إلى الغافلين أبناء “المغفّلين”
عميد التّنمية المحلّيّة والشّؤون الانتخابيّة والبلديّة الرّفيق مكرم غصوب
“تلبّدت السَّماء بالغيوم السّوداء، ضاق الأفق كثيراً، الأرض الكئيبة تختنق…” في البداية ظننته نصّاً وصفياً من نصوص الصّفوف الابتدائيّة، قبل أن أدرك أنّها صورة للانتهاء… كلّ الطّرق في عينيّ مسدودة، أنا الّذي أعتنق أصعب الطّرقات وأجملها، طريق الحياة والحقيقة وقال “الطّريق الّذي يوصل هو الطّريق الّذي لا ينتهي!”.
سألت العاصفة، لمَ لا تتركين لنا طريقاً للعبور، وقلت للعابر “يا أيّها العابر منك، يا أيّها العابر عليّ، يا كلّ عام وأنت لا تكبر وأنا لا أعبر… إليّ”. ظلّ صامتاً كأنّه لم يكن، أمّا العاصفة فضحكت وقالت لي: أيّها الغافل، إنّك تخاطب الوهم! كيف تريد عبور ما قسّمه أجدادك بمنطق الطّبيعة والوجود إلى 12 شهراً في شهره العاشر (ديسمبر)؟ أيّها الغافل، كيف تريد أن تبدأ من الموت لتنتهي فيه، في حين أنّ سنة أجدادك كانت تبدأ من الولادة لتنتهي بعثاً جديداً؟ أيّها المقلّد الأعمى، التابع لهؤلاء الّذين سرقوا حضارتك ومسخوها وشوّهوا فكر أجدادك ولقّبوهم بالـ “مغفلّين” لأنّهم أصروّا على أنّ الحياة هي ابنة بيئتهم، وعلى أنّهم أبناء الحياة… وها أنت تعيّد معهم بداية السّنة مع موت الطّبيعة وفي ولادة الربيع تهزأ معهم من أجدادك “المغفّلين” في أوّل نيسان!
عد والغافلين أبناء شعبك إلى وعي أجدادكم، إلى بعلهم القائل في دعوته لمحاربة الفوضى والجهل والمجاعة والموت “دع سيفك وتناول مِعولك واتبعني، لنَزرع الحُبّ والسّلام في كبد الأرض” قبل أن ينكركم ربيع أجدادكم ولا يجددكم، ويترككم عراة موتى…
نعم، ستموتون جوعاً في أرض الخيرات
في أرض القمح والعسل والماء
في أرض الثّروات الطّبيعيّة
والجبال الأبيّة والسّهول الخضراء
في أرض البيئة الغنيّة
بالتنوّع والتّجدّد والبهاء…
ستموتون جوعاً “لأنكم فقدتم الأرض في اقتتالكم على السّماء”.
ستموتون جوعاً لأنّكم أبطال الجهل والتّشتّت والتّفتّت والادّعاء.
ستموتون جوعاً لأنّكم العبيد، تشترون الحرّيّة المعلّبة مقابل الانتماء.
ستموتون جوعاً لأنّهم سرقوكم فانحنيتم، ثم باعوكم ما سرقوه فاشتريتم.
ستموتون جوعاً لأنّهم استهلكوكم فانتشيتم بالاستهلاك، ثم أهلكوكم في الذلً فارتضيتم الهلاك.
ستموتون جوعاً منازعين متنازعين بين غربٍ وشرقٍ وفي أرضكم كلّ الفرق… كلّ الخير وكلّ الجمال وكلّ الحق.
ستموتون جوعاً لأنّكم لم تزرعوا ولم تصنعوا ولم تنتجوا إلاّ “السّمسرات”.
ستموتون جوعاً لأنّكم كنتم الأصل وصرتم “التّقليد”، لأنّكم قتلتم التّجديد… فمات فيكم معنى الحياة
قبل أن تموتوا جوعاً…
ثمّ صمتت العاصفة قليلاً، وأكملت، بالمعاول افتحوا طريق ربيعكم المسدود، اقلبوا تراب الأرض ليتنفّس الشّهداء، ازرعوا بذوراً وأشجاراً…جدّدوا الحضارة. فتذَكَّرتُ أمّي حين قالت لي: “تحبّ العصافير، ازرع شجرة ولو في قلبك!”.
المزهريّة تابوت الزهور، لنعلّم أولادنا الزرع لا القتل كي لا تموت الفراشات في عيون أمّهاتنا… كي لا تموت الحياة في قلب أمّتنا. قلت هذا “في قلبي” والتفتّ إلى العاصفة، فرأيتها شمساً بعيدة… عدت إلى طريقي، وجدت الزهر قد بدأ ينبت فيه حين هجرته الأقدام، فأدركت أنّه كان الطّريق وصار الحديقة… قررت أن أسكنه وأزرعه كما فعل أجدادي علّني في الرّبيع القادم أتذكّر العاصفة وأقول لها: “أكيتو بريخو”.