس التمثيلي أن ينتخب رئيساً كما في حالة التوازن المشار إليه، فالمجلس ينتخب بالاقتراع. أما الأشخاص الذين يقترع عليهم فهم الثلاثة المتقدمون أكثر من سواهم. والاقتراع يجب أن يكون بعدد الولايات، ولا يخوَّل لممثلي أية ولاية كانت أكثر من صوت واحد. ويعقد لهذا الغرض مجلس يمثُل فيه أعضاء ينوبون عن لا أقل من ثلثي الولايات. وأحقية الانتخاب لا تكون إلا بأكثرية الولايات كلها. أما فيما يختص بنيابة الرئاسة، ففي حالة توازن في منتخبي الرئاسة يصبح من حق مجلس الشيوخ أن ينتخب نائب الرئيس من الإثنين المتقدمين أكثر من سواهم في القائمة الانتخابية، ويُعقد لهذا الغرض مجلس مؤلف من لا أقل من ثلثي الشيوخ. ويُعتبر الانتخاب حقيقياً إذا كان بأكثرية الشيوخ كلهم.

إذا لم ينتخب رئيس بواسطة «الكلّية الانتخابية» أو المجلس التمثيلي قبل انتها مدة الرئيس الحالي في الرابع من آذار/مارس التالي، وكان مجلس الشيوخ قد توصل إلى انتخاب نائب الرئيس، فالقانون ينص بأن يصير نائب الرئيس المنتخب رئيساً إلى أن يكون انتخاب الرئيس قد تمَّ، كما يذكر ذلك وُدبرن في كتابه «الجمهورية الأميركةنية وحكومتها». ويقول صاحب هذا الكتاب إنه إذا لم يُنتخب رئيس ولا نائب رئيس قبل الرابع من آذار/مارس، فإن القانون لا ينص على من يقوم بوظيفة الرئاسة وليس لأحد سلطة تمكنه من إنهاء المسألة. ففي مثل هذه الحالة يصبح كرسي الرئاسة خالياً إلا إذا استعفى الرئيس الموجود ونائبه قبل انتهاء مدتهما، وفي هذه الحال يقوم ناظر الدولة بوظيفة الرئاسة إلى أن يُنتخب رئيس. وفي رأي صاحب الكتاب المشار إليه أنه يجب أن يكون في القانون الأساسي مادة تنص على بقاء رئيس موجود إلى أن يكون خلفه قد انتخب.

حادثة انتخاب سنة 1800:
لقد حدث في الولايات المتحدة أنّ مجلس النواب أو الممثلين انتخب رئيساً مرتين، المرة الأولى سنة 1800 عندما انتخب جفرسون والمرة الثانية سنة 1824 عندما انتخب جون كونسي أدمس. في الحادث الأول بعث تزاحم جفرسون وبر على وضع التحوير الثاني عشر للقانون. قبل التحوير المذكور كان المنتخِبون يصوتون لمرشَّحَين للرئاسة يُجعل الذي ينال الأكثرية منهما رئيساً، والذي يأتي بعده يُجعل نائب رئيس. ومن الأمور المهمة في انتخاب سنة 1800 أنّ منتخبِي الرئاسة أو المصوتين الثانويين صوّتوا تصويتاً حزبياً للمرة الأولى. ولقد ذكر فولر في كتابه «حكومة الشعب» أنّ جفرسون وبرنال كل منهما ثلاثة وسبعين صوتاً، وهي آنئذٍ كل قوة الديموقراطيين والجمهوريين. أما أدمس، فيقول صاحب الكتاب المشار إليه، إنه نال خمسة وستين صوتاً ونال بنكني أربعة وستين صوتاً لأن مصوّتاً اتحادياً واحداً صوّت لجون جاي لكي يكون لأدمس سبيل إلى الرئاسة إذا ربح الاتحاديون. ولكن الديموقراطيين والجمهوريين لم يتحفظوا مثل هذا التحفظ مع أنهم في الحقيقة كانوا يريدون أن يجعلا بر نائب الرئيس. فحدث من وراء توازن جفرسون وبر أنّ الانتخاب أصبح من حق مجلس النواب الذي انتخب جفرسون بعد الاقتراع ستاً وثلاثين مرة، إذ نال جفرسون عشر ولايات مقابل أربع ولايات في جانب بر.

حادثة انتخاب سنة 1824:
في الحملة الانتخابية للرئاسة في سنة 1824 وجد أربعة مرشحين هم أندرو جاكسن وجون كونسي أدمس وهنري كلاي ووليم هــ. كروفرد. وكانت الكلية الانتخابية قد توصلت إلى انتخاب نائب رئيس هو جون كالهون، ولكن ولا واحد من المرشحين للرئاسة نال الأكثرية التي تخوله أن يصير رئيساً. إذ كانت النتيجة هكذا: 99 لجاكسن و84 لأدمس و41 لكروفرد و37 لكلاي. فكان من وراء ذلك أنّ الانتخاب أصبح في هذه المرة أيضاً من حق المجلس التمثيلي كما يشير إلى ذلك فولر، فانتخب المجلس أدمس الذي كان في جانبه 13 ولاية مقابل سبع ولايات لجاكسن وأربع ولايات لكروفرد. أما كلاي فلم يصوت له لأنه لم يكن من الثلاثة المتقدمين أكثر من سواهم في القائمة الانتخابية الذين يحق للمجلس أن ينتخب منهم رئيساً.

وذكر الأستاذ وُدبرن في كتابه المشار إليه أنه حصل اتهام بأنه حدث تحزب فاسد بين أدمس وكلاي. ولمّا كان كلاي الرابع في القائمة لم يمكن النصويت له، ولكن نفوذه هو الذي حقق انتخاب أدمس، كما يقال. وزاد الأستاذ وُدبرن أنّ كلاي عُيّن بعد ذلك ناظر الدولة من قبل أدمس الأمر الذي بعث على التهمة مع أنه «لم يكن في الأمر مساومة أو فساد أو ما شاكل بين هذين الرجلين». ولكن جاكسن وأصحابه كانوا دائماً يشعرون أن الشعب جُرّد من اختياره. وقيل إنّ هذا الانتخاب زاد الحركة الديموقراطية نحو التصويت المباشر وطريقة أعم في الترشيح. وفي انتخاب جاكسن الثاني سنة 1832 كانت طريقة انتخاب ممثلي الأحزاب قد ابتدأت.

انتخاب سنة 1876:
يقول الأستاذ وُدبرن إنه حدث في سنة 1876 نزاع شديد في انتخاب الرئيس، «وهو نزاع أوضح جلياً فشلاً قاضياً تقريباً في طريقة انتخاب رئيس للجمهورية بواسطة الكلية الانتخابية». في ذلك الانتخاب وُجد 360 صوتاً، وكان من اللازم واحصول على لا أقلّ من 185 صوتاً للفائز. فكان أنّ المرشح الديموقراطي تيلدن نال بدون أدنى مشاركة 184 صوتاً أي دون المعدل اللازم بصوت واحد، وكان المرشح الجمهوري هايز قد نال 163 صوتاً. وحدث أن الأصوات التي أتت من ولايات أربع، أورغن وفلوريدا ونورث كارولينا ولويزيانا، لم تكن فيها أرجحية كافية. فلو جاء من ولاية واحدة من هذه الولايات الأربع فوز كافٍ للديموقراطيين لكان تيلدن نال الأكثرية اللازمة في لكلية الانتخابية وانتخب رئيساً. بينما إذا كان حظ الجمهوريين أن يربحوا يجب عليهم أن ينالوا الإثنين والعشرين صوتاً كلها من الولايات المذكورة. ومما لا شك فيه أنّ الجمهوريين الأمناء لحزبهم ادَّعوا لأنفسهم الولايات الواقعة بين الشك واليقين كلها وقابلهم الديموقراطيون بالمثل، وإن تكن واحدة من الولايات المذكورة تكفي. ففي هذه الولايات القائم عليها النزاع اجتمع فريقاً المنتخبين وصوتوا وأرسلوا النتيجة إلى واشنطن. في المؤتمر الذي عقد بعد ذلك نال الجمهوريون الأكثرية في مجلس الشيوخ ونال الديموقراطيون الأكثرية في مجلس النواب. وقد ورد لفولر الذي ذكرناه سابقاً بشأن هذه القضية ما يأتي:
«لم يتمكن أحد الحزبين في الإقناع بالتعويل على ما ورده من الولايات القائم عليها النزاع. وقد تقرر أخيراً أن يعهد بالأمر إلى «مجلس مرجعي» أو لجنة منتخَبة مؤلفة من خمسة شيوخ وخمسة نواب وخمسة قضاة من مجلس الولايات المتحدة الأعلى. فقررت هذه اللجنة أنّ هايز قد نال في فلوريدا 976 صوتاً وفي لويزيانا 4.627 صوتاً.

«وكان مجلس فلوريدا الأعلى قد أعطى تيلدن 94 صوتاً في تلك الولاية وما جاء من لويزيانا أعطاه 45.303. فحسبت الأصوات الانتخابية لهاتين الولايتين لهايز فنال هو 185 صوتاً ضد 184 صوتاً لتيلدن. ولم ينتهِ عد الأصوات إذ ذاك إلا قبل الرابع من آذار/مارس سنة 1877 بيومين وهو اليوم المعيّن للاحتفال باستلام الرئاسة».

بعد كل هذه التعقيدات المتقدمة، لا يمكننا أن نتنبأ عن الوقت الذي تلجأ فيه الولايات المتحدة إلى خطة أبسط وأضمن لحقوق الشعب من خطة «الكلية الانتخابية» وما لها من التوابع والذيول.


أنطون سعاده
المجلة، سان باولو 
السنة 10، الجزء 11،  1/12/1924

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى