محاضرة الزعيم العاشرة في الندوة الثقافية

نصل في سلسلة الأبحاث التي تنتهي في هذا الاجتماع إلى الحلقة الأخيرة منه، الحلقة التي تختص في غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي وخطته.

إبتدأت السلسلة بدرس مبادىء الحركة القومية الاجتماعية من المبدأ الأساسي الأول إلى المبدأ الأساسي الثامن، ومن المبدأ الإصلاحي الأول إلى المبدأ الإصلاحي الخامس الذي كان ختام المبادىء التي تكوّن أسس الحركة القومية الاجتماعية.

واليوم نصل إلى غاية الحزب وخطته.

قبل قراءة الحزب السوري القومي الاجتماعي وخطته أريد أن آتي بلمحة صغيرة عن الظروف التي وضعت فيها هذه المادة.

لم يمضِ وقت طويل على جلاء القوات الفرنسية المحتلة من بلادنا فلا يجوز لنا أن ننسى بسرعة الحالة التي كانت فيها أمتنا ووطننا.

قبل جلاء القوات العسكرية من هذه البلاد ـ في العهد الذي نشأت فيه الحركة القومية الاجتماعية، في العهد الذي نشأ فيه الحزب السوري القومي الاجتماعي كانت كل حياتنا الاجتماعية والسياسية محظورة بالقانون في هذه البلاد. وأعني بالحياة الاجتماعية، الحياة الحرة الناشئة من صميم الشعب بإرادة الشعب. فقد كانت هنالك بعض تكتلات أو تجمعات سياسية في هذه البلاد، لكن أكثرها كان موجهاً لخدمة الأمر المفعول والإرادات الأجنبية. كانت محرومة من التعبير الحر، لم تكن لها صفة صحيحة واضحة ولا صفة ثابتة مستمرة.

كنا في ذلك العهد في عهد القرار 115 ل ر الذي عرف بقرار منع الجرائم أو منع التجمعات أو منع الحياة الفكرية والسياسية الاجتماعية في هذه البلاد. كان معنى ذلك القرار أنّ كل فئة تتجاوز الخمسة أشخاص تجتمع في مكان ما بغير إذن رسمي، وتشاء الإدارة الحكومية أن تظن أنه توجد مقاصد وراء الاجتماع، فلم يكن ما يمنع دخول رجال التحري، رجال الأمن العام واستياق المجتمعين إلى دوائر التوقيف والتحقيق معهم في المقصود من الاجتماع.

في ذلك الوقت كانت السلطة الأجنبية تضبط كل حركة وكل شاردة وواردة في البلاد. وكانت الجاسوسية متفشية ومنتشرة في كل الأوساط. وكانت الخيانة أيضاً منتشرة وتصدر من كل جهة تقريباً بلا حساب ولا مسؤولية، لأن معنى الحياة المجتمعية في بلادنا كان مفقوداً بالكلية. مقاصد الحياة كانت مقاصد الأفراد، وفي الكثير مقاصد العائلات المتكتلة. أما الحياة المجتمعية، الحياة القومية ومصيرها فلم يكن هنالك من كان يظن أو يحسب نفسه مسؤولاً عنها.

كل واحد كان مسؤولاً فقط عن نفسه وغير مستعد إلا للنظر في مصالحه الخصوصية. لم يكن هنالك معنى للحياة (الاجتماعية) المجتمعية، ومن كان يجسر على أن يظن أنه مسؤول عن المصير القومي، عن المصير الاجتماعي، كان يرتكب خيانة لا تغتفر ويعرّض نفسه للسخرية والاحتقار. وكم من مرة وجهت إلي استهزاءات واحتقارات عندما كنت أتكلم بشعور المسؤول عن حالة بلاده وأمته وعن مصيرها.

كل تفكير من هذا النوع كان يعدّ غباوة فلا يتردد السائل عن ترديد مثل هذا السؤال “شو بدك تشيل الزير من البير؟” وتعابير من هذا النوع.

وكان كل خائن يظن أنه يقوم بمهارة عظيمة إذا سبق غيره إلى الخيانة ليستفيد من نتائجها. وإلى اليوم لا نزال نسمع من يقول “إذا لم أسبق أنا إلى الخيانة يسبقني غيري ويأخذ الوظيفة. إذن يجب عليّ أن أسابق في الخيانة لأسبق غيري إلى اجتناء الفائدة التي يمكن اجتناؤها من الخيانة”.

هذه كانت الحالة وهكذا كان تدبير الإدارة وهكذا كانت الروحية السائدة في هذه البلاد.

إذن كان يجب السير في أي عمل جدي بمنتهى الحرص والتكتم ومنتهى التدقيق من الوجهة السياسية من كل عبارة تكتب.

كان علينا أن نقاوم الضغط والإرهاب بالقصد الواضح والدبلوماسية التي يمكن أن تنقذ القصد الواضح.

في ذلك الوقت وضعت مادة غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي وهذا نصها ـ “غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه، وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوّتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تامّاً وتثبيت سيادتها وتأمين مصالحها ورفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية”

ترون من هذا النص أنّ “الغاية” وضعت بلباقة، وبنفس الوقت اشتملت على الوضوح اللازم.

لم يكن موجوداً في صلبها نص “إقامة نظام جديد”. هذا التعبير أدخل حديثاً في نص المادة، ولكنه لم يكن خافياً إذ لم يوضَّح في النص الأول فالحركة القومية الاجتماعية في أعمالها وفي جميع المظاهر التي عبّرت بها عن مقاصدها، عبّرت بجلاء أنها تقصد وأنها تتجه نحو إقامة نظام جديد للحياة.

لم يكن ممكناً في تلك الظروف التعرض لإدخال تعبير من هذا النوع في نص المادة.

أظهرت المحاكمة الأولى للحزب السوري القومي الاجتماعي بعد اكتشاف أمره في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1935، أظهرت تلك المحاكمة الحكمة من عدم إدخال نص من هذا النوع في مادة غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي في ذلك الوقت. من التّهم التي وجهت إليّ في المحكمة، تهمة العمل على تغيير شكل الحكم وقلب النظام القائم الذي يعرّض مرتكبه إلى العقوبة العظمى.

وجهت هذه التهمة شفوياً وخطياً. وفي المحكمة المختلطة اضطررت للإجابة على هذه التهمة. وقد استغرب الفرنسيون كثيراً في ذلك الوقت أني لم أرفض التهمة رفضاً كلياً مع أنه لم يكن هنالك نص يستندون إليه لتوجيه التهمة.

التهمة كانت السعي لتغيير شكل الحكم. وكان جوابي أننا نعتقد بأن أشكال الحكم تتغير وتتطور مع تغيير أحوال الشعوب وتطورها. أعلنت أنّ هذا اعتقادنا ولكنني أحرجت المحكمة في إثبات أي دليل حسي أو عملي يدل على أننا ذهبنا نحو هذا القصد عملياً. فظهر أننا نفكر في أنّ الأشكال التي تعرقل تقدمنا وتمنعنا من التقدم نحو حياة أفضل يجب أن تزول ويقاوم محلها نظام جديد فيه التعبير الصحيح عن مصالحنا القومية وعن إرادتنا المجتمعية.

نتابع الشرح: “يتضح جلياً من نص هذه المادة أنّ النهضة القومية، البعث القومي، هي محور اهتمام الحزب السوري القومي الاجتماعي، ويتضمن معنى النهضة القومية الاجتماعية تأسيس فكرة الأمة وتأمين حياة الأمة السورية ووسائل تقدمها وتجهيزها بقوة الاتحاد المتين والتعاون القومي الصحيح، وإقامة نظام قومي اجتماعي جديد”.

تأسيس فكرة الأمة أثبت في صدر المقاصد الواضحة من غاية الحزب لأننا رأينا أنّ فكرة الأمة، أنّ معنى الأمة لم يكن واضحاً في بلادنا من قبل. لم تكن هنالك أبحاث علمية اجتماعية في المعنى العلمي (Scientific) ولا من أي نوع توضح ماهية الأمة.

وفي عدم وضوح فكرة الأمة لم يكن يمكننا التقدم نحو أي عمل اجتماعي، مجتمعي قومي.

ما دمنا نختلف على من نحن قومياً، كيف يمكننا أن نحدد “من نحن”؟

حدد البعض مجموع “نحن” بأننا سكان جبال لبنان. وحدد البعض الآخر “نحن” بأننا كل ناطق باللسان العربي من القارتين الآسيوية والأفريقية.

حدد غيرهم الأمة بالمعنى القديم. قالوا “الأمة المحمدية” و”الأمة المسيحية” بمعنى الملَّة.

الأمة بالمعنى الاجتماعي العلمي العصري كانت تعبيراً لا معنى صحيحاً له ولا يمكن التفاهم فيه لأنه لم يكن له مدلول واحد عند المتكلمين عليه.

فكان لابد من الاتجاه نحو تأسيس فكرة الأمة بالدرجة الأولى. بدون تأسيس فكرة الأمة بوضوح لا يمكن القيام بنهضة قومية. لأن القومية هي التعبير الروحي الشخصي لشخصية الأمة. فإذا لم تكن هنالك أمة ولم تكن هنالك نفسية واضحة، لم يمكن القيام بنهضة قومية صحيحة.

والعمل لإيضاح فكرة الأمة لا يزال قائماً. ولا يزال العراك قائماً في هذا الوطن على تأسيس فكرة الأمة، وسيظل العراك قائماً إلى أن يجد المجموع السوري كله نفسه بمفهوم ومدلول واحد، يجمعه في شعور واحد، بنفسيته، بحقيقته، بإرادته ومقاصده العليا في الحياة.

بعد تأسيس فكرة الأمة يجب الاهتمام بالأمة التي أصبح لها تحديد واضح لم يعد متراوحاً، أصبح من الضروري الاهتمام بمصير الأمة بتأمين مصيرها، بتأمين حياتها ووسائل تقدم الحياة نحو المثل العليا، نحو إقامة نظام جديد للحياة يجعل الحياة أرقى وأفضل وأجمل.

فالحياة وجمالها وخيرها وحسنها هي الغاية الأخيرة. وليست الغاية العمل كما كان يظن في حالات كثيرة من مثل التي نشأت ولم تتعمق ـ في مسائل الحياة الاجتماعية وقضاياها.

ليست الغاية الاستقلال مثلاً. الاستقلال لمجرّد لاستقلال ليس غاية لنا. ولا يمكن أن يكون غاية أخيرة في مفهومنا ومدلول هذه الصفة عندنا.

الاستقلال عندنا واسطة لا غاية. الاستقلال واسطة لتحسين حياتنا وترقيتها وجعل إرادتنا في الحياة نافذة.

نحن لا نريد الاستقلال لمجرّد الاستقلال. نريد الاستقلال لأن لنا مقاصد في الحياة. مقاصد نريد أن نحققها ولا يمكن أن نحققها إلا بواسطة الاستقلال.

نحن مثلاً في كل قضية، تلازمنا هذه القضية. لا نريد مثلاً حرية لفلسطين من اليهود لمجرّد تحريرها من اليهود مثلاً. فقد تتحرر من اليهود مثلاً وتبقى للإنكليز أو تبقى لجماعة أخرى.

نحن نريد تحرير فلسطين لأنها جزء منا ولأن حياتنا تنقص كثيراً إذا فقدنا فلسطين. وعندما نهتم بمصير فلسطين مثلاً لا نهتم بنقطة واحدة وهي مجرّد اليهود و”يأخذوها القرود بعد اليهود”.

ليس بهذه الطريقة نحن نقول. نحن نقول إنه يجب أن يخرج المعتدون من أرضنا لتبقى أرضنا لنا. ونقدر على تتميم أهدافنا ومقاصدنا فيها، فلنا في هذه الأمور دائماً قصد واضح، غاية أخيرة واضحة في جميع المسائل.

“فغاية الحزب بعيدة المدى عالية الأهمية لأنها لا تقتصر على معالجة شكل من الأشكال السياسية، بل تتناول القومية من أساسها واتجاه الحياة القومية”.

يعني هذا أننا لسنا مجرّد حزب سياسي. والحزب السياسي هو الذي يجمع فئة من الناس على مصالح تتحد بنطاق تلك الفئة لتناوىء فئة أخرى ضمن البلاد وتتغلب عليها وتصل إلى الحكم من أجل تحقيق تلك المصالح المختصة بتلك الفئة.

نحن حزب يتناول ما هو ابعد كثيراً من مصالح فئة جزئية محدودة في الوطن والأمة. نحن حزب يتناول حياة الأمة كلها بمجموعها، يتناول الحياة القومية من اساسها والمقاصد العظمى للحياة القومية كلها وليس لجزء واحد منها.

نحن مثلاً هنا في لبنان لا نريد أن ننزل الأشخاص القائمين في الحكم لنقعد مكانهم أو ليقعد مكانهم آخرون، ولذلك أعلنت أننا لسنا آلة تستخدم من قبل بعض الفئات ذوي المصالح الجزئية لنتمكن من قلب الحكم الحاضر ليجلسوا هم في مكان الجالسين اليوم. ومع أننا كنا في حرب مع الحكومة في الصيف الماضي وبعد الانتخابات في إبان المصادمات بين فئات الشعب والحكومة، لم أقبل قط أن نندمج فيما سميَّ معارضات للحكومة لأننا وجدنا تلك المعارضات جزئية لا تختلف في طبيعتها وجوهرها عن الفئة الحاكمة مثلاً. أي أننا لم نكن ننتظر أنه إذا نزل رياض الصلح وقام مكانه عبد الحميد كرامة تتغير أحوال البلاد والأمة والسياسة.

لم يكن قصدنا تغيير الأشخاص لخدمة مصالح جزئية. فضّلنا أن نبقى محاربين الحكومة من أجل مبدأ عام هو مبدأ حق المواطن في التعبير عن رايه بحريّة، وفضّلنا أن نبقى وحيدين على أن نترك وضعنا ومواقفنا ونبدله بمواقف فئات تنظر غير ما ننظر نحن فتضيع وتختلط مقاصدنا بمقاصد غيرنا فتضيع غايتنا في غاياتهم.

لذلك فضّلنا أن نبقى في المعركة وحيدين، واستغرب الكثيرون جداً لماذا لم ننتهز الفرصة للتخلص من هذه الحكومة.

قصدنا ليس التخلص من الحكومة أو رجال الحكم بل الاتجاه نحو إقامة نظام جديد للحياة القومية بأسرها. وفي هذا الاتجاه الواضح لم نكن نجد في الفئات التي تعمل لمعارضة جزئية أي استعداد لفهم هذه الناحية وللسير معنا في هذا السبيل.

إذن نحن لسنا حزباً سياسياً يخدم مصالح فئة معيّنة، بل حزب يعبّر عن مصلحة الأمة، عن المصالح القومية كلها ويسير لتحقيق المصالح القومية كلها، بالتضحية. بتضحية أفراد وفئات كبيرة وعديدة منا. بألوف من القوميين المستعدين لتحمّل جميع أنواع الآلام وخوض جميع المعارك لنصرة قضية الأمة وحق الأمة في الحرية والاتحاد وحق الأمة في الحياة الجيدة المثالية.

لذلك كانت غايتنا متناولة القومية من أساسها واتجاه الحياة القومية.

“إنّ غرض الحزب هو توجيه حياة الأمة السورية نحو التقدم والفلاح، هو تحريك عناصر القوة القومية فيها لتحطيم قوة التقاليد الرثة وتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون إلى عقائد مهترئة والوقوف سداً منيعاً ضد المطامع الأجنبية التي تهدد مصالح ملايين السوريين وكيانهم، وإنشاء تقاليد جديدة ترسخ فيها نظرتنا الجديدة إلى الحياة ومذهبنا القومي الاجتماعي”.

هنا عبارة تحتاج إلى شرح موجز “تحطيم قوة التقاليد الرثة، وتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون”.

من هذه العبارة، إذا وقفنا عند هذا الحد من العبارة قد يتضح أننا فئة تقول بالفوضى، أي شق كل تقليد لمجرّد تخريب التقاليد وليصبح كل واحد يسير على هواه مطلقاً العنان لرغباته وشؤونه الخصوصية المحضة.

ليس هذا ما نعني بل هو أبعد شيء عما نعني، لأننا نحارب الفوضوية والفردية الغارقة في فرديتها، الخارجة على المجتمع ووحدته ومصيره. نحن نقول بتعطيل تقاليد تجرّ حياة المجتمع وتمنعها من التطور والارتقاء نحو أفضل المثل العليا وأجملها وإشادة تقاليد جديدة تحل محلها وتكون مسهلة تطور الحياة وارتقاءها.

ونحن في الحزب في مدة نحو خمس عشرة سنة ونيف قد أنشأنا وكوّنا تقاليد جديدة تظهر فيها قيمة نظرنا واتجاهنا وفاعليتنا في الحياة. وإننا حريصون جداً على أن تستمر هذه التقاليد الجديدة التي تؤمن حياة جديدة فيها العز والكرامة والخير والمجد.

“إن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها. إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى. فهي تحيط بالمثل العليا القومية وبالغرض من الاستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح. وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد وهو ما تشتمل عليه مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والإصلاحية، التي تكوّن قضية ونظرة إلى الحياة الكاملة، أي فلسفة كاملة”.

إنّ من أهم مسائل النهوض القومي بعد تأسيس فكرة الأمة وبعد تعيين المقاصد الكبرى، هي مسألة الأخلاق. هي مسألة العقلية الأخلاقية. هي مسألة الروحية الحقة التي يمكن أن تفعل في الجماعة، في المجتمع.

كل خطة سياسية وكل خطة حربية مهما كانت بديعة ومهما كانت كاملة لا يمكن تحقيقها إلا بأخلاق قادرة على حمل تلك الخطة بأخلاق متينة، فيها صلابة العزيمة وشدة الإيمان وقوة الإرادة واعتبار المبادىء أهم من الحياة نفسها.

لأن الحياة الإنسانية بلا مبادىء إنسانية يتمسك بها الإنسان ويبني بها شخصه ومعنى ووجوده، هي باطلة، هي شيء يساوي حياة العجماوات.

في كل ناحية من نواحي أعمالنا القومية والسياسية في بلادنا، في كل فئة أو بيئة لم تتخذ عقلية أخلاقية أساساً يضطلع بالأغراض والأعمال نجد التشويش والفشل والخيبة.

كل نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل إنّ الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى.

في المعارك الدائرة اليوم في سورية ـ في المعارك السياسية، في لبنان والشام والعراق، في كل مظهر من مظاهر أعمالنا الفكرية والسياسية والاجتماعية، نجد كم هو ضروري العامل الأخلاقي، وكم ينقص مجتمعنا تأسيس عقلية أخلاقية جديدة لأن العقلية الأخلاقية الجديدة هي شيء أساسي جداً، وفي رسالات وخطب ومحاضرات عديدة وجّهتها إلى القوميين الاجتماعيين أظهرت كم هو أساسي وضروري فهم العقلية الأخلاقية الجديدة التي تؤسسها تعاليم الحزب السوري القومي الاجتماعي.

في نظام غير نظامنا نجد حالات أليمة. يتجه الفرد الذكي في بلادنا أو ما يتجه إلى ناحية السياسة. نحن أكثر أمة في العالم اشتغالاً في السياسة. والسياسة هي أساس العقلية الأخلاقية القديمة في هذه البلاد.

تكاد لا تخاطب واحداً ذكياً في هذه البلاد إلا وتحس أنه يخاطبك بمهارة سياسية فائقة. تحس كأنه دبلوماسي جاء من بلاد الإنكليز، وتحس أنّ السياسة تبعده عنك بقدر ما هو بعيد الإنكليزي عنك.

مفقود من بيننا التصارح الفكري الخالي من السياسة، مفقود من بيننا الشعور بأنه يجب حين يخاطب واحد منا الآخر أن يضع السياسة في خزانة ويقفل عليها بالمفتاح، لأنه حين نبتدىء نخاطب بعضنا بعضاً فقد قطعنا من بيننا الروابط القومية الصحيحة.

لا يجوز في الإخاء القومي الصحيح أن نتكلم في السياسة. السياسة يجب أن تترك للمتخصصين في السياسة، أما القومي فيجب أن يكون قومياً صحيحاً مجرّداً من السياسة في كل مجتمع وفي كل حديث مع كل مواطن من أمته.

بدون الوصول إلى حياة من هذا النوع يظل واحدنا لا يدري. أليس يسمع من مواطن بجالسه عبارات ثناء أو مديح أو إطراء؟ هل هذا المديح صريحاً مخلصاً صادراً عن الوجدان بأنّ هذه هي الحقيقة؟ يظل الواحد يخاف من جاره، يخشى أن يكون متلاعباً بضميره، بشعوره بمهارته الدبلوماسية السياسية.

العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسسها لحياتنا بمبادئنا هي أثمن ما يقدمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لمقاصدها ولأعمالها ولاتجاهها.

“وإنّ إيجاد جبهة من أمم العالم العربي تكون سداً ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية، وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسية الكبرى، هو جزء متمم لغاية الحزب السياسية من الوجهة الخارجية.

“إنّ سورية هي إحدى أمم العالم العربي، وإنها هي الأمة المؤهلة لقيادة العالم العربي، وما النهضة السورية القومية الاجتماعية إلا البرهان القاطع على هذه الأهلية”.

لماذا هذه النهضة برهان واضح قاطع على أهلية سورية لقيادة العالم العربي؟

لأن هذه النهضة، بتعاليمها، بمثلها، بالنظام الذي أوجدته في داخلها والذي ترمي إلى تحقيقه في الأمة كلها، هو شيء وحيد في شرقي البحر المتوسط وله خصائص وميزات يمتاز بها بالنسبة إلى كل مجتمع حر في العالم كله. في كل أمر من أمور المجتمع الإنساني، في النظر إلى الفرد، إلى المجتمع، في قيمة الإنسان، في قيم الحياة للإنسان، في غرض الوجود الإنساني، في كل هدف من هذه الأهداف العظيمة التي وضعها الحزب السوري القومي الاجتماعي ويسعى لتحقيقها، يظهر أنه قد تحققت في هذه البلاد وثبة كبيرة من وثبات الفكر الإنساني.

في كل أمة، في كل قطر من أقطار العالم العربي يسمع المحدث أو المباحث اعترافاً واضحاً صريحاً من كل من اطلع على هذه النهضة في هذه البلاد أنها أحسن ما وجد في العالم العربي.

ثم من حيث التنظيم الفكري والسياسي والعملي ـ في مصر سمعت أشخاصاً يعملون في الجامعة العربية أنهم يحتاجون إلى تنظيمنا وإلى خططنا التصميمة. ويريدون منَّا أن نعمل بدلاً من غاية نهضة سورية لوحدة عربية.

فإذا عملنا واتجهنا هذا الاتجاه ـ فإنهم يريدون كثيراً أن نشترك وأن يضعوا في أيدينا تنظيم أعمال كثيرة في الجامعة العربية والعالم العربي.

اقول هذا بشيء من الاعتداد لأن التعبير كان “تنظيم كل شيء في داخل الجامعة العربية وخارجها”.

لا يخطر ببال هؤلاء المتمنين هذه التمنيات أنّ نظام الحزب هو حقيقة بالمبادىء، بالأسس الفكرية والمبادىء الأساسية التي يقوم بها هذا النظام. إذا انتقلنا إلى ما يريدون، نكون قد انتقلنا من النظام إلى الفوضى، لأن في أسس هذا النظام النظر الصحيح إلى المجتمع الإنساني وفهم المجتمع الإنساني فهماً صحيحاً حقيقياً. فإذا خرجنا عن هذه الأسس الصحيحة وسلّمنا بالانسياق مع التيارات الفورية الجامحة التي لا إدراك صحيحاً لها للوضع العالمي، فقد سلّمنا بجهلنا الوضع وقد سلّمنا بتعطيل قوة العقل وتسليط نفسية الحدس (Intuition) والتمنيات على أعمالنا. وليس في فلسفتنا ما يجعل للحدس والتمني درجة أعلى على العقل والمنطق وقد أوضحت هذه النقطة في محاضرة سابقة (ص 79 أعلاه).

نحن لا نسلّم حركة ومجهوداً إنسانياً عظيماً لقوة حدس وتخمين لشعور أو عاطفة أو رغبات استبدادية غير مستمدة من حقيقة المجتمع، من نفسيته وأغراضه الصحيحة في الحياة.

خروجنا من الشيء الواضح إلى الشيء غير المضبوط وغير الواضح، يعني خروجنا عن النظام إلى الفوضى فنصبح ولا قوَّة لنا على التنظيم لأننا نضيع في هيام الرغبات والأهواء، ولا نعود ندرك مقاصد حقيقية في الحياة.

إنّ وجود هذه النهضة في وحدتها الحقيقية الطبيعية في ذاتيتها الصحيحة هو الدليل الواضح القاطع على امتياز هذه النهضة على كل الأعمال غير المستمدة من حقيقة المجتمع الإنسانية. وامتيازها لأنها تقيم نظاماً فكرياً، عقلياً، اجتماعياً جلياً صحيحاً قد اقامته في وسطها وهو يمتد، وكل الدلائل تدل أنها ستقيمه في الوطن السوري كله.

“من البديهي أنّ الأمة التي لا عصبية لها تكفل القيام بنهضتها هي نفسها، ليست بالأمة التي ينتظر منها أن تنهض الأمم الأخرى، وتقودها في مراقي الفلاح”.

لا يمكننا أن نقود العالم العربي، ولا أن نقود أنفسنا إلا إذا ككان لننا إدراك واضح صحيح لحقيقة مجتمعنا ولا بالنهوض بهذه الحقيقة بعصبية صحيحة للحق الذي نعلنه.

“إنّ القومية السورية هي الطريقة العملية الوحيدة والشرط الأول لنهضة الأمة السورية وتمكينها من الاشتغال في القضية العربية.

“إنّ الذين يعتقدون أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية، لأنهم لا يفهمون الفرق بين النهضة السورية القومية الاجتماعية والقضية العربية، ضلّوا ضلالاً بعيداً.

“إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد، قبل كل شيء، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى”.

في سورية مجتمع إنساني يكاد يدرك بداهة بمجرّد النظر، وهذا المجتمع إمَّا أن تكون له نفسية مستمدة من تركيبه، من خصائصه الفيزيائية الأنتروبولوجية ومن تراثه وتاريخه الاجتماعي والثقافي والسياسي، وإمَّا أن لا يكون.

فإذا لم يكن، لم تكن له معاني الحياة بذاته، كان منساقاً بتيارات من خارجه غريبة عنه لا يمكن أن تمثّله تمثيلاً صحيحاً مهما ادَّعت أنها له ومنه، لأنها في الحياة لم تكن كذلك. وإذا كان لهذا المجتمع هذه الحقيقة، إذا كانت هذه الحقيقة لهذا المجتمع، إذن إنه حقيقة من له نظر من ذاته إلى الحياة وإلى وضع العالم وحينئذٍ يجب عليه أن ينهض بذاته لتحقيق ما يعتقد بذاته أنه هو الحق والخير، غير منتظر موافقة من هو خارج عنه أو رضاه، وغير منتظر أن يجاريه غيره.

إنّ إدراك الحقيقة يوجب السعي في الحال إلى تحقيق تلك الحقيقة، إلى تحقيق أهداف وأغراض تلك الحقيقة. أما إدراك الحقيقة والانتظار من الآخرين أن يعرفوا بها فهو تعطيل للنفس وتعطيل لحقيقة المجتمع في نظرنا إلى الأمور بذاتنا. إما أن يكون هنالك اشتراك حقيقي صحيح مع غيرنا فيحصل بطبيعة الحال، وإما أن لا يكون. فإذا لم يكن لنا توافق مع غيرنا وقامت حركتنا تريد إيجاد توافق اصطناعي، كانت المحاولة فاشلة لا محالة.

فإذا نهضنا بذاتنا للتعبير عن ذاتنا وعن مقاصدنا في الحياة، فليس لأحد أن يلومنا بل عليه أن يقتبس منا، أن يتعلم منا، إنّ حياتنا نهوض، وإنّ الحياة هي نهوض للتعبير عن الحقيقة.

“إنّ الفكرة الشاملة التي أوجدها الحزب السوري القومي الاجتماعي تكون قضية مثالية في الحياة القومية. وليس يريد الحزب حصر هذه الفكرة السامية ونتائجها الخطيرة في سورية بل هو يريد حملها إلى الأمم العربية الشقيقة عن طريق العمل الثقافي وتبادل الآراء والتفاهم لا عن طريق إلغاء شخصيات الأمم العربية وفرض النظريات عليها فرضاً”.

لا يمكن أن نحمل إلى العالم العربي شيئاً إلا إذا قررنا شيئاً. إلا إذا قررنا شيئاً نحمله. فإذا لم يكن عندنا شيء مقرر واضح مستخرج من نظرنا فلسنا بمستطيعين أن نقدم شيئاً.

لذلك، شرط التعاون في العالم العربي، هو أن نقدر على تقديم شيء ولكي نقدر على تقديم شيء يجب أن نكون نحن أولاً شيئاً.

لا يمكننا أن نقدم شيئاً ونحن لا شيء. لا يمكن لسورية أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة مجزأة نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية.

لذلك نحن نرى هذه النهضة مقرّبة لنا للعمل والتعاون في العالم العربي لا مبعدة، لأنه حين لا تكون هذه النهضة لا نكون متعاونين في العالم العربي، بل نكون منساقين في تيارات في العالم العربي.

لكي نطمح إلى شيء يجب أن نشعر بأن هذا الشيء هو تحقيق لتصميم ما في نفوسنا وليس تحقيقاً لمساومات سياسية أو لأمور وقتية لا قيمة لها في استمرار الحياة.

“أما الوجهة السياسية من غاية الحزب فمن الناحية الداخلية يعتبر الحزب أنّ المسالة اللبنانية نشأت لمبررات جزئية كانت صحيحة حين كانت فكرة الدولة دينية. ولكن مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي قد أوجدت الأساس الاجتماعي ـ الحقوقي القومي. وبتحقيق مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي تزول المبررات التي أوجبت انعزال لبنان”.

واضح أنّ المسالة اللبنانية ذات مبررات جزئية. إنّ أساس المسألة اللبنانية ليس في وجود لبنان مستقلاً، ولا في وجود بلاد لبنانية منفصلة، بل حتى ولا وجود تاريخ لبناني مستقل. إنّ اساس المسألة اللبنانية شيء واحد ـ الحزبيات الدينية، الدولة الدينية، الدولة القائمة على اساس مذهب ديني معيّن. الدولة القائمة على أساس ديني معيّن تعني أنها دولة ذلك الدين أو الجماعة المختصة بذلك الدين، فيخرج من عضوية الدولة الصحيحة كل من انتمى إلى دين آخر.

الدولة الدينية لا تشمل إلا المنتمين إليها، المنتمين إلى الجماعة الدينية،، فمن خرج عن تلك الجماعة كان موقف الدولة منه موقفاً خاصاً غير شامل، موقفاً يعبَّر عنه باللغة الأجنبية (Exclusive) أي أنها تُخرج عن دائرة حقوقها من كان خارجاً عن الجماعة المنتمية إليها الجماعة الدينية.

في بلادنا سيطرة الدولة الدينية، من الطبيعي، كما سيطرت أيضاً في أنحاء عديدة من العالم المتمدن تقريباً في بعض الأزمنة. وقد تكلمت في باب “فصل الدين عن الدولة” عن شؤون كثيرة توضح هذه القضية، فلا أعود ولا أطيل اليوم ولكن اذكر أنّ كل مجتمع أوجبت الدولة الدينية فقدانه حرية العمل والسيادة والاتجاه الصحيح القائم بالإرادة الذاتية ابتدأ يبحث عن حلّ لمشاكله.

هكذا نشأ النزاع بين البروتستانت والكاثوليك في ألمانية. وأعيد القول إنّ بواعث النزاع والحركة البروتستانتية لم يكن كله دينياً محضاً. كان في الحركة الدينية دوافع سياسية هامّة وكذلك كان في الحركات الشيعية في النطاق المحمدي. وقد أوضحت بعض هذه النواحي في كتاب نشوء الأمم.

البروتستانت حاربوا، ليس فقط لبعض الاعتقادات الدينية بل أيضاً ليتحرروا من سلطة رومة. والفرس صاروا في الشيعة، ليس فقط من أجل بعض الاعتقادات الدينية، بل للمحافظة على وحدتهم القومية من الانجراح. فهناك عوامل سياسية ايضاً في هذه الأمور.

وفي لبنان نزع المسيحيون في حالة الدولة الدينية إلى أن يجدوا مخرجاً لهم من هذه الحالة إلى وجود حالة يشعرون فيها أنهم يقدرون أن يعطوا تحقيقاً عن أنفسهم، عن ذاتيتهم، عن وحدتهم. لأنه في الدولة الدينية لم يكن للمسيحيين حق بل كانوا تحت الحماية ـ أهل ذمة ـ والمحمي ليست له حقوق العضوية في الدولة الدينية، نفس الحقوق المدنية السياسية. واستمر هذا الاتجاه إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، فاتى احتلال الأجنبي واستغل هذه الحالة وعمل على تنفيذها فوجدت النزعة إلى الانفصال والاستقلال اللبناني على اساس الحماية الدينية لا على أساس فكري اجتماعي اقتصادي لجماعة تقطن هذه المنطفة.

وإذا كان قد بقي لموجات الفكر السياسي الديني استمرار للجماعات في بلادنا فإن الحزب السوري القومي الاجتماعي القائل في جملة تعاليمه بفصل الدين عن الدولة وإنشاء الدولة على أساس وحدة الأمة، وحدة المجتمع الواحد، ستزيل كل ما يمنع العودة إلى وحدة القومية الصحيحة في جميع الدول السورية كما أزالته بالفعل ضمن نطاق الحزب السوري القومي الاجتماعي.

إننا في الحزب قد بطل أن نكون محمديين، مسيحيين، أو دروزاً، وصرنا سوريين قوميين اجتماعيين فقط في كل ما يعني الاجتماع والسياسة، وترك الحزب في مبادئه حرية الاعتقاد الفردي الديني لكل عضو فيه، ولكل عضو في الدولة القومية الاجتماعية.

فإذا زالت مخاوف حرمان الحقوق، وقد زالت بالفعل ضمن نطاق الحزب السوري القومي الاجتماعي وستزول حتماً بامتداد النهضة السورية القومية الاجتماعية ومبادئها، لم يبق هنالك ما يبرر التجزئة والانفصال في الأمة الواحدة والوطن الواحد.

“ومن ناحية العالم العربي يرى الحزب سلك طريق المؤتمرات والمحالفات التي هي الطريق العملية الوحيدة لحصول تعاون الأمم العربية، وإنشاء جبهة عربية لها وزنها في السياسة الإنترناسيونية.

“ولكن السيادة القومية مبدأ يجب المحافظة عليه في جميع المحالفات والعقود”.

هذه النظرة المستمدة من غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي، من تعاليمه، التي أصبحت نافذة في العالم العربي عملياً، هي الشيء الوحيد الذي أمكن العروبيون تحقيقه. إنّ العروبيين في تحقيق الجامعة العربية لم يحققوا إلا النظرة العروبية الحقيقية التي أعلنها الحزب السوري القومي الاجتماعي ـ عقد المؤتمرات والمحالفات وإنشاء الجبهة ـ أما جعل الأقطار والمجتمعات في العالم العربي الكبير شيئاً واحداً، مجتمعاً واحداً، ونظاماً واحداً فقد بقي العروبيون بعيدين عنه اليوم كما كانوا بعيدين في الماضي.

إنّ الجامعة العربية كمؤسسة لإيجاد التوافق بين أغراض أمم العالم العربي وإيجاد وسائل التعاون بين أمم العالم العربي، كل أمة من أممه تعطي من ذاتيتها حيوية لقوّتها، إنّ هذه المؤسسة هي التحقيق العملي لنظرة الحزب السوري القومي الاجتماعي، وإن كانت بطريقة عملها وفعلها تحقيقاً فاسداً لهذه النظرة.

وحيث يكون التحقيق فاسداً، بأي شيء تعتصم الجماعات؟ تعتصم بحق السيادة القومية ” ولكن السيادة القومية” تبقي للمجتمع حق تقرير مصيره حتى إذا اختلت العقود والمقررات.

بهذا تنتهي سلسلة الأبحاث في مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي.

ولتحيى سورية.

 الأحد في 4 أبريل/ نيسان 1948

دوّنها الأمين جورج عبد المسيح

نقلاً عن كتاب المحاضرات العشر، دمشق، 1952، ص 143 ـ 157

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى