ملحق رقم 4 خطاب الزعيم في دده ـ الكورة 17/10/1948

أيها القوميون الاجتماعيون،

أيها المواطنون،

بعد الكلام المفيد الذي سمعتموه من منفّذ الكورة العام الذي شرح فيه شرحاً موجزاً، ولكنه كامل الفكرة، الناحية الاجتماعية في العمل القومي الاجتماعي وبعد الكلام المفيد الذي سمعتموه من أمين آخر، والذي تركزّ في توجيه الأفكار إلى نقطة أساسية جوهرية هي الغاية العظمى ووجود الغاية العظمى. بعد كل هذا الكلام يجب أن نصل إلى نتيجة. هذه النتيجة هي فهم الغاية العظمى التي شرح حضرة المنفّذ العام الناحية الاجتماعية منها.

بأي شيء يتميز القوميون الاجتماعيون عن غيرهم في هذا الوطن، السوريون القوميون الاجتماعيون يتميزون بأنهم مجموع لها غاية عظمى في الحياة يحيا بها القومي الاجتماعي وفيها يجد حياته وبها يُعرف بين الأمم. الغاية العظمى للقوميين الاجتماعيين هي هي القوميون الاجتماعيون لأنهم مجموع يرفض الحياة بلا غاية عظمى. والحياة بلا غاية، هي عنده عيش حيواني حقير ينحط بها الإنسان إلى مرتبة العجماوات. إنّ الأمم الحية العظيمة تتميز وتحتل منزلتها في التاريخ بما يتمثل فيها من غايات عظيمة تطفح بها نفوسنا وتمثّل ما فيها من شعور بالعز والكرامة والجمال. فإذا فقدت الأمم هذه المزايا كان جديراً بها أن تكون موطئاً للأمم التي عرفت أن تكون ذات مُثل جلية وغايات عظيمة.

يتميز القوميون الاجتماعيون بأنهم حركة ذات غاية عظمى يحاربون من أجلها، هي عندهم أعز من أنفاسهم وهي لهم معنى وجودهم لأنهم على قدر عظم الغاية تكون النفوس. فالغاية العظيمة تمثّل النفوس العظيمة وتشهد بعظمتها وحيث لا غاية فلا نفوس… لا نريد أن نبقى في عالم التعميمات الفلسفية، يجب أن نتسلسل من هذه المطلقات العمومية ونتدرج إلى الشؤون البسيطة الهامّة في الحياة ومجراها.

ماذا تعني غاية عظمى تستحق الجهاد؟ ما الفرق بين مجتمع يحارب ويعمل من اجل غاية ومجتمع لا يعمل ولا يحارب من أجل غاية؟

الفرق تجدونه في هذه المنطقة الصغيرة “القلع” ـ هذه المنطقة التي لا تزال في حالة موجودة في كل البلاد تقريباً.

فما هي هذه الحالة؟ هي حالة الخمول وانعدام الغاية والاتكال على الباطل.

لماذا لا يوجد طرقات جيدة وكهرباء؟ لماذا لا توجد فيها مواسم؟ لماذا لا توجد فيها صناعات؟ لماذا لا يعمها الازدهار؟ ولماذا الحياة تزحف فيها زحفاً بدل أن تسير بعز وقوة واندفاع وانطلاق؟ لأن الناس في هذه المنطقة كما في غيرها قبل نشوء الحركة القومية الاجتماعية، وقبل أن تتناولهم الحركة القومية الاجتماعية كانوا لا غاية تجمعهم ولا غاية يجاهدون في سبيلها.

لم يتّكلون على ما يتصدق به عليهم مرشحون يمتطونهم إلى غايتهم الشخصية. هنا نجد الفرق بين من له غاية يسعى إليها ومن ليس له. الذي لا غاية له يتكل على غيره ليحقق له ما يحتاج إليه… فيكون نصيبه نصيب المتواكلين أي نصيب الانخذال. إنّ الحق الحقيقي هو يشق لنفسه موارد الحياة. الذين قد خمدت فيهم روح العز ولم يعودوا يصلحون للحياة لهم عمل هام هو الاستجداء والاستعطاء والزحف في الذل. أما الذين يشقّون طرق العز لأنفسهم صابرين على الألم محاربين بكل وسيلة لديهم، فهم قد يتأخرون عن النصر وقد يتأخرون عن تحقيق غاياتهم العظمى ولكنهم في الأخير حتماً لمنتصرون… وعملهم ولو لم يصلوا في حياتهم إلى النصر الفاصل الكامل يشهد أنهم قد وصلوا إلى غاية عظيمة وهي أنهم أثبتوا بآلامهم وصبرهم أنهم نفوس أبية عزيزة ترفض الذل وتقتحم الصعاب، تُخضع ولا تخضع، يجب احترامها في إراداتها، فيما تمثلت فيه من آمال عظيمة وغايات عظيمة تشهد كما كان الشعب يتكل على الدجالين الوطنيين الذين يمتطون أصوات الناخبين إلى الندوة لبيع حقوقنا للأجانب، كما باعوا حرية زرعنا التبغ للريجي، وكما كبّلونا بقيود سكة حديد بيروت ـ دمشق وثبتوا امتيازات أجنبية عديدة كذلك، من الوجهة الخارجية، كان الشعب يقبل ما يجود به الأجنبي من فضلات خيره ويتكل على الدول الأجنبية ومقرراتها [لا] غاية له غير الاستسلام والاتكال يقبع شبابه وفتياته حيث هم منتظرون رحمة الأجنبي فأصابتنا رحمة الأجنبي وأغرقتنا رحمة الأجنبي الطامية بفيض من مطامعه. ليس للذين لا غاية لهم إلا هذا المصير ـ مصير الذل: الحق ليس موجوداً في العالم، إلا حيث توجد نفوس تصون الحق. هكذا القوميون الاجتماعيون بعد نحو ستة عشر عاماً في حرب وآلام عنيفة يصلون إلى هذه الحرية التي انتزعناها انتزاعاً ولم تعط لنا من أجنبي أو من عبد أجنبي في هذه البلاد. هذا هو الحزب القومي المجتمعي، هو قوة يسير الحق في ركابها، لأن الحق لا يوجد إلا في النفوس الحية ولا يمكن أن يوجد قطعة مادية ملقاة على الطريق. الحزب القومي الاجتماعي هو الأمة السورية كلها مصغرة، إنه الأمة كلها لأنه هو الذي يمثّل ويعبّر عن غاية الأمة وهو الذي يعمل باسم الأمة لغاية الأمة. الحزب القومي الاجتماعي قد أعلن منذ بدء وجوده صراعاً في ناحية خطيرة، صراعاً بين إدراك الوجود وغاية الوجود وبين الغفلة والاستسلام للقضاء والقدر، صراع بين العودة إلى الذات، إلى الإيمان بالذات وإلى الثقة بالنفس والاعتماد عليها، وبين انعدام الشعور بالذات وانعدام الثقة بالنفس بين النهوض بثقة بالنفس وبين الخمول والكسل والاتكال…

فما يصيبنا مما يتحنن به علينا الآخرون. هذا الصراع قد انتهى دوره الأول بفوزنا نحن القوميين الاجتماعيين. هذا الصراع ينقذ الأمة من الاتكال على شيوعية تتأثر بأوامر أجنبية من موسكو وينتصر أيضاً على أوامر يمكن أن تأتي من لندن وواشنطن أو برلين.

وكان انتصارنا على هذه الإرادات الأجنبية العظيمة لأنه حقق الوعي القومي وأوضح الهدف.

لا للغايات التي تعيّنها لنا موسكو أو واشنطن أو لندن أو برلين نحن نعمل، إننا نعمل ونصارع لغايتنا العظمى،لأجل أن تكون لهذه الأمة الإرادة النافذة.

إنّ معنى وجود الحزب القومي هو انتصار الأمة السورية على الإرادات الأجنبية وعلى ذل اهتمت الإرادات الأجنبية بغرسه في نفوس أبناء هذا الشعب لتتمكّن من سوقه كالعبيد، لجر أنابيب البترول بأي مكان يمكن أن تصب بها للأساطيل التي تحيط بنا وتحوطنا بنطاق من حديد ونار. إنه وعينا لمصالحنا وحقوقنا في الحياة كشعب حر يأبى الذل والعبودية وليس يأباها فقط بل يحاربها هنا وحيث ما وجدت. كل شعب يتكل على غيره يصير مطية لغيره. اتكلنا على الفرنسيين والإنكليز فماذا كانت نتيجة اتكالنا. الفرنسيون أتوا لتهذيبنا فهذبونا، في بضع سنوات قليلة تمكنوا بواسطة بنك سورية من سحب عشرين مليون ليرة ذهباً كانت في منطقة الاحتلال. والنتيجة أننا أصبحنا عالة على الفرنك الفرنسي وتحت رحمة الفرنك الفرنسي. كانت النتيجة الريجي التي تحدد لكل منا كل شبر من أرضنا يمكننا أن نتصرف به وتحدد لنا المبلغ… فإذا زاد إنتاجنا على المبلغ المحدد جازتنا الشركة مدعية أننا نريد تهريبه وإذا قلّ تتهمنا بأننا هرّبناه.

بهذه الأمور المسوسة يمكننا أن نفهم ما تعني هذه القواعد الأساسية. إننا نعتقد أنّ الدماغ السوري ليس أقلّ مقدرة وذكاء من اي دماغ في العالم. وهذا الدماغ السوري هو نفسه يعرف ويقدر أن يخطط للمجتمع السوري الخطط والقواعد التي يكون بها صلاحه وعزه…

قضية عمال ما أصعب هذه القضية، يقول لنا الاتكاليون الذين ربوا في الذل إنه لا يمكن لعقلنا أن يحلّ هذه القضية ويقولون لنا إنّ العقل الموجود في موسكو يمكنه ذلك. إننا نرفض ما يقوله لنا دماغ في موسكو أو واشنطن أو غيرها. إننا جماعة وعت نفسها وأدركت أنه يمكنها أن تخطط للعز والكرامة، هذا ما يعيه وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي. هو ثورة ضد الاتكالية والاستعباد والاستعمار تحت أي ستار، هو نداء إلى الشعب السوري أن يعي نفسه ومقدرته… قيمته لا يمكن أن يعبّر عنها إلا هو. هذا هو وجوده. إذا نهض أبناء “القلع” وقاموا في غاية تخطط لهم المواسم والطرق والأنوار والمياه والري إذا قاموا في غاية من هذا النوع واختاروا ممن يعبّرون عنهم…

فإنهم يصلون إلى هذه النتيجة لأنهم هم يكونون وراءها…

إنّ الحزب القومي الاجتماعي هو حزب من أركان عقيدته القوة لأنه يدرك أنّ الحياة والحرية صراع ومن أبى الصراع رفضته الحرية ونحن مستعدون للصراع في كل دقيقة، نحن صارعنا حين كان الاحتلال الأجنبي منفردين وظللنا في الساحة إلى أن انهزم. نحن حزب صراع… حزب قوة وقتال في سبيل عقيدة تعني وجود الأمة السورية. حزب صراع هنا وفي كل مكان. كلما عرض القتال لنا في مكان صارعنا ولن يحوّلنا عن قصدنا، عن اجتماعنا، شغب أو فوضى أو كلام. إذا انبرى فرد مشاغب فينبغي أن ينفرد واحد منا. نحن نبحث عن القتال ولا يبحث القتال عنا.

فنحن نسير ولا يصدنا عن طريق سيرنا حادث عظيماً كان أو صغيراً، وكما سرنا في الماضي إلى هذه الانتصارات التي لا يمكن إدراك حقيقتها إلا بعد مدة من تسجيل التاريخ، فإن الانتصارات المقبلة انتصارات أعظم بكثير من الانتصارات التي بلغناها اليوم. انتصرنا على الإتكالية وانتصرنا على الغايات الخارجية والغايات الخصوصية. ننادي كل فرد يريد أن يكون حراً أن ينضم إلى صفوف الحرية… صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي.

انتصرنا على الاتكالية وأساليب الاستعمار الأجنبي. قلت في كلام ألقيته في جزين الأسبوع الماضي ما عنيت بقولي يوم وصولي إلى الوطن إننا بهذا الاستقلال لم نخرج من السجن الأجنبي بالمرة من “القواويش” إلى ساحة السجن. إنه لم يتركنا بالمرة بل ابتعد عنا ابتعاد الهرة عن الفأرة حين تريد أن تلعب بها، وما دامت الفأرة أمام نظر الهرة فهي في قبضة يدها. إذا انسحب الأجنبي ورسا في قبرص أو كان في عمّان فنحن لا نزال في قبضته. لا تخدعنا الظواهر التي أقامها الأجنبي في هذه البلاد. نحن حزب وعي لا حزب منافع حقيرة تجرّ هذا الشعب إلى الهاوية. هذا هو انتصارنا الروحي وغداً انتصارنا المادي الذي لا مفر منه.

صدى الشمال ـ صوت الجيل الجديد، 

بيروت، العدد 7، 8/7/1958

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى