إعتقالات جديدة في شمال سورية بحجة الدعاوة للمحور
في شهر مارس/أذار الماضي حملت البرقيات نص بلاغ أذاعه مفوضو السلطة الاحتلالية، وفيه دلائل على تحرّج الحالة الداخلية في لبنان والشام، وعدم وجود استقرار سياسي في البلاد.
وقد نشرنا في العدد قبل الماضي خبر اعتقال رجال التحري، في بيروت عدداً من الأشخاص، ووجود مشادة جديدة بين الحزب السوري القومي والسلطة الاحتلالية بسبب عدم برّ هذه السلطة بوعدها الذي أعلنته بمناسبة الهجوم على شمال سورية بترك الحرية للشعب في لبنان والشام لاختيار الاتحاد أو الانفصال وشكل الحكم، وقبول المفاوضة مع الممثلين الذين ينتبخهم الشعب.
وإننا ننشر فيما يلي نص بلاغ السلطة الاحتلالية المذكور آنفاً الذي أذيع في 4 مارس/أذار الماضي:
نص البلاغ:
«نحن نجتاز الآن مرحلة حرب. والحلفاء الذين جاؤوا إلى هذه البلاد لمنع دول المحور من القدوم إليها أخذوا على عاتقهم تأمين سلامة البلاد الخارجية، ومن واجبهم أيضاً تأمين السلامة الداخلية بالتعاون مع الحكومة.
ولا يمكن لأي اعتبار شخصي أو لأية منفعة شخصية أن تقف حائلاً دون تحقيق هذه المهمة.
«وبالرغم من القرارات المتعلقة بحفظ الأمن فقد قامت أخيراً حملة مستندة إلى إشاعات كاذبة غايتها زرع الشك في النفوس في قوة الحلفاء والخوف من المستقبل، وقد عقدت اجتماعات عمد المحرضون بعدها إلى خلق جو اضطراب باستغلال قضية الإعاشة استغلالاً ممزوجاً بكل ما هنالك من سوء النية.
ولكن الجماهير لا تعلق بهذه الشرك وهي تعلم بأن الحلفاء أرادوا أن تكون الدول العربية وعلى الخصوص سورية (الشام) في عداد الدول الأكثر رعاية.
«وهذه الدول لم تتعرض للمجاعة ولا لحرمان صحيح بينا الشعوب المحاربة تخضع لتقنين صارم وبينا الشعوب الخاضعة لسلطة المحور تجوع وتتعذب.
«ولقد تلقت السلطات المختصة معلومات موثوقاً بها بأن الذين ينشرون الدعايات الفارغة جرّبوا أيضاً خدع الرأي العام عاملين بإيحاء برلين وروما فليتحملوا عواقب موقفهم هذا.
«وهناك بعض أشخاص سياسيين، على أثر قيامهم برحلات إلى الخارج أو على أثر اتصالات تظاهرية بالسلطات الحليفة، أخذوا يوعزون بأنهم يستطيعون الاتكال على تأييد إحدى هذه السلطات.
«فالسلطات البريطانية والفرنسية تعلن أنّ مثل هذه المزاعم يجب أن لا يصدقها أحد، فالاتفاق تام بين هذه السلطات ولا يمكن لأية مناورة، أو لأية حملة أن تؤثّر على اتفاق تمهره ميادين القتال التي ستصل ببلادهم في النتيجة إلى النصر النهائي، وكل من يحاول التعرض لإحدى السلطات الحليفة يجد السلطات الثانية في طريقه.
«إنّ المستندات الخطيرة التي حصلت عليها كل من السلطات الحليفة ضد بعض الشخصيات أهابت بدائرة الأمن الفرنسية وبدائرة الأمن البريطانية إلى إجراء بعض اعتقالات في ليل 28 فبراير/شباط ــــ أول مارس/أذار، وهؤلاء المعتقلون سيوضعون في المعتقل طول مدة الحرب، وفي إمكان سواهم أن يلحقوا بهم إذا لم يتوقفوا عن بث الدعاية للمحور».
يظهر من هذا البلاغ أنّ الحالة في الوطن بلغت حداً حرجاً اقتضى تدخّل المحتلين مباشرة. ويدل على مبلغ الخطورة قول البلاغ إنه حدثت «حملة» وإنه «عقدت اجتماعات عمد المحرضون بعدها إلى خلق جو اضطراب».
فوجود حملة ضد الحالة الحاضرة وعقد اجتماعات على الرغم من «القرارات المتعلقة بحفظ الأمن» هو أمر في غاية الخطورة ويستنتج منه أنّ الحالة حرجة.
ونلاحظ في هذا البلاغ عودة إلى النغمة القديمة التي عزفت في جميع الاعتقالات التي تعرّض لها الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهي نغمة «المستندات الخطيرة» التي وقعت في يد السلطة، وإجراء بعض الاعتقالات في ليل 28 فبراير/شباط ــــ أول مارس/أذار يحملنا على الترجيح أنّ الذين تعرضوا لهذه الاعتقالات هم عدد من رجال الحزب السوري القومي الاجتماعي الذين يجتمعون كل سنة للاحتفال بعيد مولد الزعيم ويقيمون معالم الزينة في البلاد.
فذكر أول مارس/أذار في هذا البلاغ هو خبر يرجّح أن يكون ذا مغزى كبير.
إنّ الاستقلال الذي يفرض على الشعب فرضاً عبودية يقبلها العبيد ويرفضها الأحرار.
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 49، 1/8/1942