ملحق رقم 1 خطاب الزعيم في عين زحلتا 30/9/1948

أيها الرفقاء السوريون القوميون الاجتماعيون،

بفضل جهادكم وبفضل إيمانكم المتين وبفضل صبركم على الشدائد وصبركم على الأذية، تتلقونها من إخوان لكم من أبناء شعبكم ووطنكم الذين، ـ لأنكم تحاولون إنقاذهم من عادات وأمراض تملكت بهم، ـ أصبحوا يلطمونكم. لأن العادة فيهم أصبحت أقوى من حب الشفاء.

بفضل هذا الصبر وهذا الجهاد الذين تألم كثيرون منكم فيه وفقد كثير منكم من شؤونه ومصالحه شيئاً كثيراً، من وسائل حياته المادية، بفضل هذا الجهاد نقف اليوم تحت سماء الوطن أحراراً نتكلم بحريّة مخاطبين أبناء قومنا الذين لطمونا والذين لم يلطمونا لنصرحهم بما يؤول لخيرهم وعلائهم ومجد أمتهم.

أيها الأصدقاء المجتمعون،

سمعت من بعض الرفقاء شيئاً يتناول نواحي أساسية من التفكير الإنشائي في هذه الحركة السورية القومية الاجتماعية وإنني أثبت ما قاله الرفقاء لأنه يعبّر تعبيراً صادقاً عن هذه النهضة وأهدافها الصريحة.

نحن حزب أسيء فهمنا في الماضي، وما يزال يساء فهمنا اليوم لأن أفكارنا وأعمالنا تُقلب إلى الناس مشوهة. ولم يُقبل الناس على دراسة حقيقة قضيتنا التي نعمل لها. وبالنظر لهذا النقص في الدرس، ستظل حقيقة قضيتنا ملتبسة حتى على الذين يعنيهم الأمر.

نسمع من بعض الجهات بعض اقتراحات منها: “لماذا لم تسمّوا الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب اللبناني القومي الاجتماعي”. ونسمع من جهة أخرى عبارة استفهامية: “لماذا لم تسمّوا الحزب، الحزب العربي القومي الاجتماعي”؟.. الأولون يقولون: ؟لو أنكم سميتم الحزب، الحزب اللبناني القومي الاجتماعي، لرأيتم اللبنانيين بأجمعهم يسيرون في هذا الحزب”. ومثل هذا القول يقول الذين يطلبون تسمية حزبنا بالحزب العربي قائلين: “لو فعلتم هكذا لانضم إليكم العرب في كل العالم العربي”.

مع هذا إذا نظرنا وتأملنا الأحوال في هذا الوطن وجدنا أنه توجد أحزاب تقول إنها لبنانية وإصلاحية، وقد اقتبست مبادئها عنّا. ومع ذلك لا نرى اللبنانيين بأجمعهم منضمين إلى هذه الأحزاب. كذلك توجد أحزاب تقول إنها عربية، ولم ينضم إليها أبناء العالم العربي كله. فما هو السر؟ هل السر في سواد “عيون” الزعيم؟

نحن نعتقد أنّ السر ليس في هذا، بل إنّ المسألة أعمق من ذلك بكثير. نرى الأحزاب التي تقول بلبنانيتها لا تتجاوز “العناصر المسيحية”. والتي تقول بالعروبة لا تتجاوز “العناصر” المحمدية. فالتياران اللبناني والعربي لا يمثّلان سوى فكرة تجسيد الحزبيات الدينية. فالعامل في الأساس هو عامل ديني محض.

لو يوجد في التاريخ شيء اسمه الأمة اللبنانية أو الدولة اللبنانية، إنّ هذا شيء مستحدث بعد حرب 1918. وهذا الاستحداثة أسبابه التي عمل له الأجنبي ليبقي البلاد ممزقة مجزَّأة على نفسها. ذلك يرجع إلى الشعور الديني حين كانت الجدولة دينية.

إذا اندفعنا في هذين التيارين واستمررنا في اندفاعنا خارج الحزب السوري القومي الاجتماعي فما هي النتيجة الحاصلة؟ النتيجة تكون استمرار انقسامنا كأمة، واستمرار عداوتنا بعضنا للبعض الآخر ضمن حدود بلادنا وخارجها.

نحن نقول بمبدأ جوهري، مبدأ الصراحة ومعالجة المرض في أساسه. نحن لا نظن أنّ طلاء القصدير بالفضة والنحاس بالذهب يعطينا فضة أو ذهباً، بل يبقى القصدير قصديراً والفضة فضة.

الأمة والدولة لا تعرفان في الدولة إلا أعضاء متساويان في الحقوق والواجبات. فإذا كان الشرع دينياً يصبح لكل جماعة دينية شرعها.

أثناء مناقشة مع اثنين أرادا أن ينضما إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، قلت، بعد أن سألاني: “هل سيكون الشرع في الدولة السورية القومية الاجتماعية مدنياً” قلت: القرآن الكريم يقول إنّ السارق تقطع يده فهل يجري العالم المحمدي على هذه القاعدة اليوم؟ أجابا “لا”. قلت: القرآن ينهي عن شرب الخمرة، فكم هو عدد المحمديين الذين امتنعوا عن ذلك؟ فإذا كان يجوز لكما أن تكسرا الشرع في هذه النواحي ألا تتساهلون في نواح يعطي التساهل فيها خيراً لأمة بأسرها؟ بل لماذا نرى التعصب ضد الذين يقولون بدولة منفصلة عن الوحدة ما دام أساس الأمرين دينياً؟

أما حزبنا فقوة آخذة بجمع السوري كله على أساس جغرافي وشعبي. فهو يمثّل مجموع الشعب، بصرف النظر عن الاعتبارات الدينية. ولو بني على غير اساس القومية السورية لمثّل المبدأ الذي تقول به كل من الجماعتين الدينيتين.

هل ينتج من ذلك أن نقبل ما يقوله بعض أصحاب الغايات السياسية والمنافع الاقتصادية، إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي عدو لبنان وعدو اللبنانيين؟! إنّ هذا الحزب، وأعضاءه في لبنان لا يمكن أن يوجد بين اللبنانيين من هو أخلص منه ومن رجاله، في العمل لخير لبنان وخير الأمة السورية كلها.

ليس في القول بالحزب السوري القومي الاجتماعي عداوة للبنان وللبنانيين، بل ذلك تفريق بين المسألة السياسية وبين القضية القومية الاجتماعية.

الكيان اللبناني كيان اقتضته ضرورة قيام الدولة على أساس الدين. إنه حل سياسي لمشكلة اجتماعية. لكنه حل لا يخلق جنساً جديداً. فمار مارون نفسه كان من الداخل، ولغة الموارنة في لبنان هي اللغة السريانية، لغة السوريين قبل الفتح العربي. والموارنة في لبنان هم آراميون، فاللسان السرياني هو نفسه اللسان الآرامي ولم يكونوا شعباً خاصاً بلبنان بل انتشروا في مجمل البلاد السورية. وبعض هؤلاء صاروا محمديين وخالفوا إخوتهم في الدين. فمن الوجهة الجنسية لا يمكننا أن نخلق شيئاً اسمه الأمة اللبنانية كحل نهائي لهذه المشكلة السياسية.

لماذا لم تنجح الأحزاب التي تنادي “بالقومية اللبنانية” في ضم كل اللبنانيين إذا كانت الفكرة اللبنانية فكرة قومية لا طائفية. لماذا لم تنجح الكتائب والغساسنة أو الطلائع أو النجادة مثلاً في أن تزيد عن الطائفة التي هي لها؟

لماذا؟ لأنها كلها تقوم على مبدأ حزبية دينية مموه من الخارج بطلاء الوطنية، ولا تخدع هذه إلا نفسها.

إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الحزب الأوحد الذي أعطى أحسن النتائج في قيادة اللبنانيين إلى الوحدة القومية. هو الحزب الذي لا يوجد حزب قدر أن يفعل ما فعل لتوحيد اللبنانيين من جميع الملل والنحل.

إنّ اختلاف الآراء حول المصلحة الأخيرة والخير العام لا يمكن أن يسمى من قبل جهلة أعداء للبلاد يكونون هم أنفسهم أعظم الخونة لها ولهذا الشان.

ماذا نقصد من الأسماء؟ الأسماء بذاتها ليست خيراً، بل الخير الذي نقصد هو في ما تعني الأسماء. نحن لا نقصد الخير لمجرّد الخير ولا نرى الخير في اسم سورية مجرّداً. إننا لا نطلب الله لمجرّد اسم الله بل لأنه رمز للخير. وحين يبطل أن يكون كذلك تبطل محبته من قلوب الناس.

الأسماء في ذاتها ليست ما نطلب، بل طلب الخير الذي يكون من ورائها.

فالذين يقولون باسم لبنان يريدون أن يثبتوا الحاضر على ما كان الماضي القريب ولا يحدثون شيئاً جديداً ولو اقتبسوا عنا مبادىء جديدة.

إنّ الذي يدخل حزباً لبنانياً ينتقل من طائفة إلى جو طائفي مماثل. وهو مثل الذي ابتدأ من نقطة وعاد إليها. كل حزب يتأسس ضمن مصلحة فئة معيّنة من الناس لا يمكن أن يخرج عن تلك الفئة. إنّ المصلحة في الوطن هي للعموم وكل قضية صحيحة يجب أن تكون للوطن بأجمعه وللأمة كلها.

إنّ المبدأ الأساسي الذي هو أنّ الأمة السورية مجتمع واحد والمبدأ الإصلاحي القائل بفصل الدين عن الدولة يربطان الفرد بمجتمعه وشرائعه ومصيره. بفصل الدين عن الدولة نجد القاعدة التي تجعل الإنسان حراً في معتقده الديني لكنه يخضع للشرائع التي أنتجتها عقول إنسانية، وهبها الله لا ليعطلها بل لتخدم المجتمع الإنساني.

الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يقول بقاعدة الدولة الدينية بل يأخذ المسطح الجغرافي وحقيقة التركيب الدموي والنفسي، بصرف النظر عن المذهب والأديان فيوفق بذلك بين قوله بقومية سورية، بأمة سورية وبين قوله بوجود بعض الأسباب التي أوجدت الكيان اللبناني المنعزل. والحزب يعمل على إزالة هذه الأسباب.

إنّ حقيقة الأمم ليست رغائب عند بعض الناس بل هي قواعد صحيحة عليهم أن يكشفوها.

إنّ بعض المتهوسين الخياليين يقولون عند حدوث المشاكل الاقتصادية بين لبنان والشام: “سوف نطحن صخور لبنان ونستغني عن الداخل”. هذا الكلام يسمى “فشة خلق” لأنه يصعب أن نرى صخور لبنان الجميلة تتحول إلى طحين فذلك يتطلب تحويل معدن إلى باطون مسلح تهضم تلك الصخور.

نحن إذن قد أعلنّا للخائفين أننا جاهزنا باحترام الكيان اللبناني لأنه كيان سياسي مقبول للأسباب الموجبة. فالكيان اللبناني هو حصن يساعدنا على تطوير الأفكار نحو اتجاه الحياة الجديدة، لا سجن للبنانيين ينزوون فيه. يجب أن يكون نقطة انطلاق لهذه النهضة لا مقبرة للبنانيين ولجميع السوريين في سورية الطبيعية ككلها.

إنكم تسمعون أخبار التسلح من جهة الكتائب والنجادة للدفاع عن طوائفهم. ولدينا تقارير عن هذه الأعمال التي تجعل أبناء لبنان واقفين ليثب كل فريق منهم على الآخر. في الحزب السوري القومي الاجتماعي فقط نجد وحدة الشعب ولا يمكن أن ينشأ فيه مشكلة من هذا النوع، من أجل مركز في السماء، لم ينتدب الله أحداً على الأرض ليقوم بالحشر والحساب نيابة عنه. في الحزب السوري القومي الاجتماعي فقط يدخل أي مواطن من أية طائفة كانت، إلى قومية جامعة فلا يبقى فيه الماروني مارونياً ولا السني سنياً بل يجد كل نفسه للأمة. هذا شيء لم يستطع حزب آخر أن يقوم به. هذه هي حلولنا.

ونحن لا نقدر أن نساير الذين يطلبون منا أن نجابه المشاكل بالطرق المعوجة التي يفكرون بها.

نحن نقول لهم إننا نصرّ على اعوجاج تفكيركم ونناقشكم ونحترم رأيكم ونريد أن نريكم هذه الطريق الجديدة. ونعترف بعجزنا عن تسوية حال الوطن بالطرق المعوجة التي يريدوننا أن نسير عليها.

إن كان هناك من هم أكثر مقدرة لتحقيق الأمر فنحن لا نعترضهم. إنّ تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي يدل على أننا لم نعترض حزباً آخر رأى أن يحقق خيراً أو يجمع شملاً للأمة. فقد ناصرنا حتى الذين حاربونا في جميع المواقف التي اقتضتها المصلحة القومية. ولكننا لم نجد أحداً من الذين ادعوا أنهم على حق، واتهمونا أننا على ضلال، يحقق عشر معشار ما حققنا، لا الذين في الحكم ولا الذين في المعارضة.

هذه هي حقيقة الحزب السوري القومي الاجتماعي. حزب يحترم مخاوف الناس ويحترم مطامحهم وأبعادها، ولكنه لا يترك الناس في خوفهم وفي مطامحهم المتهورة. بل يمسك المتطوحين والخائفين ويجمعهم في حقيقة أمة يجب أن تكون قوية وعظيمة، أمة خرجت من سجن المخاوف إلى الحقيقة غير متهورة وغير متطوحة.

إنني أكرر ما قلته: لا يخشينّ أحد من اللبنانيين قولنا تحيا سورية في لبنان. لأننا نشعر أنّ لبنان هو في ذرى سورية، وفيه انبثق مبدأ الحياة للبنانيين ولجميع السوريين. ليحيى لبنان الذي قال فيه الريحاني، وأذكر ما قلنا في اجتماع كفرعقاب حين تذكرنا زيارة قمنا بها لأمين الريحاني قبيل موته فقال: “ثلاثة لا تزول في لبنان عذوبة مناظره، عبقرية أبنائه والحزب السوري القومي في لبنان”. أقول إنّ اللبنانيين كثيراً ما نسوا ما علّمهم لبنانيون خلصاء مثل أمين الريحاني وانتبهوا إلى ما علّمهم إياه الفرنسيون.

 صدى الشمال ـ صوت الجيل الجديد، بيروت،

العدد 59، 8/7/1959

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى