العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديموقراطيين عن عقيدة
مند نحو شهرين، أكثر أو أقل، ألقى الأمير بيوربروك، مبعثو بريطانية العظيمة في الولايات المتحدة للاهتمام بأمر الذخائر، خطاباً سياسياً، قال فيه:
إنّ هذه الحرب هي حرب الشعب.
وشرح هذا القول بأن نتائج هذه الحرب ستكون للشعب كله وليس لبعض جماعات دون بعض. ثم تعاقبت التصريحات بهذا المعنى من سياسيين بريطانيين عديدين.
من أهم التصريحات التي أدليت في هذا الصدد، ما فاه به وزير الختم الخاص، السر ستافورد كرفس، في عدة مناسبات، خصوصاً بعد تصريحات وزير المؤن السيد ألبير لتلتون، في خطاب بالراديو، دعا فيه إلى تحويل السياسة الديموقراطية إلى «ديموقراطية اقتصادية». وآخر ما قاله السر ستافورد كرفس في خطاب ألقاه في التاسع والعشرين من مايو/أيار الماضي، هو:
«إنّ الاعتقاد القديم، أنه يكفي الفقير ما يصل إليه، مهما يكن نوعه وتكن كميته، قد مضى، تاركاً محله للاقتناع بأن لكل عضو من أعضاء الدولة الحق في «ستندرد»، أو مستوى معيشة لائقة، معيّن يشمل الصحة والنظافة ووسائل الراحة.
وأتمنى أن نبني منازل لا يكون خالياً معها من المعنى الواقعي الشعار:
يجب أن يكون للأبطال البيوت التي يستحقونها».
ومنذ مدة غير يسيرة، وأستاذ العلم السياسي المشهور، السيد هارلد لسكي، الذي يطالع مقالاته المهتمون بهذه المواضيع من قرّاء جريدة لاناسيون، يعالج مسائل ما بعد الحرب من الوجهتين الداخلية والخارجية.
ومن مقالاته الأخيرة واحدة نشرتها له الجريدة المذكورة في عددها الصادر في 25 مايو/أيار الماضي، يقول فيها بوجوب إعادة منظمة إنترناسيونية تكون كافية لتحقيق مبدأ «الأمن المجموعي» ضد أي اعتداء مقبل.
ويتطرق إلى الموضوع الداخلي، فيقول، إنه يجب الاعتراف بأنه قد حان وقت إيجاد المجتمع المنظم، ويشير إلى أغلاط الماضي من هذا القبيل، قائلاً: «إنّ الحرب قد برهنت لنا أننا نقدر إذا شئنا، مضطرين تحت ضغط الظروف، أن ننظم تشغيل السواعد الكلي».
ونلاحظ أيضاً أنّ الاهتمام بما بعد الحرب قد شغل بعض أجزاء خطب الرئيس الأميركاني، الماضية، ويشغل الآن قسماً هاماً من كلام الرجال المسؤولين في الولايات المتحدة.
هذا الموضوع، الاهتمام بشؤون المجتمع بعد الحرب، الذي نلاحظ أنه أصبح مدار طائفة من التصريحات والخطب والمقالات في بريطانية العظيمة والولايات المتحدة، هو موضوع ذو وجهين، أحدهما:
حل المشاكل الحاضرة التي تنشأ من تصادم مصالح العمال والرأسماليين، والثاني:
تكوين عقيدة للمستقبل يحارب من أجلها الشعب.
الوجه الأول قام عليه الدليل بالحوادث الكثيرة التي اضطرت الرئيس الأميركاني روزفلت، للتدخل شخصياً في المساعي كلها لإعادة عشرات ألوف العمال إلى أعمالهم، وبالقضايا العديدة من هذا النوع في بريطانية، وهذه المشاكل لا تزال تهدد الصناعات الضرورية للحرب في هذين القطرين «الديموقراطيين».
وآخر أخبارها، ما ورد عن لندن في 29 مايو/أيار الماضي، ومؤداه أنّ أصحاب المناجم والعمال، اجتمعوا لمراجعة الحكومة في ذاك اليوم بقصد حل الجدل بين الفريقين الذي أفضى إلى توقيف استخلاص الفحم الحجري. وفي 2 يونيو/حزيران الحاضر، لرويتر، أنّ وزير المناجم أجاب على سؤال وجّه إليه، في مجلس العموم، أنه في الثلاثة أسابيع التي انتهت في 23 مايو/أيار الماضي، حدث 68 اعتصاباً في صناعة الفحم، وتخلى عن العمل ثمانية وخمسون ألف عامل.
أما الوجه الثاني، فهو الأهم، وعليه سيكون المعوّل في إنهاض الهمم وتشديد العزائم للحرب.
فقد أدرك سياسيو «الديموقراطية» أنهم متأخرون جداً في تفكيرهم، واكتشفوا أنهم يحاربون بلا عقيدة، تبعث الإيمان وتشحذ العزائم، ضد أعداء، لهم عقيدة ولهم إيمان.
قد يسأل سائل:
أليست الديموقراطية عقيدة الديموقراطيين، التي من أجلها يحاربون؟ والجواب، إنّ الديموقراطية، إسم تنطوي تحته أشكال عديدة، وكل شكل منها له خصائص سياسية وإدارية تعطي نتائج تختلف عن التي يعطيها شكل آخر. والديموقراطية، التي خبرتها الشعوب المتمدنة، حتى اليوم، لم تتمكن من حلّ الأضاليل الاجتماعية ــــ الاقتصادية التي نشأت مع تقدم عهد الآلة، وارتقاء التخصص في الأعمال وتحديدها.
فقبل هذه الحرب العالمية، كانت أوروبا وأميركا ما عدا وألمانية وإيطالية، تعيش في ظل الديموقراطية.
ولكن شعوبها كنت متعبة، رازحة، والعاطلون عن العمل بلغوا في بريطانية وحدها، ما يزيد كثيراً على المليون، في بعض الأوقات، وبلغوا مثل ذلك وأكثر في الولايات المتحدة. أما في ألمانية الاشتراكية القومية، وإيطالية الفاشستية، حيث ابتدأ تنظيم المجتمع في الدولة، فقد زالت البطالة، وحدث في ألمانية نقص في الأيدي العاملة.
وأما في روسية فقد أوجد العمل للسواعد البطالة، ولكن على طريقة أخرى من تنظيم المجتمع تنظيماً مادياً بحتاً، حسب النظرة الاشتراكية المتطرفة، تحدد فيها الأفق الروحي تحديداً ضيقاً.
ومع ذلك، فإن النظام الاجتماعي الجديد في روسية ــــ بعد تثبيت إدارة ستالين ــــ شذ عن القواعد الأولية واتخذ أشكالاً جديدة يجب درسها.
عند ابتداء الحرب، كان راسخاً عند الألمان الاشتراكيين القوميين، وعند الطليان الفاشستيين، أنهم يحاربون من أجل نظام جديد، إنترناسيونيّ، يساعدهم على تحقيق أقصى ما يصبون إليه في العهد الجديد، قومياً، وأنّ الألمان لم يحاربوا وينتصروا على أعدائهم الكثر، الأغنى مادياً، بتفوق استعداداتهم الحربية في الآلات العديدة، فقط، بل بقوة عزائمهم المشحوذة بحمية العقيدة الاجتماعية، التي أوجدت لهم نظاماً في الداخل يحسِّن حياة الشعب ويرفع حياة العامل ويؤمن متوسط الحال. ولم يكن لأعدائهم مثل عقيدتهم. وفرنسة، التي كان ينتظر أن تكون عدوّهم الأزرق، في الغرب من أوروبا، كانت قد بلغت بديموقراطيتها الفاسدة حضيض الفوضى.
وعبثاً حاول «الديموقراطيون» الضرب على وتر الديموقراطية لإنهاض الهمم وبعث النشاط في النفوس. لأن الشعوب كانت متخمة من الديموقراطية الرأسمالية، التي أصبحت كابوس العامل والفلاح.
مما لا شك فيه أنّ المحافظين الإقطاعيين، والرأسماليين، في بريطانية، والرأسماليين في الولايات المتحدة، لا يعجبهم تبديل الديموقراطية في أشكالها المعروفة، التي سهّلت لهم الوصول إلى ثرواتهم الفاحشة من أسهل الطرق.
ولذلك، لا نعجب من أنّ الحركة الفكرية الجديدة في بريطانية، لم يمكن أن تنشأ قبل دخول بعض كبار العمال والاشتراكيين في الحكم، أمثال، بوين، وستافورد كرفس، وأتلي. وقد أصبح بطل الحركة الجديدة، الوزير ستافورد كرفس، الذي يريد تحويل الديموقراطية السياسية إلى «ديموقراطية اقتصادية».
يلاحظ المراقب الخبير، أنّ حالة الحرب، هي التي تضغط على بريطانية والولايات المتحدة، للاهتمام بالناحية الاجتماعية من الحرب.
حتى أنه يمكن لمح أنّ سبق ألمانية إلى العقيدة هو الذي يحرّك رجال الفكر البريطانيين. ففي جلسة مجلس العموم البريطاني، في 19 مايو/أيار، طلب السيد غرينوود، في جملة ما طلب، أن يعلن بأسرع ما يمكن «ماذا يقترح الحلفاء فعله مقابل «النظام الجديد» الذي يقول به هتلر».
وقد ورد في برقية عن لندن، في 2 يونيو/حزيران الحاضر، أنّ ممثلي حزب العمال في مجلس الأعيان، طلبوا في الجلسة التي عقدها هذا المجلس في تاريخ البرقية، أن توضح الحكومة موقفها فيما يختص بخططها المتعلقة بالأشكال والأساليب التي يجب العمل بموجبها بعد هذه الحرب.
وبين الذين تكلموا في هذا الموضوع، الأمير أدسون، قال:
«إنه لمن الأمور ذات الأهمية الأولية لمتابعة الحرب، ولضمان سلام طويل، أن تعدّ الحكومة، من غير إبطاء، الاقتراحات التي تفكر في تقديمها لحل مشاكل الحالة العالمية بعد الحرب».
ومجموع هذه التصريحات والأحاديث والمقالات، تدل على القلق المستحوذ على قسم كبير من رجال الرأي السياسي في بريطانية فيما يختص بالغاية من هذه الحرب، التي يمكن جعلها عقيدة في الشعب البريطاني ترفع معنوياته وتنشط أمله وتقوي عزيمته.
وهي تدل على أنّ بريطانية كانت حتى الآن تحارب بلا روح ولا قوة، غير قوة الاستمرار، وأنّ الصيحة الديموقراطية لم تبرّد من قلب الشعب البريطاني غليلاً، وأنّ الدول الديموقراطية تحتاج إلى عقيدة تجد فيها خلاصها.
هذه المسألة تهمّنا كثيراً، نحن السوريين، لما تحدثه من تنبّه، وتثيره من خواطر، في صدد حالتنا النفسية.
فهذه التصريحات العديدة، الصادرة من رجال مسؤولين في بريطانية والولايات المتحدة، تنشر في الصحف وتتناولها أقلام الكتّاب بتعاليق كثيرة، تكسبها خطورة غير عادية، وتصل هذه التصريحات والكتابات إلى عدد من «كبار الأدباء» السوريين التقليديين فيكبرون الأمر ويظنون أنهم قد اكتشفوا ما لم يكن من حظ أحد غيرهم الاهتداء إليه من القضايا الاجتماعية ــــ السياسية وطرق التفكير. فيسارعون إلى إمطارنا بمقالاتهم التكهنية عما سيحدث من التغيير في العادات والتقاليد والأنظمة، وأشياء أخرى، عند الأوروبيين والأميركيين. ثم يأخذون في إلقاء الدروس علينا بوجوب التشبه «بهذه الأمم الراقية»، التي تُعنى بالأمور الجوهرية، ولا تحفل بالقشور، نظيرنا نحن السوريين.
بعد هذه الدروس الحقيرة التي يلقيها علينا أولئك الخنفشاريون، يزداد عجبهم، وتعظم خيلاؤهم، وتتطاول خنزوانيتهم، حتى أنهم ليحسبون أنفسهم آلهة الإبداع الفكري والتفنن «الأدبي».
أمَّا ما يحدث وسط شعبنا من انقلاب فكري عظيم، لم تشهد أمة من أمم العالم أروع منه ولا اسمى، فشيء لا يستحق عندهم أقل اهتمام، لأنه غير مصحوب بالإذاعة الواسعة بواسطة الشركات البرقية، ومحطات الراديو الإرسالية، وغير حائز على التعاليق العديدة من قِبل مئات وألوف الصحافيين والكتّاب وغيرهم.
ولا يخطر في بال أولئك الأساطين، أن يسائلوا أنفسهم «كيف يمكن أن تهتم الشركات الإخبارية والصحافة العالمية بما يجري في شعبنا من تطور فكري روحي عظيم، بينا الذين يدّعون الرأي والفهم في شعبنا لا يجدون فيه ما يستحق الدرس والاهتمام. ولا يرون أفضل لنا من تناول فتات الأفكار المطروحة عن موائد السياسيين الأجانب؟».
لا يخطر في بال أحد من الأراخنة المذكورين أن يطرح على نفسه هذا السؤال: «أنحن متأخرون عن مستوى التفكير المتمدن الراقي، أم متقدمون عليه؟ أين محلنا من الصراع الفكري العالمي لبقاء أفضل المثل العليا؟» وإذا نبّهت أحداً منهم إلى وجوب التنازل عن خنزوانيته، للحفول، ولو قليلاً، بما يجري في شعبنا من تقدم فكري رائع، عدّك أحمقاً متحاملاً، أو مغفلاً.
وعذرهم في ذلك أنهم أعلم منك بأنه لا يوجد عندنا غير «آراء وأحلام تلمع هنا وهناك، ثم تختفي هنا وهناك، فلا يشعر بها أحد حتى نحن!» كما قال الأرخون أبي ماضي. أما ما هي هذه الآراء والأحلام التي تلمع هنا وهناك، ولماذا تختفي دون أن يشعر بها أحد، حتى نحن، سؤال لا وقت عند أصحاب هذا الهفت للحفول به.
والحقيقة أنّ هذه المسألة ليست مسألة وقت لأراخنة الهفت، بل مسألة جهل، وجهل الجهل.
فعلى افتراض صحة الكلام المرسل اعتباطاً، أنه ليس عندنا «سوى آراء وأحلام تلمع هنا وهناك» فالواجب الثقافي يقضي على المتشدقين بهذا الكلام أن يوضحوا التأويل الصحيح لكل رأي وكل حلم من الآراء والأحلام التي يشيرون إليها، ويعطوا البيان بأسباب اختفائها، فيكون في ذلك عبرة للشعب، فيعرف كيف يجب أن يقيس الآراء والأحلام، ويمتحنها، ليعلم صحيحها من فاسدها. ولكن، هو الجهل، وموت الروح، وانعدام الطموح والمثل العليا، وفقد الثقة بالنفس والجنس، عند الأدباء المجزرين الذين ولدوا في عصر مظلم ولم ترَ أنفسهم النور قط. ولذلك، لا يرجى منهم أن يروا، ببصائرهم العمياء، الألوان والظلال، والخطوط، والأشياء، والقيم، والطرق، وأشكال الحياة ومعنيها، والمثل العليا، التي اعتنقتها النفوس التي ولدت في النور وسارت في النور.
إنّ الذين يطلبون منا، عند كل مسألة فكرية أو مناقبية أو اجتماعية أو غيرها، أن «نتشبه بالأمم الراقية» وننسج على طرازها، سيحدجوننا بنظرات كبريائهم المدجلة، لأننا سنقول، لجميع من لهم عقول تدرك وأنفس تعي، إنه يجب على الأمم الراقية أن تتشبه بنا أو تنسج على طرازها القومي الاجتماعي.
إنّ أمما كثيرة، قوية، كانت أمامنا أشواطاً ومراحل في التفكير الاجتماعي ــــ الاقتصادي، وكان ذلك في عهد مضى، أما الآن فإن نهضتنا القومية الاجتماعية قد جعلتنا في مقدمة الأمم الثقافية المتمدنة من هذا القبيل. فحن لا نفتقر إلى قوعد اجتماعية ــــ اقتصادية من الخارج. بل نحن نقدر أن نساعد غيرنا ونعطي من تفكيرنا.
ولم تبقَ «الأمم الراقية» أمامنا إلا في المسائل الآلية، من صناعية وغيرها. فأصبح يصح علينا، بمعنى أوسع كثيراً من المعنى الأصلي، قول الدكتور خليل سعاده:
يقول لكم قوم نريد حماية وأمَّاً حنوناً تحضن الطفل مرضعا
شببنا عن الأطواق إنّا لأمّة لها ساعد يفري الحديد المدرّعا
إنّ تفكيرنا الاجتماعي ــــ الاقتصادي لم يعد من ذلك النوع الصوفي الذي يمثّله الأدباء المجزرون، الذين يرون المذاهب والعقائد الاجتماعية مجرّد «أزياء وقتية»، مهما تألم من بعضها ملايين الناس، ومهما كانت دون الارتقاء النفسي المنشود.
ويظنون أنّ اتّباع «الأكثرية» في هذه «الأزياء» هو الحكمة العليا. كلا، إنّ تفكيرنا الاجتماعي ــــ الاقتصادي لم يعد على مستوى تلك السفسطة التي يدأب أدباء الجمود والفناء على حشو أدمغة السواد منا بها. ولعلمنا هذه الحقيقة الجوهرية، لم نكن ننتظر من أولئك الأدباء أن يفهموا حقيقة نهضتنا القومية الاجتماعية. فهم لا يريدون أن يكلفوا أنفسهم مشقة فهم شيء جديد.
ما نثبته هنا ليس من قبيل الادعاء والمفاخرة، بل من باب سرد الحقيقة الفعلية، المؤيدة بالشواهد الكثيرة والبراهين القاطعة. فإن ما يبحث عنه سياسيو بريطانية والولايات المتحدة، اليوم، من أجل رفع المعنويات للحرب، أو من أجل الوصول إلى حالة ترضى بها بعض أحزابها، قد وضع الحزب السوري القومي قواعده منذ بدء نشأته.
والحزب السوري القومي الاجتماعي، هو الوحيد، من بين جميع الأحزاب السياسية ــــ الاجتماعية ــــ الاقتصادية، التي نشأت في العقود الأخيرة في أوروبا وأميركا، الذي أوجد عقيدته الاجتماعية منذ أول تأسيسه، فامتاز بذلك على الحزب الفاشستي الإيطالي، الذي نشأ عصابات ثوروية، لا عقيدة لها في البدء وعلى الحزب الاشتراكي القومي الألماني، الذي قُصد منه في البدء أن يكون حركة للعمال، إذ كانت تسميته الأخيرة «حزب العمال الألماني الاشتراكي القومي».
إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي نشأ بتفكير الإبداع السوري المستقل، ومؤسسه لم يكتفِ بالنظرة الأولية، التي لم يتجاوزها حزب من الأحزاب في سورية والشرق الأدنى، بل وفي أقسام وجماعات كثيرة في أوروبا عينها، القائلة بالحرية والاستقلال، أو بتحسين بعض الأمور العارضة، أو الوقتية. كلا، لم يكتفِ زعيم الحركة السورية القومية الاجتماعية بطلب الحرية والاستقلال، ففضلاً عن تعيين الأمة وتحديد، القومية وإيجاد عقيدة وحدة الأمة، قد نظر الزعيم في مستقبل الأمة وما يجب أن تصل إليه من الارتقاء والبحبوحة والعدل الاجتماعي ــــ الاقتصادي، فوضع لهذه الغاية المبدأ الإصلاحي الرابع من مبادىء الحزب السوري القومي، الذي يتضمن العقيدة الاجتماعية للسوريين القوميين الاجتماعيين، وهو:
«إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة».
وفي شرح هذا المبدأ، يقول الزعيم:
«أما تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج فهو الطريقة الوحيدة لإيجاد التوازن الصحي بين توزيع العمل وتوزيع الثروة. كل عضو في الدولة يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق. وفي حالة من هذا النوع، يتوجب تصنيف الإنتاج والمنتجين بحيث يمكن ضبط التعاون، والاشتراك في العمل على أوسع قياس ممكن، وضبط نوال النصيب العادل من النتاج، وتأمين الحق في العمل والحق في نصيبه».
هذا المبدأ العظيم يوجد مجتمعاً جديداً في نظرته إلى القيم الاجتماعية وفي حركته ونشاطه وعاداته وتقاليده وأشياء أخرى. إنه يوجد أمة حية، متآلفة قلوب أبنائها، وحاصلاً لها المستوى الراقي في الحياة المادية والروحية. فالسوريون القوميون الاجتماعيون يجاهدون، ولهم عقيدة كلية، تشمل جميع مناحي الحياة الاجتماعية، وترتفع في مثل عليا غير متناهية.
إنهم يحاربون، واثقين من أنهم يشيّدون تمدناً جديداً أفضل من التمدُّن القديم الذي وضع قواعده أجدادهم الأولون. فهم، من هذه الناحية الفلسفية، الأساسية، في طليعة الأمم التي تسعى لإيجاد عالم أفضل من الموجود، ولا يحتاجون لأخذ دروس، في هذا الموضوع، من شعب من الشعوب، بل إنهم يشعرون بأنهم يقدرون أن يفيدوا الشعوب الأخرى، في جميع القارات على السواء، بتفكيرهم الجديد، الذي لم يسمح لهم الأدباء المجزرون، والنفعيون، والرجعيون، بالانصراف إلى توسيعه وإعلاء بنائه وكشف مخبآته الرائعة، بما أثاروه عليهم من ضجيج، وما شغلوهم به من عنعنات وترهات ومخرفات، لم يجد القوميون الاجتماعيون بداً من الحفول بها، وصرف بعض الوقت الثمين في محاربة سمومها.
مما لا شك فيه أنّ النظريات الاجتماعية الاقتصادية، من كارل ماركس وأنغلز إلى الاجتماعيين الاقتصاديين الجدد، قد ألقت نوراً قوياً على مشاكل المجتمع الإنساني الاقتصادة. ولكن الاشتراكية، لم تتمكن من حل القضايا الإنسانية الاجتماعية المعقدة.
وعند هذه النقطة، يبتدىء عمل الدماغ السوري، الغني بالخصائص النفسية، ومن هذه النقطة، تبتدىء الفلسفة السورية القومية الاجتماعية، التي تقدّم نظرات جديدة في الاجتماع، بأشكاله النفسية والاقتصادية والسياسية، جميعها، وهو بحث واسع نود أن ينفسح لنا المجال لنعود إليه، ونكشف عن أهمية التفكير القومي الاجتماعي، الذي يقدّم النظرة الجامعة للمذاهب الإنسانية الجديدة المتنافرة.
وعسى أن تكون عودتنا إلى هذا الموضوع قريبة، فهو كان ولا يزال في مركز الدائرة من الأغراض التي رمينا إليها من إنشاء هذه الصحيفة القومية الاجتماعية، التي اختارت إسم الرمز القومي الاجتماعي [الزوبعة] عنواناً لها.
أنطون سعاده
الزوبعة، بيونس آيرس،
العدد 46، 15/6/1942