نهضة سورية وسط الجوع والنار


عندما وقف سعاده في أول يونيو/حزيران سنة 1935 وأعلن أنّ الحركة السورية القومية ستغيّر وجه التاريخ، ظن الكثيرون أنّ كلامه ليس سوى قول خطابي. وعندما عاد فحذْر الفرنسيين والبريطانيين والدول الكبرى من الوقوع في غلط جديد بعدم تقدير النهضة السورية القومية، قال فاقدو الثقة بأمتهم والمستهزئون: الزعيم «يتبهور». ولكن الأيام كانت كفيلة بتبيان صحة هذين القولين، كما يظهر من الحوادث الجارية في الوطن اليوم.

وعندما نشبت الحرب الحاضرة التي تنبأ سعاده بقرب وقوعها نبّه الزعيم الشعب إلى وجوب مواجهة المستقبل بثقة، لأن سورية الحركة القومية ليست كسورية اللاقومية. فمبادىء الحزب السوري القومي قد تغلغلت في الشعب السوري وأوجدت القضية السورية على أساس جديد متين، وأوضحت الأهداف الحقيقية التي يجب على الأمة السورية أن تتجه إليها بكليتها.

الآن نرى بكل جلاء النتيجة الأولية للحركة السورية القومية. فسورية قد تغيّرت تغيّراً جوهرياً، ونفضت من نفسها بقايا اعتقادات غريبة سامة، تولدت من التعاليم الفاسدة القائلة إنّ سورية غير جديرة بالنهوض ولا أمل لها بأبنائها.
إنّ الوقت القصير، نسبياً، الذي مرّ على نشوء النهضة السورية القومية التي أيقظت النفسية السورية من سباتها العميق، لم يكن كافياً للانتصار النهائي على مؤسسات العهد البالي وتهيئة الأمة السورية مادياً وعملياً أيضاً لمواجهة الأحداث الأنترناسيونية المقبلة. ولكن إذا كانت النهضة السورية القومية لمّا تصل إلى هذه الدرجة من كمال الاستعدادات، بسبب المقاومة الداخلية التي قام بها الرجعيون والنفعيون ومحترفو السياسة ورجال الشركات السياسية، فهي قد هيأت النفس السورية بإيجاد الوجدان القومي العام وبتحويل الشبيبة السورية من قوة استمرارية لعهد قديم إلى قوة دافعة لعهد جديد. وفي هذا العمل العظيم ساوت الحركة السورية القومية بين الذين انضموا إلى الحزب السوري القومي فعلياً، وبين الذين لم ينضموا، فالأفكار السورية القومية أصبحت اليوم قائدة للأجيال السورية الجديدة كلها، بدون استثناء حتى الذين يتحزبون ضد الحزب السوري القومي.

إذا كنا اليوم نرى الشبيبة تتقدم إلى الأمام لتشق طريق الحياة للأمة السورية فالشهامة والعدل يقضيان بتسجيل هذا الانتصار الباهر للحركة السورية القومية.
إنّ الأخبار الأخيرة الواردة من الوطن ترى لسورية وجهاً غير الوجه الذي كان لها في الحرب الماضية. فالجيل السوري الجديد الذي اتقدت نفسه بنار المبادىء السورية القومية نهض في الجامعات والمدارس كفرد واحد لدفع النكبة عن الشعب ورفع الحيف عن الأمة.

وتقول الأخبار إنّ أسباب الهياج عائدة إلى قلة المواد الغذائية. والحقيقة أنّ هذه الحركة الواسعة التي شملت لبنان والشام معاً تتناول أهدافاً أسمى بكثير من الحصول على لقمة خبز لسد رمق. إنها تتناول إعادة حق الأمة إليها.
كانت الأخبار في الأسبوعين الأخيرين كثيرة. ولكن الخبر الأخير الذي نشرته جريدة «لا ناسيون» في عددها الصادر في 27 مارس/آذار في برقية عن فيشي بتاريخ 26 مارس/آذار الماضي يلخص الموقف كما ترويه الأخبار الأجنبية وهذا نصه:

«أُعلن أنه سقط، بسبب الاضطرابات التي حدثت في دمشق وحلب، اثنا عشر قتيلاً. وتقول الأخبار الواردة من بيروت إنّ الجنرال هنري دنتز قائد القوات الفرنسية في الشرق الأدنى قد أعلن الأحكام العرفية في عدة مدن.
«وقد أذاع مكتب أخبار حكومة فيشي أنّ رسالة وردت من بيروت تقول إنّ الثائرين هاجموا أمس الشرطة، الأمر الذي أوجب إصدار أوامر إلى الجيش بالخروج إلى المدينة لإعادة النظام فسقط من جراء ذلك خمسة ضحايا.
«وقد أُذيع في الوقت عينه أنّ الجنرال دنتز قطع المحادثات التي كانت جارية بينه وبين الوطنيين (الذين يسمون غلطاً نسيونليست) وأنه يُعدّ الآن حكومة من أبناء البلاد المحايدين.

«قبل إعلان هذه الأخبار كان يقال إنّ الجنرال دنتز موجود حالاً في باريس. ولكن الموظفين أوضحوا أنّ هذا الخبر هو نتيجة غلط، إذ إنّ الحالة في الشرق الأدنى بالغة من الدقة درجة لا تسمح للجنرال بمغادرة مركزه في الوقت الحاضر.

«ويقال إنّ الاضطرابات حدثت في سورية بسبب قلة المواد الغذائية وبسبب الحملة القومية(التي أشارت إليها «الزوبعة» في حينها وأوقف بسببها عدد جديد من رجال الحزب السوري القومي). ومع ذلك فإن بعض المصادر تقول إنّ عمالاً أجانب حرَّضوا عليها. وأول ما ذرّ قرن التمرد كان في 28 فبراير/شباط الماضي في أحياء وليدي البلاد (في دمشق وحلب أحياء خاصة بالأجانب بفضل التفرقة والتعصب الديني) في دمشق وحلب التي جرى إقفالها فحصل شيء من الهدوء. وعلى الأثر قابل الجنرال دنتز عدداً من الوطنيين المشتغلين بالسياسة. ولكن الهياج عاد في 19 مارس/آذار الجاري وتقول الأخبار التي وردت إلى فيشي إنّ القوات الفرنسية اضطرت لإعادة النظام.

«ونظراً للاضطرابات المجددة التي حدثت أمس أمر الجنرال دنتز بإقفال القهاوي عند الساعة 22. وأحد الأخبار التي وصلت إلى هذه المدينة يقول إنّ السلطة الفرنسية قد عزلت دمشق عن باقي البلاد بقصد منع امتداد الهياج وإنّ الحاميات الفرنسية محافظة على استعدادها للتدخل في حالة حدوث اضطرابات جديدة».
هذه هي البرقية التي أرسلتها من فيشي شركة «أسوشياتد برس». وهي تثبت جميع التقديرات السابقة التي أعلنّاها تكراراً.

بهذه المناسبة نعيد نداءنا السابق إلى السوريين المهاجرين ليتركوا شعوذة المشعوذين ويتجهوا نحو النهضة السورية ويؤازروا المجاهدين الحقيقيين في الوطن. ونحذر الرأي العام من الوقوع في حبائل المستغلين الذين سيجدون في الحوادث الجديدة في الوطن وسيلة جديدة للتدجيل.

بفضل الحركة السورية القومية التي أيقظت الشعب السوري كله وحركت جماعاتها نافضة عنها غبار الخمول قد تغيّر وجه سورية.

فلتكن مباركة هذه الحركة القومية التي جمعت لأول مرة بين الساحل والداخل والسهل والجبل، التي وحدت المسلم والمسيحي والدرزي في دين القومية السورية، وفسحت المجال للشباب الحي وأنقذته من معتقدات الأجيال المنحطة.


الزوبعة، بوينس آيرس،
العدد 17، 1/4/1941

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى