نظرات في «المساواة» – 4

«الزواج عقد اجتماعي يأتي فيه الشريكان برأس مال حسي ومعنوي: المال والكفاءة الشخصية. فالمال يجعل المرأة مثيلة الرجل، والكفاءة الشخصية تؤهلها لأن تكون زوجة معتبرة وأماً محبوبة، تزعمون، أنتم النظريين المتطرفين، أنّ صفاتها تكفي لإسعاد رجل نشيط يتّكل على جده واجتهاد. ألا فادخلوا هيكل أسرار العائلة، وقفوا على ما هناك من نكد وويلات أصلها فقر عائلة المرأة. لا أنكر أنّ الكفاءة الشخصية تفوق المال أهمية، وأنّ المال لا يدوم إلا حيث تكون الكفاءة. ولكن أواثقون أنتم من أنّ كل امرأة تنصف زوجها ولا تختلس نتاج جهوده أو بعضه؟ أبيّ النفس يخاف أن تستعبده المرأة الغنية، فهل هو للفقيرة أقل استعباداً؟ وعلى كل فعبيد اليوم كعبيد الأمس ليس أمامهم للتحرير من سبيل غير ذينك السببين القديمين: المال والكفاءة الشخصية».

ما تؤاخذ عليه مؤلفة «المساواة»، غير ما تقدم، هو هذه النظرية المتطرفة. فإن مثل هذا الكلام كان يصح في الأعصر الماضية والأزمنة المتطاولة في القدم حين كان الإنسان عبداً للهمجية، لأنه في تلك الأيام فقط كان للمرأة عبودية. أما الآن وقد ارتفعت المرأة عن تلك المنزلة القديمة المنحطة، فالعبودية التي تتكلم عنها صاحبة الكتاب الذي أنا بصدده الآن عبودية وهمية لا وجود لها في العالم المتمدن، إلا في عوالم الرؤيا وفضاء الخيال حيث تبدو التصورات الوهمية بصورة الحقائق الراهنة. وإننا إذا أردنا أن نقيس العبودية على حالة المرأة اليوم التي تعدّها «مي» أحد خيوط العبودية الكبرى، لما أمكن لعقلنا البشري القاصر أن يدرك حدود العبودية، ولبتنا نخشى العبودية حتى من الهواء النقي.

والغريب الأغرب قولها إنّ الرجل اعتاد استعباد المرأة، ليس بالجور والضغط والتعذيب بل باللطف والتحبب والتدليل. وإنّ تغنّي الشعراء بجمال المرأة ليس إلا من هذا القبيل، وإنّ في ذلك تحقيراً لجميع قوى المرأة حتى الأنثوية نفسها. فهي تعتقد أنّ مجرد صفة الأنثوية في المرأة، مع ما لها من المدارك العقلية، كافية لأن تؤهلها لتكون زوجة. فإذا أصبح ذلك، وهو ما لا يمكن أن يكون، لم يعد هنالك من حاجة إلى الزواج، لأنه يكون إذ ذاك مخالفاً لما نعلمه من أنّ الزواج يقوم بانتقاء كل من الرجل والمرأة من يحسن في عينيه من جمال وظرف وأدب كل بحسب ذوقه ــــ قلت إنّ ذلك لا يمكن أن يكون، لأنه إذا بطل الانتقاء لم يعد الرجل في حاجة إلى زوجة يحتفظ بها لأنه مَنْ مِن الرجال يريد أن يتزوج امرأة شنيعة الخلقة أو غير جميلة في عينيه لمجرد الأنثوية؟ ورب قائل يقول إنّ من الرجال من يتزوج زنجية، ولكن هل هذا القائل واثق من أنه تزوجها لا لحسن رغب فيه بل لمجرد الأنثوية؟ أما الزواج الذي أشارت إليه صاحبة «المساواة»، فهو لا يتم إلا على الصورة الحيوانية، أو على صورة شاذة يقف فيها الزوج أمام الزوج موقف الخصم تجاه الخصم، أو موقف من لا يهم الواحد منهما أمر الآخر، أو أنه لا عاطفة حبية تربط قلبيهما.

أما القول إنّ الرجال يشترون نساءهم بالمال والحلي والتملق، وإنّ سكوت النساء عن ذلك يعني الرضى بالعبودية، فخطأ فاضح لأن الحلي والمال والجواهر ليست إلا وسيلة ذوي اليسار للتعبير عن حبهم لحبيباتهم. أما أنه يوجد بين الرجال من يغري الفتيات بهذه الوسائل، فهل يصح أن يتخذ مثل هؤلاء الأقوام الذين يشوهون محاسن الهيئة الاجتماعية قياساً عاماً للبشر؟
لا يقوم الزواج إلا على الحب. ولا يقوم الحب إلا على الجمال. فإذا انتفى الجمال انتفى الحب، ومتى حصل ذلك لم يعد هنالك من سبيل إلى الزواج. فالقول إنّ الزواج لأجل الجمال تحقير لجميع قوى المرأة لا يفيد إلا وجوب الرجوع عنه للأسباب التي ذكرتها آنفاً.

الزواج على الطريقة الحاضرة ليس إلا نيراً يوضع في عنق المرأة، في نظر «مي»، ذلك لأنها تزعم أنّ المرأة لا تكون مثيلة الرجل إلا إذا كان لها مثل ما له كما جاء في الفقرة المثبتة في صدر هذا المقال.


أنطون سعاده

الجريدة، سان باولو 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى