ملحق رقم 12 خطاب الزعيم في الطلبة القوميين في الجامعة الأميركانية 16/5/1949

ايها القوميون الاجتماعيون،

أعدّ مكتب الطلبة هذا الاجتماع للقوميين الاجتماعيين من الطلاب على أن يكون اجتماعاً أخيراً لهذا العام الدراسي، يعمد الطلاب بعده إلى الامتحانات يتفرغون لها وينهون دراساتهم، ثم يتفرقون إلى المناطق التي جاؤوا منها لا ليخلدوا إلى الراحة بل ليتابعوا عملهم الإنشائي في تلك المناطق.

إنّ الطلاب كانوا النقطة الارتكازية الأساسية لنشوء الحركة القومية الاجتماعية.

إنّ الحركة نشأت في أوساط الطلاب وحملها في بادىء الأمر الطلاب، وسار بها الطلاب إلى أن أصبحت اليوم هذه الحركة الشعبية العامة الواسعة، التي تصهر في بوتقتها مختلف النفسيات مكوّنة منها نفسية واحدة قومية اجتماعية، لها قصد واحد واضح في الحياة، ولها إرادة واحدة تفعل في جموعها كلها، تسيّرها صفوفاً مترابطة قد قررت أن يكون مصيرها واحداً مهما كان، نهوضاً أو سقوطاً، وفي هذا القرار، على أن تكون واحدة موحدة في كل الحالات. في هذا القرار يكمن سر الانتصارات التي حققتها الحركة حتى اليوم وسر الانتصار الذي تسير إليه الحركة القومية الاجتماعية. فالطلاب كانوا دائماً ولا يزالون عاملاً أساسياً في الحركة القومية الاجتماعية، إنهم النفوس الجديدة التي لم تكن قد فعلت فيها سموم القضايا الرجعية، ولم تكن قد تمكنت منها الثقافات المحجرة للعقل المعطلة للإرادة الحرة في الإنسان المسيّرة للفئات والجماعات بعوامل الاستمرار في الماضي وفي اتجاه الماضي.

الفئات الرجعية في هذا الوطن التي سيّرتها قضايا الماضي نحو أهداف الماضي حطَّمت القوى الشعبية في كل المحاولات التي قامت بها للتقدم إلى الأمام، لم تخض الفئات الرجعية قضية واحدة من قضايا الحياة التقدمية إلا وارتدّت عنها خائبة بعد أن سقط من قواها ضحايا عديدة وبعد أن حطَّمت ما في النفوس من إرادة وعزيمة. وإذا استمرت القضايا الرجعية تهدم قوى الأمة فوجاً بعد فوج في اتجاه القضايا الرجعية فهي لن تسير قيد خطوة إلى الأمام بهذه الأمة، بل تردّها إلى الوراء خطوات. فإذا لم تنهض فئة جديدة بقضية جديدة، قضية تقدم في الحياة، اتجاهاً نحو الأمام لا نحو الوراء لم يكن لنا أي أمل لتغيير المصير الذي قررت الرجعة أن يكون دائماً، الانحلال والتخاذل والتصادم والانحطاط المناقبي والفوضى الاجتماعية.

الطلاب هم هذا العنصر الأساسي، لأنه عنصر التحرر من قيود قضايا الماضي. إنه عنصر مؤهل لحل قضايا جديدة لنفوس جديدة. ولذلك تظل الحركة القومية الاجتماعية تشعر أنّ الطلاب يكونون دائماً نقطة انطلاق وارتكاز في العمل القومي الاجتماعي.

إنّ عدداً كبيراً من العاملين في الحركة القومية الاجتماعية كانوا طلاباً ونشأوا نشأتهم وهم طلاب فنضجت أفكارهم ومواهبهم في القضية القومية الاجتماعية منزهة عن الاختلاطات بقضايا الرجعة.

صنع الطلاب في الحركة القومية الاجتماعية هو توليد قوَّة فاعلة حرة، قوَّة واحدة بعقلها الحر المنظَّم وإرادتها الحرة التي تريد الحياة الجديدة من غير أن تعطّل إرادتها قيود وقضايا الحياة التي ماتت.

كل طالب منكم يدرك أهمية وجوده في الحركة القومية الاجتماعية لأنّ الطالب يطلب العلم والمعرفة الصحيحين. يطلب اليقين، يطلب البناء النفسي الصحيح الذي يمكّنه من أن يكون شيئاً محترماً، من أن يكون قوَّة تفعل وتقرر بذاتها ما تريد، ما تقصد، ما ترى أنه جميل وحسن في الحياة. الذين ينظرون اليوم، يلقون نظرة على الشوط الذي سارته الحركة من يوم نشأت إلى الآن، يرون أنّ هذه الحركة قد حققت أموراً كانت تظن أنها شيء عسير جداً، يرون أنّ الحركة القومية الاجتماعية قد نقلت الأمة السورية من المعميات والتخبط في مسائل العصر الحديث إلى الوضوح في القضايا والمقاصد إلى إدراك الأسس الصحيحة التي يمكن أن يقوم عليها مجتمع صحيح قوي ودولة عزيزة ذات سيادة فاعلة، يرون أيضاً أنّ كل الفئات التي حاربت مقاصد الحركة القومية الاجتماعية وغررت الشعب بقضاياها قد أخّرت الأمة والوطن عقوداً من السنين بل قروناً.

إنّ الحركة القومية الاجتماعية، قد حققت شيئاً أساسياً داخلياً وهو الوعي القومي واتخاذ القومية عاملاً روحياً، عاملاً موحداً القلوب والأفكار، موجهاً القوى القومية في إرادة واحدة وعمل منظم واحد نحو غايات الأمة العظيمة. هذا النسيج الجديد من الإرادة والأفكار هو شيء ضروري جداً، لا يستغني عنه مطلقاً للنهوض بالأمة من الحضيض التي وصلت إليه وللتقدم بها نحو ميادين الحياة الواسعة. كل محاولة بدون هذا النسيج، بدون هذه الوحدة الروحية الفكرية في الإرادة والعزيمة المرتكزة إلى شيء حقيقي واقعي، إلى مجتمع واحد في حياة واحدة ومصير واحد، بدون هذا الأساس لا يمكن النهوض ومواجهة الأفكار بأمل الانتصار.

إنّ قضية فلسطين لا تزال مثلاً حياً أمامنا يدل على صحة هذا القول. سارت الأمة السورية إلى فلسطين بدون وحدة روحية، بدون وحدة في المقاصد أو الإرادة أو الخطط الموحدة أو النظام الموحد. فاجتمعت في فلسطين أخلاط من النفسيات والإرادات والقضايا لم يمكن أن يكون لها أي مصير غير المصير الذي وصلنا إليه.

إنها واجهت قضية لا تزال صغيرة، ولكنها موحدة في المقاصد، والإرادة والأخلاق والأسس المناقبية والروحية. بهذه الأخلاط لم يمكن أن تسير الأمة السورية إلى أي انتصار. والذين يظنون أنهم يمكنهم أن يحققوا أي انتصار من غير طريق الحركة القومية الاجتماعية هم ضالون ومضللون. لا يمكن أبداً أن نسير إلى اي انتصار بدون الوحدة في العقيدة والأهداف والخطط والكيان.

يقولون لنا، ماذا عملتم لأجل فلسطين؟ ونحن نقول إنّ فلسطين جزء من قضية واحدة كاملة كلية، لا يمكن أن نعمل لها إلا من ضمن هذه القضية الكلية لأنّ كل محاولة عن غير طريق إنشاء الوعي القومي وتوحيد الصفوف عقيدة واحدة وغاية واحدة، نصيبها الفشل والخيبة والإفلاس. لذلك كانت طريق الحركة القومية الاجتماعية الطريق الوحيدة ليس فقط لإنقاذ فلسطين من حيث أنّ فلسطين جزء واحد من القضية القومية الاجتماعية، بل لإنقاذ مناطق واسعة وغنية، على الأقل مثل اتساع فلسطين وغناها. مناطق ضرورية للحياة السورية ولسلامة الأمة السورية كما هي فلسطين ضرورية. ليس الخطر في الشمال من الإسكندرونة وكيليكية وما وراء تلك المناطق من شيوعية في كردستان ومن قضايا تنتشر على طول الخطوط الشمالية، ليس الخطر الشمالي بأقل خطراً من الجنوبي القائم في فلسطين. وإذا ظننا أنه لا توجد لنا قضية عملية سياسية اقتصادية إلا قضية فلسطين فقد برهنّا على أننا لا نعي حقيقة قضايانا، فنحن نعرِّض أنفسنا لخطر ساحق داهم في الوقت الذي نعالج فيه خطراً واحداً مداهماً.

قضية الأمة قضية واحدة، فإذا لم نعِ إلا جزءاً واحداً منها فلسنا قائمين على أساس صحيح، وليست خططنا صحيحة يمكن أن تنقذ المصير القومي.

لا يمكننا أن نتلهى بخطر واحد عن بقية الأخطار. الوعي القومي يتطلب منا أن ندرك كل ما يتعلق بنا وبمصيرنا وأن نحتاط لكل واحدة من قضايانا، ولكل واحدة من القضايا التي تهاجمنا. كل خطر يداهمنا خامداً اليوم قد يثور غداً. نحن نقوم بقضية كلية واحدة لا بقضايا جزئية، ولا يمكن أن نصل إلى مصير صحيح إلا بقضية واحدة كلية لا بقضايا مبعثرة لا رابطة بينها.

هذا النمو في الحركة الذي يراه المستعجلون في الأمور أمراً بطيئاً بعيداً عن معالجة القضايا الخطيرة، هذا هو الطريق السريع لمعالجة القضايا الخطيرة. إنه البناء المتين للسير نحو منظمة لتحقيق غاية الأمة. إنه إعداد الجيوش للمعركة ولا يمكن أن تربح معركة واحدة بدون جيوش منظمة نفسياً وعملياً.

اليهود انتصروا على قلّتهم لأنهم اتّبعوا هذه الطريقة البطيئة السريعة التي تتبعها الحركة القومية الاجتماعية. اليهود لم يأتوا فجأة إلى فلسطين بقصد الاستيلاء عليها، إنهم أسسوا قضية صهيونية من زمان بعيد حتى صارت إرادة واحدة واعية وأهدافاً معيّنة، وحينئذٍ انطلقت لتحقيق الغاية فكان عملها سريعاً وفعَّالاً، بينما كانت القوى السورية والعربية تتخبط في تضارب أهدافها ونفسياتها، وتنتهي بالانحطاط أمام القوى المنظمة الصهيونية. فإذا كنا نتأمل صد الأعداء ودفعهم إلى الوراء من حيث أتوا، فأملنا بهذا النظام القومي الاجتماعي الذي يعد ويبني ويوحِّد النفوس والإرادة التي يدركها كل فرد من أفراد الحركة القومية الاجتماعية، ويسير إليها بوعي وفهم صحيح وتعاون مشترك، فلا غشاوات على العيون ولا شكوك في النفوس ولا بلبلة في اللغة والمفاهيم، بل إرادة واحدة وخطة واحدة تكفل لهذه المواهب السورية العظيمة الانتصار والتغلب على كل ما يمكن أن يعترض طريقها.

نعلم إذن أنّ الإسراع لإنقاذ أمتنا هو بهذه الحركة الإنشائية العظيمة التي لا تبني إلا على أساس، ومهما استغرق وضع الأساس فلا بد من وضع الأساس، إذا كنا نصرف مدة طويلة في الحفر في الأرض إلى أن نبلغ الصخور المتينة التي يمكن أن نؤسس عليها البناء المتين الذي نتصوَّره، فعملنا ليس ذاهباً عبثاً. إننا لا نضيّع وقتاً في هذا العمل. إننا نكسب وقتاً.

غيرنا يبني على سطح الأرض. يجمع أكواماً من الرجال في برهة وجيزة وكيفما اتفق، من الرجال المتعددي النفسيات، يظن أنها تقدر على عمل يمكن أن يسمى فتحاً أو انتصاراً والسير بها جماهير لا أول لها ولا آخر، وحالما تصل هذه الجيوش إلى مواجهة الخطوط الأولى يظهر ضعفها وتفسّخ نفسياتها وتشوش عقليتها وتضارب أفعالها وخططها فترتطم وتصدم وترتدّ أمام الأعمال النظامية التي يقوم بها الأعداء فتضمحل وإذا هي لا شيء، تطير هذه الجيوش أمام قوى قد تكون أقل منها بكثير.

إنّ القوَّة النظامية مهما كانت صغيرة أفعل بكثير من الجماهير التي لا تجمعها إرادة واحدة في الحياة ونفسية واحدة وبناء مناقبي واحد. إذن نحن نسير في تكوين الجيش الموحد الذي يقاتل بوعي ويعرف كل فرد لماذا يقاتل، فإذا زحفنا يوماً إلى فلسطين فلن نكون زاحفين لاسترجاع أرض مقدسة، لا عملاً بإنجيل ولا قرآن أو كتاب حكمة، لن نكون زاحفين لنظهر فئة دينية على فئة مضمرين كل واحد لأخيه غير ما يظهر له. ونحن سائرون إلى الحرب نسير واعين مدركين أننا سائرون نحو النصر لأمة واحدة، لشعب واحد.

هذه هي طريقنا المختصرة الطويلة. نسير إلى الحرب ليس فقط جماعة واحدة من الوجهة الروحية، بل من الوجهة الاجتماعية أيضاً. ليس لننصر إقطاعياً على إقطاعي أو رأسمالي بل لنكسب أرضاً لا يمكن أن نقيم فيها مستعبدين من أنفسنا على أمتنا، نسير محققين انتصاراً لشعب حر يجتمع تحت علم أمته ودولته في نظام واحد ومجد واحد للجميع.

إنّ إيماناً من هذا النوع هو فقط ما يمكّننا في المستقبل من أن يمحو العار الذي لحقنا من قضايا الماضي. إذن نحن نسير إلى إنقاذ فلسطين والإسكندرونة وكيليكية وقبرص وسيناء. إذن نحن نسير في هذه الطريق ومتى وصلنا إلى النقطة التي ننطلق منها في هجومنا الاجتماعي حينئذٍ يرى الذين استعجلوا كيف يكون البناء في الأمم وانتزاع النص.

أنتم الطلبة تحملون هذا الوعي الجديد. أنتم لا تزالون الركن الأساسي في الحركة القومية الاجتماعية. هذا البناء الذي تبنونه هو الذي سيكون له الثبات، وهو الذي سيبلغ المجد والخلود. فاعملوا بيقين، باليقين الذي جعل هذه الحركة تتغلب على كل العوامل التي حاولت أن تمنعها من التقدم، خارجية أم داخلية، التي تريد إبقاء الأمة مفسَّخة مجزأة قائمة بعضها على بعض للاستيلاء على الخيرات التي تفيض من هذه الأرض الطيبة.

أنتم تعملون عملاً تأسيسياً عظيماً في الحركة القومية الاجتماعية. وهذا العمل الذي حوّل هذه الحركة إلى حركة شعبية يجب أن يستمر لتصل هذه الحركة إلى الانتشار إلى جميع المناطق السورية فتنقذها من التبلبل والتضارب، وتجمعها عقيدة واحدة، أمة واحدة لتنتصر في الأخير. ففي اختتام هذه السنة المدرسية يجب أن تعيدوا النظر في هذه الأمور حتى إذا عدتم إلى مناطقكم عملتم لإيقاظ العناصر التي يمكن إيقاظها فتزيدون في فاعلية الحركة القومية الاجتماعية، وتقرّبون اليوم الذي نتحول فيه بالفعل من هذا النعت الذي تنعتنا به الإرادات الأجنبية من أننا عصابة أشقياء تتمرد على الأوضاع التي فرضت على الأمة فرضاً إلى هذا الجيش المؤمن الفاتح الذي يقيم النظام والحياة العزيزة والمجد للأمة السورية.

ما أمكن التقاطه من خطاب ألقاه الزعيم في جمع من طلاب الجامعة الأميركانية القوميين الاجتماعيين في السادس عشر من ايار/ مايو 1949).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى