أنطون سعاده… زعيمٌ تخطّى الزّمن
يشكّل مصطلح “الزّعيم” في يومنا هذا صورةً سلبيّة في ذهن الرّأي العامّ، فهو الحاكم المستبدّ الّذي لا يمثّل سوى نفسه ويستغلّ أتباعه.
أمّا لغويّاً “الزّعيم” يعني الكفيل والضّامن، وهذا المعنى قد جسّده سعاده خلال مسيرته وحتى الشّهادة، حيث أقسَم على بذل الذّات واقفاً نفسه على أمّته ووطنه، وترجم قسَمَه باستشهاده في الثّامن من تمّوز، ليستحقّ رتبة “الزّعامة” فعلاً.
إنّ لهذه الرّتبة صفةً دستوريّةً، وقد أكّد سعاده ذلك عندما أقسم قَسَم الزّعامة الّذي لم يكن مرتجلاً في الأوّل من آذار سنة 1935 حين زاره بعض الرّفقاء للاحتفال بعيد مولده، فحوّل هذه الذّكرى إلى مناسبةٍ قوميّةٍ إيماناً منه أنّ “الأشخاص يجيئون ويذهبون ويتبدّلون، ولكن العقيدة هي الأساس الرّاسخ الثّابت على الأيّام والسّنين والعقود والأجيال”.
كما جعَل سعاده من سلطة الزّعامة مؤسّسةً دستوريّةً يحكمها النّظام بقسمٍ له بنودٌ دستوريّةٌ، فوحّد بين المعلّم والتّعاليم ليقول إنّ “أنطون سعاده لا يعني فقط أنطون سعاده، بل يعني مبادىء نهوض هذه الأمّة وتبوّءها مقام العزّ والشّرف”.
وجاء في نصّ القسم: “أنا أنطون سعاده أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أقف نفسي على أمّتي السّوريّة ووطني سورية، عاملاً لحياتهما ورقيّهما، وعلى أن أكون أميناً للمبادئ الّتي وضعتها وأصبحت تكوّن قضيّة الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ، ولغاية الحزب وأهدافه، وأن أتولّى زعامة الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ وأستعمل سلطة الزّعامة وقوّتها وصلاحيّاتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيّته، وأن لا أستعمل سلطة الزّعامة إلّا من أجل القضيّة القوميّة الاجتماعيّة ومصلحة الأمّة، على كلّ هذا أقسم أنا أنطون سعاده”.
على الرّغم من حيازته على السّلطتين التّشريعيّة والتّنفيذيّة في بداية تأسيسه للحزب، لم يستبدّ أو يستفرد بها، ويمكن لكلّ باحث قراءة الرّسائل الّتي أرسلها لمناقشة أمور عدّة (تنظيميّة، إداريّة، ودستوريّة) مع المسؤولين والرّفقاء حيث حرص سعاده على عدم تحويل الحزب إلى ميدان تتبارى فيه المنافع والنّزعات الفرديّة محذّراً من النّزعة الفرديّة التي اعتبرها أخطر مرض يصيب المجتمعات.
لهذه الأسباب وغيرها استحقّ سعاده رتبة “الزّعامة”:
الشّارع صاحب الدّعوة
واضع دستور الحزب والمؤسّسات
المصلح الاجتماعيّ الخبير
المستشرف خطر الاستعمار والمخطّط اليهوديّ
المنتفض على الخطط التّقسيميّة الّتي حيكت لأمّتنا
الرّافض مساومة الاستعمار والأنظمة الفاسدة
المعلّم الفادي الشّهيد الّذي ختم رسالته بدمه
هذا التّوظيف الصّحيح للسّلطة، قولاً وفعلاً زاد إيمان القوميّين الاجتماعيّين به ليكرّسوه زعيماً ومعلّماً وقائداً لكلّ المراحل، فأصبح زعيماً يتخطى الزّمن… لأجيالٍ لم تولد بعد.