الحالة السياسية ــــ الحربية الحاضرة
السياسة:
سوريون من لبنان في الحرب:
سورية ــــ وصلت إلينا منذ مدة وجيزة أخبار من الوطن في عدادها خبر خطاب للمطران [أغناطيوس] مبارك في تأبين «الأبطال اللبنانيين» الذين سقطوا إلى جانب جنود مستعبديهم الفرنسيين «الأحرار» في معركة بير هاشم.
لا ندري كيف يكون المسوقون سوقاً إلى الحرب للدفاع عن غرض غريب عن غرضهم أبطالاً.
إنّ الذين يساقون إلى حرب غير حربهم وللذود عن قضية غير قضيتهم لا يمكن أن يكونوا أبطالاً، والتاريخ لا يعترف ببطولة الذين يتخلون عن قضية أمتهم وحريتها وارتقائها ليشهروا السلاح في سبيل قضية أخرى.
إنّ اللبنانيين الذين سقطوا في إفريقيا دفاعاً عن سيادة الفرنسيين «الأحرار» على وطنهم ليسوا أبطالاً ولا فضل أو فخر لهم. فهم ليسوا حملة عسكرية براية سورية وقيادة سورية وأوامر سورية (أو لبنانية لمن يشاء)، بل هم أفراد ملحقون بالمتطوعين الفرنسيين حاربوا بقيادة فرنسية وتحت علم فرنسي ولأغراض فرنسية بحتة. وكان الأحرى بهم أن يحاربوا لسيادة شعبهم ورفاه وطنهم.
لا يزال بعض اللبنانيين منخدعين «باستقلال لبنان» واعتراف بريطانية بمهزلة «حريته» مع وجود أمثلة يومية تنفي ذاك الوهم.
ومن الأمثلة اليومية خبر ورد عن لندن بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول الجاري أنّ السيد وندل ولكي مندوب روزفلت تناول العشاء مع الجنرال شارل ديغول «في مركز الجنرال كاترو حاكم سورية العسكري العام»!
فإذا كان الجنرال كاترو هو حاكم سورية العسكري العام فمن جعله حاكماً، الحكومة اللبنانية والحكومة الشامية أم الجنرال ديغول بموافقة بريطانية العظيمة؟
يستخلص من الأخبار الأخيرة أنّ الحالة السياسية ليست راكدة إلا كركود النار تحت الرماد، وأنّ لهذه النار إيماضات بين حين وآخر.
فبعد إلقاء القبض على عدد من رجالات الحزب السوري القومي الاجتماعي في وقفة عيد مولد الزعيم، كما أثبتت بلاغات المفوضين العسكريين المحتلين، وردت أخبار تفيد أنّ قلاقل واضطرابات حدثت في المدة الأخيرة وأتعبت المحتلين.
من هذه الأخبار ما ورد في جريدة لا ناسيون عن لندن لمراسل نيويورك تايمز في تاريخ السادس من سبتمبر/أيلول الحاضر ومؤداه أنّ صعوبات كثيرة للمحتلين موجودة في سورية، وأنّ هتلر يظن «أنّ الصعوبات المحلية في سورية، بالإضافة إلى اقتراب قوات كبيرة تزيد كثيراً على القوات الموجودة هناك، تجعل الاستيلاء على سورية، ومن ضمنها فلسطين، وعلى العربية أمراً هيناً».
وهذا اعتراف صريح بخطورة الحالة الداخلية في سورية التي، إذا وجدت تأييداً منظماً، قوياً من النزالة السورية عبر الحدود فالمرجح أن تبرز قضية وحدة سورية واستقلالها بشكل جديد في العالم.
الهند ــــ حاولت الإذاعة البريطانية والحليفة لها التقليل من خطورة حركة العصيان التي أعلنها غاندي ومن قيمة غاندي نفسه ومركزه وحزب «المجمع الهندي» في قلب الشعب الهندي وتكبير أهمية حزب «الرابطة المحمدية». وفي العاشر من الشهر الحاضر ألقى ونستن تشرشل، رئيس وزارة بريطانية، خطاباً أمام مجلس العموم خصّه بالمسألة الهندية.
في هذا الخطاب حاول تشرشل أن يعزو حركة طلب الاستقلال الهندية إلى تحريض رجال القائمة الخامسة اليابانية ليقلل من الحق الذي للهنود في طلب حريتهم واستقلالهم ومن قيمة حركتهم، مظهراً إياهم بمظهر الآلات التي تحركها يد أجنبية، فكان تشرشل في موقفه مماثلاً لموقف السياسيين الفرنسيين الذين حاولوا تقليل قيمة الحركة السورية القومية الاجتماعية ومركزها في قلب الشعب السوري، وإلصاق تهمة العمل بمشيئة برلين وروما بإدارة هذه الحركة العظيمة، تبريراً للاضطهاد الشائن الذي وجّهته السلطة الفرنسية إليها.
شحذ تشرشل كل مقدرته الخطابية وقوة عارضته ليظهر أنّ حركة «المجمع الهندي» ليست حركة تستحق عطف الناس الأحرار، وأنّ حزب «المجمع» كله ليس حائزاً على ثقة الشعب أو تحبيذه وعطفه، وأنّ الحركة الهندية قد خمدت وأنّ «تسعين مليوناً من الهنود المحمديين يقاومون» الحزب المذكور.
ولكن الأخبار الأخيرة الواردة عن الهند كذّبت تأكيدات تشرشل وأظهرت عكس الصورة التي رسمها رئيس الوزارة البريطانية في خطابه.
فما كادت تصريحات تشرشل تصل إلى الهند حتى حدثت تظاهرات واضطرابات مجددة. ويقول مراسل نيويورك تايمز في رسالة نشرتها لا ناسيون في 14 سبتمبر/أيلول الجاري إنّ جميع الهنود المحمديين الذين اتصل بهم منذ وصوله إلى الهند ينفقون في القول إنّ حزب «المجمع الهندي» يجد محبذين في الأوساط المحمدية.
وقد صرّح أحد المحمديين البارزين سر سكنقر حياة خان أنّ أكثرية الهنود الساحقة تحبّذ حزب «المجمع». ويستدل من ذلك أن ليس صحيحاً ما أعلنه تشرشل عن مقاومة كل الهنود المحمديين لحزب «المجمع».
أما رفعه عدد المحمديين من نحو سبعين مليوناً أو أقل إلى نحو تسعين مليوناً فلا حاجة لتفنيده بعد صدور التصريحات المتقدمة.
وقد بلغ من خطورة الموقف في الهند أنّ بعض أعضاء المؤتمر الذي دعت إليه نيابة الملك في الهند، قدّموا اقتراحات تؤيد مطاليب حزب «المجمع الهندي».
فقد ورد في برقية عن دلهي الجديدة عبر رانغون لشركة «ترانس أوسيان» في السادس عشر من سبتمبر/أيلول الحاضر أنّ السردار سنت سنغ، عضو البرلمان الهندي اقترح على الحكومة في دلهي الجديدة المؤلفة من بريطانيين ومن هنود متعلقين ببريطانية الحلول التالية:
1 ــــ إعلان استقلال الهند التام في الحال وتنفيذ ذلك ابتداءً من أول نوفمبر/تشرين الثاني 1942.
2 ــــ رفع منع الاجتماع المتخذ في 8 أغسطس/آب الماضي ضد حزب «المجمع الهندي» وفروعه.
3 ــــ المبادرة إلى إطلاق سراح الماهتما غاندي ومعاونيه وجميع الأشخاص الموقوفين بسبب حركات حزب «المجمع».
4 ــــ إعادة المبالغ التي أُخذت من جماعات أو أفراد بشكل جزاء وضع في صدد الاضطرابات الأخيرة.
5 ــــ حل البرلمان الهندي المنعقد حالاً ومجالس المناطق، وتقرير إجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت ممكن.
6 ــــ دعوة حزب «المجمع الهندي» و«الرابطة المحمدية» إلى تأليف حكومات جديدة في المناطق، فإذا لم يمكن الوصول إلى هذا الاتفاق فليكن من حق حزب «المجمع» وحده إنشاء الحكومة الجديدة.
الحرب:
مصر ــــ لم يطل أمر الهجوم الذي قام به المارشال رومل في جبهة العلمين، فبعد تقدم قليل في مزارع الألغام البريطانية عادت قواته إلى مواقعها الأولى، وعادت المطاولة والمناوشات إلى سابق عهدها.
وقد حاول البريطانيون، مؤخراً، الاستيلاء على موقع قرب طبرق وراء الخطوط الألمانية الأمامية، ولكن الألمان أغرقوا بعض المراكب الحربية وناقلات الجنود وأسروا بعض هؤلاء.
روسية ــــ بعد الاستيلاء على ميناء نوبورسيسك تمركز الاهتمام في معركة ستالينغراد التي رويت عن تحصيناتها روايات كثيرة.
ففي الأخبار الأخيرة أنّ قائداً روسية وقع في أسر الألمان صرّح بأن القيادة الروسية استنفدت جميع الحيل المستفادة من سير لحرب واختباراتها السابقة لتحصين ستالينغراد تحصيناً كبيراً، وأنّ القيادة المذكورة كانت تعدّ ستالينغراد ممتنعة امتناعاً كلياً على الهجوم الألماني.
ولكن الألمان تقدموا تقدماً محسوساً في هذه الجبهة وخرقوا ظواهر المدينة وبلغوا طرفيها من الشمال والجنوب عند أتل «البلقا» والأخبار الأخيرة تقول إنّ الجنود الألمانية تحارب في شوارع المدينة الداخلية، وإنها استولت على مرفأها على النهر. والأخبار عن برلين تقول إنّ ساعات المدينة أصبحت معدودة، وإنّ سقوطها أكيد.
هذه المدينة من أهم مدن روسية الصناعية. ومركزها الاستراتيجي على نهر أتل يجعل الاستيلاء عليها أمراً لازماً لنجاح حملة القبق [القوقاس]، كما ذكرنا سابقاً، ومنع الروس من اتخاذ ستالينغراد قاعدة لأعمال حربية واسعة في الشتاء المقبل.
فتقول البرقيات الأخيرة إنّ خلافاً كبيراً بين روسية من جهة، وبريطانية والولايات المتحدة من جهة أخرى، قد نشب حول مسألة فتح جبهة حربية جديدة في أوروبا لتخفيف الضغط عن روسية.
وإنّ محطة موسكو الإذاعية ابتدأت تلوّح بالخلاف وتنحي باللائمة على الأنكلوسكسونيين لعدم تنفيذهم ما يعدّه الروسيون عهداً أكيداً لبريطانية في معاهدتها الأخيرة مع روسية بفتح جبهة حربية جديدة قبل انتهاء هذه السنة.
أميركا الجنوبية ــــ وصلت الحرب إلى أميركا الجنوبية بإعلان البرازيل الحرب في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، على ألمانية وإيطالية على أثر إغراق غواصات المحور خمس بواخر برازيلية كانت تقلّ جنوداً متوجهين نحو الشمال.
الهادىء ــــ تمكن اليابانيون من إنزال حملة جديدة في جزيرة غوادلكنال من جزائر سليمان بقصد استرجاع المواقع التي كانت قوات الولايات المتحدة استولت عليها.
وفي الأخبار الأخيرة أنّ قوات اليابان في جزيرة غينية الجديدة عبرت مضايق أون ستانلي، وهبطت نحو ميناء مورسبي الهامّ وأصبحت على أقل من خمسين ميلاً من الميناء المذكور.
والظاهر أنّ حركة الولايات المتحدة لم تتمكن من عرقلة حركات اليابانيين باحتلال مواقع في جزائر سليمان بمقدار يحول دون تقدمهم في أماكن أخرى هامّة قرب أستراليا.
الأطلسي ــــ تتوالى سفرات المراكب المخفورة بين أميركا وبريطانية، وتتوالى حملات غواصات المحور وإغراق أقسام من هذه المراكب. وقد أذاعت البرقيات مؤخراً خبر وصول قوات أميركانية جديدة إلى شواطىء بريطانية.
الهندي ــــ جدّدت بريطانية الحملة على جزيرة مدغسكر لاحتلالها كلها، فقاوم الفرنسيون، ولكن البريطانيين تمكنوا من التقدم وهم يتجهون نحو تنانريف.
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 52، 15/9/1942