الأوّلُ من آذار… عيدٌ للفرح القوميّ
رئيس النّدوة الثّقافيّة الأمين ادمون ملحم
أيّام معدودة ويبدأ القوميّون الاجتماعيّون في أرجاء الوطن السّوريّ وفي المغتربات بإحياء الاحتفالات في ذكرى ميلاد باني النّهضة السّوريّة القوميّة الاجتماعيّة، وواضع أسسها ومفاهيمها الجديدة والمؤسّس لقضيّة حياة الأمّة وتقدّمها والمشرّع لدولتها القوميّة ومؤسّساتها الصّالحة والمخطّط لانتصار هذه القضيّة ولبلوغ قمم العزّ والشّرف والكرامة.
والحقّ نقول أنّ هذه الاحتفالات الّتي يتجلّى فيها الفرح القوميّ بأجمل مظاهره لا تُعدُّ لشخص أنطون سعاده مجرّداً عن التّعاليم السوريّة القوميّة الاجتماعيّة، بل تعدُّ لشخصه من أجل تمثيله هذه التّعاليم ومن أجل كونه زعيماً للحركة السّوريّة القوميّة الاجتماعيّة وقائداً جريئاً مخلصاً نذَر حياته من أجل أمّته ووطنه السّوريّين، ولم يتردّد لحظة في الاستشهاد من أجل حياتهما ورقيّهما مجسِّداً قوله: “كلّ ما فينا هو من الأمّة وكلّ ما فينا هو للأمّة، الدّماء الّتي تجري في عروقنا عينها ليست ملكنا هي وديعة الأمّة فينا ومتى طلبتها وجدتها”.
إيماناً بهذه الحقيقة السّاطعة وتأكيداً عليها تُقام الاحتفالات القوميّة في ذكرى الأوّل من آذار، ويشترك فيها الألوف المؤلّفة من السّوريّين المؤمنين بالعقيدة القوميّة الاجتماعيّة. يجتمعون بفرحٍ واعتزازٍ ليثبتوا وحدة اتّجاههم الرّوحيّ والعمليّ وحقيقة اشتراكهم في الجهاد القوميّ في سبيل قضيّة كلّيّة أساسيّة تساوي وجودهم وتختصر إرادة الأمّة وآمالها في الحياة والنّهوض والتّقدّم نحو الأفضل والأجمل.
هذه الحقيقة، حقيقة التّوحيد بين الرّجل والمبدأ، بين المعلّم والتّعاليم، أكّد عليها سعاده ذاته مراراً وتكراراً كما في قوله: “أنطون سعاده لا يعني فقط أنطون سعاده، بل يعني مبادىء نهوض هذه الأمّة وتبوّءها مقام العزّ والشّرف”.
يوم كان الحزب سرّيّاً، عام 1935، جاء بعض الرّفقاء إلى الكوخ الّذي كان يقطنه سعاده في رأس بيروت لتهنئته بعيد ميلاده وتقديم باقة من الزّهر له عربوناً عن محبّتهم له وإيماناً به زعيماً منقذاً للأمّة ومرشداً لأجيالها. هذه المناسبة الّتي أرادها هؤلاء الرّفقاء احتفالاً بسيطاً لسعاده بعيدِ ميلاده، كما يحتفل معظم النّاس بالمقرّبين منهم، حوّلها سعاده من مناسبة شخصيّة إلى مناسبة تخصّ الأمّة كلّها إذ تلى أمام الرّفقاء “قسم الزّعامة” الّذي أقسم فيه أن يكرّس حياته من أجل أمّته السوريّة ووطنه السوريّ عاملاً لحياتهما ورقيهما، وعلى أن يكون أميناً للمبادىء الّتي وضعها وألّا يستعمل سلطة الزعامة إلّا من أجل القضيّة القوميّة ومصلحة الأمّة. وجاء في القسم:
“أنا أنطون سعاده أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أقف نفسي على أمّتي السّوريّة ووطني سورية، عاملاً لحياتهما ورقيّهما، وعلى أن أكون أميناً للمبادئ الّتي وضعتها وأصبحت تكوّن قضيّة الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ، ولغاية الحزب وأهدافه، وأن أتولّى زعامة الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ وأستعمل سلطة الزّعامة وقوّتها وصلاحيّاتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيّته، وأن لا أستعمل سلطة الزّعامة إلّا من أجل القضيّة القوميّة الاجتماعيّة ومصلحة الأمّة، على كلّ هذا أقسم أنا أنطون سعاده”.
وكما حوَّلَ سعاده عيد ميلاده سنة 1935 إلى مناسبة قوميّة لها مدلول عظيم، حوَّلَ كلّ الحفلات الّتي أقيمت له في عيد ميلاده في السّنوات التّالية إلى مناسبات قوميّة تتجلّى فيها رابطة الجهاد القوميّ والوحدة الرّوحيّة والإيمان القوميّ العظيم. ففي الخطاب الشّامل الّذي ألقاه في احتفال الأوّل من آذار سنة 1942 في بيونس آيرس جاء فيه:
“إنّ الأشخاص يجيئون ويذهبون ويتبدّلون، ولكن العقيدة هي الأساس الرّاسخ الثّابت على الأيّام والسّنين والعقود والأجيال. وإنّ العقيدة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة، والنّظام السوريّ القوميّ الاجتماعيّ اللّذين قد أصبحا قبلة أنظار الشّعب السّوريّ، لا يمكن ولا يجوز أن توضع قيمتهما في محل قيمة الأفراد. ولا يمكن ولا يجوز أن يكون الأفراد محكّاً لهما، بل يمكن ويجب أن يكون العكس، أي أن يكونا هما محكّاً للأفراد. فحين الاختيار بين العقيدة والنّظام من جهة وفرد أو أفراد من جهةٍ أخرى، نحن لا نتردّد في التّمسّك بالعقيدة والنّظام، وترك الأفراد لمصيرهم”.
أمّا في الخطاب الذي ارتجله سعاده في الاحتفال الّذي أقيم له في مدينة كوردبة (الأرجنتين) سنة 1943 فقال:
“إنّ الّذين يجهلون حقيقة أمر الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ لا يدركون المعنى العميق الواسع لهذا الاجتماع ولا يفهمون المدلول العظيم المتعلّق به، لأنهم يجهلون أنّ في هذا اليوم، كما في السّادس عشر من تشرين الثّاني، الّذي هو يوم ذكرى تأسيس الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ يجتمع في الوطن وفي المغتربات عشرات الألوف ومئات الألوف من السّوريّين الّذين اعتنقوا الإيمان القوميّ الاجتماعيّ ليثبتوا وحدتهم الرّوحيّة والعمليّة في العقيدة والشّعور والجهاد”. ويضيف: “ليس هذا الاجتماع الّذي تحيونه هنا سوى واحد من ألوف الاجتماعات الّتي تحدث في هذا اليوم لتبرهن للعالم أنّ الأمّة السوريّة العظيمة الّتي كانت صريعة، قد نهضت وأنّ الحركة السّوريّة القوميّة الاجتماعيّة قد أخذت توحّد صفوف الأمّة لمغالبة اللّصوص الّذين اقترعوا فيما بينهم على حقّنا في الحياة والارتقاء”.
وفي خطابه التّاريخي المعروف بخطاب العودة، والّذي ألقاه في 2 آذار سنة 1947 أمام الألوف المحتشدة الّتي تقاطرت من كلّ أرجاء الوطن إلى مطار بيروت في منطقة بئر حسن لاستقباله بعد تسع سنوات من الغياب القسريّ في أميركا اللّاتينيّة، جاء فيه:
“إنّ جهادنا يستمر، ويجب أن تتذكّروا دائماً أنّ فلسطين سوريّة، وأنّ هذا الجناح الجنوبيّ مهدّد تهديداً خطراً جدّاً. إنّ إرادة السّوريّين القوميّين الاجتماعيّين هي إنقاذ فلسطين من المطامع اليهوديّة ومشتركاتها”. وأضاف: “ولعلّكم ستسمعون من سيقول لكم أنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللّبنانيّين، وأمراً لا دخل للبنان فيه. إنّ إنقاذ فلسطين هو أمرٌ لبنانيّ في الصّميم، كما هو أمرٌ شاميّ في الصميم، كما هو أمرٌ فلسطينيّ في الصّميم، إنّ الخطر اليهوديّ على فلسطين هو خطر على سورية كلّها، هو خطر على جميع هذه الكيانات”.
وتابع: “وأعود فأقول أنّ هذه الكيانات يجب أن لا تكون حبوساً للأمّة، بل معاقل تتحصّن فيها الأمّة، وتتحفّز للوثوب منها على الطّامعين في حقوقها”.
وأردف: “إنّ كلمتي إليكم أيّها السّوريّون القوميّون الاجتماعيّون هي العودة إلى ساحة الجهاد”.
كما كان الأوّل من آذار في حياة سعاده بقي كذلك بعد استشهاده، وتكرّسَ عيداً قوميّاً للأمّة النّاهضة التوّاقة لحرّيّتها وسيادتها واستقلالها وتقدّمها بين الأمم. تكَرّسَ عيداً للفرح القوميّ وتقليداً جديداً للأمّة في مجرى حياتها تحتفل به ابتهاجاً بروحها الجديدة وتعبيراً عن إرادة الحياة المتولّدة عن هذه الرّوح والّتي ترفض الموت والعيش الذّليل ولا ترضى إلّا حياة الحرّيّة والشّرف والكرامة والصّعود إلى قمم المجد الجديرة ببلوغها.
فألف تحيّة لصاحب العيد، للزّعيم الخالد. لروحه النّبيلة الصّادقة المعبّرة عن إرادة الأمّة وتطلّعاتها وذلك بما تمثّله من مبادىء سامية ومثل عليا وغايات نبيلة.