السياسة الخارجية – سياسة الشرق القصى في مؤتمر بروكسل
تتحول اليوم أنظار العالم ورجالات السياسة إلى بروكسل، عاصمة البلجيك حيث يعقد المؤتمر الباسيفيكي، أو مؤتمر شؤون الشرق الأقصى الدامية.
عقد المؤتمر جلسته الافتتاحية برئاسة المسيو سباك، وقد ألقى خطاباً رحّب فيه بالوفود وقال “إنّ المؤتمر ليس محكمة تألفت للحكم على اليابان بل هو يرمي إلى وضع حد للحرب الصينية ـ اليابانية وتوطيد السلام في الشرق الأقصى…؟ ثم وقف رئيس الوفد الأميركي وقال “يجب علينا أن نعالج مشكلة اليابان والصين بحكمة زائدة، وسياسة رشيدة، لأن مصالح العالم تتعلق بمصالح الدول المتحاربة. ويجب أيضاً التعاون في حفظ السلام العالمي”.
ثم تكلم المسيو دلبوس عن فرنسة بالمعنى نفسه… وتكلم الكونت ألدروفاندي عن إيطالية فقال “إني أتمنى أن يوضع الحد الفاصل لهذه الحرب…” وقد تساءل بقوله “هل يسفر مؤتمر بروكسل عن نتائج عملية لتأمين السلام العالمي الدائم كما نرغب جميعاً؟ ! إني أدعو الدولتين إلى أن تتصلا اتصالاً مباشراَ”.
هذه هي أقوال الجلسة الأولى الحكيمة الرشيدة، الملأى بعبارات السلام والحب… والإخاء… بينما المدافع تحصد الألوف في الشرق الأقصى، كما يطالعها قرّاء النهضة في صدر هذا العدد.
وفي الجلسة الثانية التي عقدت بعد الظهر نهض مندوب الصين وألقى خطبة طويلة أتى فيها على تاريخ الخلاف الحالي واضعاً مسؤولية الحرب على اليابان طبعاً. وقال “إنّ اليابان تطلب منا أن نحترمها ونكون لها طوع إرادتها، وتفرض علينا حبها فرضاً مع أننا لا نريد أن نكون تحت سلطان اليابان نعمل ما لا نعلم ونسير حسب إرشاداتها التي هي في مصلحة اليابان ضد مصالح الصين”.
ثم طلب المندوب الصيني أن تتحالف جميع الدول لحماية المعاهدات الدولية من الانتقاض والتمزيق.
ثم أرجأ المؤتمر أبحاثه إلى يوم آخر.
إنّ سياسة المؤتمرات وسياسة نزع السلاح وجامعة الأمم أصبحت ضعيفة جداً. وقد دلنا التاريخ على ذلك منذ مؤتمر فيينة بعد سقوط إمبراطورية نابليون الأول.
وإجراءات جامعة الأمم ولجانها التي لم تثمر غير الويل للضعيف والخير للقوي تجعلنا نعتقد أنّ الفوز لليابان والخيبة للصين رغم إجراءات مؤتمر بروكسل. أو مؤتمر الدول التسع.
إنّ هذا المؤتمر قد عقد في واشنطن عام 1922، وعندما اجتمع ممثلو الدول للاتفاق على تخفيف التسلح البحري تعهد موقّعوه باحترام سيادة واستقلال الصين وضمان سلامة أراضيها، وقد وقّع على هذه المعاهدة مندوبو دول إنكلترة وأميركانية وفرنسة وهولندة وإيطالية وبلجيكة والبرتغال والصين واليابان. ونصت المادة السابعة من هذه المعاهدة على أنه في حالة الإخلال بأحد هذه الشروط تتشاور الدول الموقّعة عليها لاتخاذ التدابير اللازمة.
واليوم تتشاور الدول في بروكسل لاتخاذ التدابير اللازمة مثلما رأينا سابقاً. ولكن سير الأمور يضطرنا أن نتساءل كما تساءل بعض مندوبي المؤتمر “هل يسفر مؤتمر بروكسل عن نتائج عملية؟”
هذا ما سنعرفه في آخر الأسبوع القادم.
النهضة، بيروت
العدد 21، 6/11/1937