ملحق رقم 7كلمة للزعيم في حلب

أحسب أنّ الثورة الفكرية السورية ابتدأت بابتداء حملة عبد الرحمن الكواكبي، وأنّ كل من اطلع على طبائع الاستبداد قرأ ولا شك عبارة بهذا المعنى. دعونا ندبّر شؤوننا الدنيوية، ونترك الأديان تحكم في الآخرة فقط. وأحسبه قال أيضاً ما معناه، يجب أن نقرّ الواقع الاجتماعي، وأن لا ننظر إلا إلى الواقع الاجتماعي، ومن العار أن ننتحل صفة النيابة عن الله على الأرض. وهكذا إلى آخر ما أراد أن يعنيه الكواكبي. وكان يصر، رحمه الله على “أن نترك عمل الله لله، ولا نتداخل فيه” إذ إنّ لنا كياناً أرضياً يجب أن ننشئه. وإنّ لنا كياناً سورياً، ويجب أن نعترف بعجزنا عن إمكان الاهتمام بشؤون العالم قاطبة، لأننا نفتقر بعد إلى الوسائل المادية. كل ما علينا الآن هو أن نحدد لأمورنا النطاق، لكي نعمل، ولكي نعطي نتيجة، علينا أن نركز أمورنا على قواعد اجتماعية. أعود فأقول، أتركوا الحزبيات الدينية جانباً، وإننا في هذه البلاد كلنا مسلمون. وكل من اسلم لله فهو مسلم. كما أنه ليس هنالك في القوم الواحد خلاف على المسائل الجوهرية. إذ إنّ الأخطار التي تهدد الكيان السوري عديدة، فبالحزبيات الدينية وتناحرنا بالحزبيات العشائرية لا نستطيع دفع الخطر اليهودي. وبهذه العقلية لا نستطيع أن نواجه الصعوبات العالمية، كما أنّ تفسخنا الداخلي مخيف. نظرة إلى الوطن والبيئة. أدرسوا سورية الطبيعية بلادنا. فبمزاياها الزراعية، وبما فيها من كنوز صناعية باستطاعتها ـ باستطاعة هذه الأرض المعروفة الحدود ـ أن تحوي على أقلّ تقدير من 70 إلى 80 مليون… بكل سرور.

فالبلاد السورية لطبيعة شعبها تكوِّن قوة في هذا القطاع من شرق البحر الأبيض إلا أنّ ضعفها الحالي ناشىء عن انقسام أهلها على بعضهم، غداً، ستكون نهضتنا، وستكون سورية أكبر قوة من هذا القطاع الواسع.

نهضتنا ستجعلنا سنداً للعالم العربي، كما أنه يجب أن لا نتفاءل كثيراً. خذوا رأي إخواننا المصريين في المسألة السورية، تجدونهم يعربون في شتى صحفهم، دعوا لبنان لوحده. دعوا سورية لوحدها، وتعالوا إلى وحدة عربية.

يا ترى هل تتنازلون عن وحدة وادي النيل، لكي نتنازل نحن السوريين عن فكرة الوحدة السورية؟ ألا فليسمع كل من هو ليس بسوري أنّ وحدة البلاد السورية دين أرض للسوريين. وأحسبني لن أتناول رأي الغير الان في أهدافنا وعليّ أن أوجه انتباه المسؤولين في الحزب إلى الأسس الآتية:

ليكن كل منا مسؤولاً، ولن نستطيع أن نكون مسؤولين إلا إذا قبضنا على أعنّة أمورنا، وبهذا نكون مسؤولين. ونحن الحزب الوحيد الذي يصهر جميع الطوائف، وبهذا أيضاً يكون كل فرد يعيش على أرض سورية مسؤولاً عن سورية. كما أنه نحن أقوى كتلة قومية في الوطن السوري القومي، وأنّ مفاهيم القومية بعد في طريقها إلى التبلور في الأذهان، وأنها بحاجة إلى اختمار وكفاح في سبيل انتصار الفكرة القومية.

يقول الضعفاء نحن نخاف العودة إلى سيطرة دينية، وإنني أقول بزوال هذه النظرة، نعود إلى الاجتماع والقومية.

إلا أنّ عوامل ربع قرن من الاحتلال ـ الاحتلال الفرنسي ـ كون حالة ذهنية غريبة، قد كوَّنت في الأذهان شبه ضغط نفساني خفي يجب أن يزول أمام تيار القومية الصحيحة التي لا تهدف إلا إلى الاتحاد. اتحاد شعب واحد منذ الأزل. الشعب السوري العريق. وهكذا بسبيل مدرسة قومية، لها قوادها، فإذا أردناها قومية، يجب أن يكون لها ممارسة قومية اجتماعية، وانظروا إلى أي مصير رائع نهدف أيها السوريون، إنّ لنا مصيراً واحداً.

يجب أن نعترف أنّ الحزبيات الدينية كوسيلة سياسية في هذه البلاد ليس لها أساس قومي قط، كما أنه لا يكفي أن تقول للمسيحي، أو إلى أي فرد ينتسب إلى منظمة دينية أخرى، إنك مواطن، يجب أن يشعر كل فرد على هذه الأرض بكرامة متساوية مع غيره من المواطنية المنتسبة إلى بقية الأديان، سنصل إلى أغلاط كثيرة إذا قلنا إنّ الأجنبي قد بدّل كثيراً من قوميتنا، لا، فالقومية موجودة بوجود الأرض. “فالمسألة مسألة بلاد..” كما أنه لا يمكن أن تقوم قضية صحيحة على نفاق. وباستطاعتنا أن نحلّ مشاكلنا الدينية بالإيمان في كلمة الكواكبي والعمل بها. كلكم سمع بالقول “إنما الأعمال بالنيات” أما أنا فأقول “إنما النيات بالأعمال” شرط النية أن تترجم إلى أفعال محسوسة. وإنّ كل مجتمع يؤسس على الرياء والغش، مصيره إلى الرياء والغش. قد يتساءل البعض: “واللغة” ما دورها؟ اللغة ليس لها علاقة بالقومية، اللغة أداة تعبير عن الفكر، فتعبّر عن فكرتك بأية وسيلة شئت.

بلى إننا بحاجة إلى قواعد تعليمية، وهكذا فاللغة ليس لها من شأن عميق في الأصول القومية. إنها تدعم العقل فحسب. أما القومية فأرض، أرض واحدة، وشعب واحد. لقد اعتدت أن أكون صريحاً في كل المواقف، وفي كل النواحي، حتى إذا سألني أحدهم ما هي نظرتي الدينية فأقول “كوّنتها من نفسي، وأنا في عقيدتي، اجتماعي، ولست بمسيحي أو محمدي”.

ـ ما هي ملّتك؟

ـ سوري قومي أجاب.

ونحن اليوم نروم قواعد أساسية، ولا نريد أموراً فردية. أنظروا إلى التشريع المدني، تراه متضارباً مع التشريع الديني، فالمسلم تراه لا يحتكم إلا إلى شريعته، وهنا ترانا قد تفرقنا إلى دول صغيرة تقوم في دولة صغيرة.

نحن أمم طوائف، متحاربة، متنافرة. شرذمة صغيرة كاليهود، باستطاعتها أن تسيطر علينا. أيها المواطن إنني أنظر إليك كمواطن، فالأساس النفسي القومي يجب أن يبنى بناءً جديداً، وكل تسوية خارجية لا تحلّ أمورنا.

[1] كما دوّنها فاتح المدرس.

ملحق رقم 7 كلمة للزعيم في حلب

  • font size 

 فكر، بيروت، العدد 33 ـ 34، ت 1 ـ ك 1 1979

أحسب أنّ الثورة الفكرية السورية ابتدأت بابتداء حملة عبد الرحمن الكواكبي، وأنّ كل من اطلع على طبائع الاستبداد قرأ ولا شك عبارة بهذا المعنى. دعونا ندبّر شؤوننا الدنيوية، ونترك الأديان تحكم في الآخرة فقط. وأحسبه قال أيضاً ما معناه، يجب أن نقرّ الواقع الاجتماعي، وأن لا ننظر إلا إلى الواقع الاجتماعي، ومن العار أن ننتحل صفة النيابة عن الله على الأرض. وهكذا إلى آخر ما أراد أن يعنيه الكواكبي. وكان يصر، رحمه الله على “أن نترك عمل الله لله، ولا نتداخل فيه” إذ إنّ لنا كياناً أرضياً يجب أن ننشئه. وإنّ لنا كياناً سورياً، ويجب أن نعترف بعجزنا عن إمكان الاهتمام بشؤون العالم قاطبة، لأننا نفتقر بعد إلى الوسائل المادية. كل ما علينا الآن هو أن نحدد لأمورنا النطاق، لكي نعمل، ولكي نعطي نتيجة، علينا أن نركز أمورنا على قواعد اجتماعية. أعود فأقول، أتركوا الحزبيات الدينية جانباً، وإننا في هذه البلاد كلنا مسلمون. وكل من اسلم لله فهو مسلم. كما أنه ليس هنالك في القوم الواحد خلاف على المسائل الجوهرية. إذ إنّ الأخطار التي تهدد الكيان السوري عديدة، فبالحزبيات الدينية وتناحرنا بالحزبيات العشائرية لا نستطيع دفع الخطر اليهودي. وبهذه العقلية لا نستطيع أن نواجه الصعوبات العالمية، كما أنّ تفسخنا الداخلي مخيف. نظرة إلى الوطن والبيئة. أدرسوا سورية الطبيعية بلادنا. فبمزاياها الزراعية، وبما فيها من كنوز صناعية باستطاعتها ـ باستطاعة هذه الأرض المعروفة الحدود ـ أن تحوي على أقلّ تقدير من 70 إلى 80 مليون… بكل سرور.

فالبلاد السورية لطبيعة شعبها تكوِّن قوة في هذا القطاع من شرق البحر الأبيض إلا أنّ ضعفها الحالي ناشىء عن انقسام أهلها على بعضهم، غداً، ستكون نهضتنا، وستكون سورية أكبر قوة من هذا القطاع الواسع.

نهضتنا ستجعلنا سنداً للعالم العربي، كما أنه يجب أن لا نتفاءل كثيراً. خذوا رأي إخواننا المصريين في المسألة السورية، تجدونهم يعربون في شتى صحفهم، دعوا لبنان لوحده. دعوا سورية لوحدها، وتعالوا إلى وحدة عربية.

يا ترى هل تتنازلون عن وحدة وادي النيل، لكي نتنازل نحن السوريين عن فكرة الوحدة السورية؟ ألا فليسمع كل من هو ليس بسوري أنّ وحدة البلاد السورية دين أرض للسوريين. وأحسبني لن أتناول رأي الغير الان في أهدافنا وعليّ أن أوجه انتباه المسؤولين في الحزب إلى الأسس الآتية:

ليكن كل منا مسؤولاً، ولن نستطيع أن نكون مسؤولين إلا إذا قبضنا على أعنّة أمورنا، وبهذا نكون مسؤولين. ونحن الحزب الوحيد الذي يصهر جميع الطوائف، وبهذا أيضاً يكون كل فرد يعيش على أرض سورية مسؤولاً عن سورية. كما أنه نحن أقوى كتلة قومية في الوطن السوري القومي، وأنّ مفاهيم القومية بعد في طريقها إلى التبلور في الأذهان، وأنها بحاجة إلى اختمار وكفاح في سبيل انتصار الفكرة القومية.

يقول الضعفاء نحن نخاف العودة إلى سيطرة دينية، وإنني أقول بزوال هذه النظرة، نعود إلى الاجتماع والقومية.

إلا أنّ عوامل ربع قرن من الاحتلال ـ الاحتلال الفرنسي ـ كون حالة ذهنية غريبة، قد كوَّنت في الأذهان شبه ضغط نفساني خفي يجب أن يزول أمام تيار القومية الصحيحة التي لا تهدف إلا إلى الاتحاد. اتحاد شعب واحد منذ الأزل. الشعب السوري العريق. وهكذا بسبيل مدرسة قومية، لها قوادها، فإذا أردناها قومية، يجب أن يكون لها ممارسة قومية اجتماعية، وانظروا إلى أي مصير رائع نهدف أيها السوريون، إنّ لنا مصيراً واحداً.

يجب أن نعترف أنّ الحزبيات الدينية كوسيلة سياسية في هذه البلاد ليس لها أساس قومي قط، كما أنه لا يكفي أن تقول للمسيحي، أو إلى أي فرد ينتسب إلى منظمة دينية أخرى، إنك مواطن، يجب أن يشعر كل فرد على هذه الأرض بكرامة متساوية مع غيره من المواطنية المنتسبة إلى بقية الأديان، سنصل إلى أغلاط كثيرة إذا قلنا إنّ الأجنبي قد بدّل كثيراً من قوميتنا، لا، فالقومية موجودة بوجود الأرض. “فالمسألة مسألة بلاد..” كما أنه لا يمكن أن تقوم قضية صحيحة على نفاق. وباستطاعتنا أن نحلّ مشاكلنا الدينية بالإيمان في كلمة الكواكبي والعمل بها. كلكم سمع بالقول “إنما الأعمال بالنيات” أما أنا فأقول “إنما النيات بالأعمال” شرط النية أن تترجم إلى أفعال محسوسة. وإنّ كل مجتمع يؤسس على الرياء والغش، مصيره إلى الرياء والغش. قد يتساءل البعض: “واللغة” ما دورها؟ اللغة ليس لها علاقة بالقومية، اللغة أداة تعبير عن الفكر، فتعبّر عن فكرتك بأية وسيلة شئت.

بلى إننا بحاجة إلى قواعد تعليمية، وهكذا فاللغة ليس لها من شأن عميق في الأصول القومية. إنها تدعم العقل فحسب. أما القومية فأرض، أرض واحدة، وشعب واحد. لقد اعتدت أن أكون صريحاً في كل المواقف، وفي كل النواحي، حتى إذا سألني أحدهم ما هي نظرتي الدينية فأقول “كوّنتها من نفسي، وأنا في عقيدتي، اجتماعي، ولست بمسيحي أو محمدي”.

ـ ما هي ملّتك؟

ـ سوري قومي أجاب.

ونحن اليوم نروم قواعد أساسية، ولا نريد أموراً فردية. أنظروا إلى التشريع المدني، تراه متضارباً مع التشريع الديني، فالمسلم تراه لا يحتكم إلا إلى شريعته، وهنا ترانا قد تفرقنا إلى دول صغيرة تقوم في دولة صغيرة.

نحن أمم طوائف، متحاربة، متنافرة. شرذمة صغيرة كاليهود، باستطاعتها أن تسيطر علينا. أيها المواطن إنني أنظر إليك كمواطن، فالأساس النفسي القومي يجب أن يبنى بناءً جديداً، وكل تسوية خارجية لا تحلّ أمورنا.

[1] كما دوّنها فاتح المدرس.

 فكر، بيروت، العدد 33 ـ 34، ت 1 ـ ك 1 1979

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى