تجمع النهضة النسائية يقيم محاضرة للدكتور ميلاد السبعلي
أقام تجمّع النهضة النسائية في مركزه في فردان، محاضرة بعنوان “نحو قطاع تربوي أكثر حداثة وديناميكية”، قدّمها الدكتور ميلاد السبعلي، رئيس مجلس إدارة مجموعة غلوبال ليرننغ.
قدّم المحاضر الدكتور جاد ملكي، عميد التربية والشباب في الحزب السوري القومي الاجتماعي، حيث أعطى لمحة عن الخلفية الأكاديمية والمهنية للدكتور السبعلي.
بعدها عرض المحاضر للتغيرات السريعة في سوق العمل والتطورات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، موضحاً أن المتخرجين في المستقبل القريب، لن يكون لديهم رفاهية العمل في نفس الوظيفة مدى الحياة كما كانت عليه الأعمال سابقاً، بل سيضطرون إلى الانتقال من وظيفة إلى أخرى، وفي اختصاصات متعددة، مما يعني أن على المنظومة التربوية إعداد خريجين يستطيعون متابعة التعلّم مدى الحياة، حتى لا تُخرجهم تطورات المستقبل من سوق العمل، كما عليهم أن يتأقلموا مع التكنولوجيا الحديثة التي تتطور بسرعة قياسية، وعندما ينتقلون من وظيفة إلى أخرى، فإن ما تنتقل معهم هي الكفايات الأساسية المتعلقة بثلاث محاور: محور التفكير الذي يشمل التفكير النقدي والابداعي وحل المشكلات، ومحور الشخص الذي يشمل القيادة والريادة والمواطنة والمعرفة الرقمية، ومحور العلاقات الاجتماعية والعاطفية، والذي يشمل التواصل والتعاون والتعاطف واحترام التنوع، وشدّد أن المطلوب من المنظومات التربوية المعاصرة هو ترسيخ هذه الكفايات الأساسية عند الأجيال القادمة، بقدر ما هو مهم إعطاءهم اختصاصات معاصرة وخبرة تطبيقية عملية ليكونوا جاهزين لدخول سوق العمل، وتطبيق العلوم والمعارف في حل المشكلات المهنية والحياتية المتنوعة والمتغيرة، حيث أن من يدخل إلى المدرسة اليوم، سيدخل الى سوق العمل بعد 18 سنة، حيث لا يمكن توقع شكل سوق العمل والمهارات المطلوبة وقتها، وبالتالي فإن التحدي للمنظومات التربوية الحديثة هو كيفية تهيئة جيل سينخرط في وظائف لا نعرفها بعد، ويستخدم تقنيات لم تُكتشف بعد، لحل مشكلات لا نعرف ماهيتها اليوم.
وعرض الدكتور السبعلي للتغير في الوظائف والمهارات المطلوبة في سوق العمل بشكل مستمر ومتسارع، حيث أن معظم الوظائف التي تحتاج إلى مهارات التفكير الدنيا، مثل التذكر والفهم والتطبيق الأساسي، هي وظائف يتم استبدالها من قبل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتكنولوجيا الحديثة، والوظائف الجديدة الناشئة هي تلك التي تحتاج إلى تقنيات وعلوم معاصرة، ومهارات التفكير العليا مثل التحليل والتقييم والتفسير والاستنتاج والابتكار، وبالتالي يجب إعادة هندسة المنظومات التربوية والمناهج والمقاربات التربوية لتهيئة جيل جديد يمتلك هذه المهارات.
وأوضح أن هذه المهارات ليست فقط مهمة لسوق العمل، بل أيضاً لتجويد الحياة الاجتماعية وتطوير الحياة السياسية، حيث أن من يمتلكون هذه المهارات الحديثة، يكونون بالإجمال مواطنين فاعلين منتجين مفكرين لا يسيرون بشكل أعمى وراء الدعوات الغرائزية أو الفئوية في المجتمع، ولا يتأثرون بالكم الهائل من الأخبار المزيفة التي يتم تسويقها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الأفراد والجماعات، وهذه التربية ضرورية ليس فقط في المؤسسات التربوية النظامية، بل أيضاً لدى المؤسسات الاجتماعية والأحزاب السياسية التي هي بحاجة الى جيل مبدع ومبتكر وباحث وريادي ليستطيع تحقيق الغايات الأساسية التي نشأت هذه المؤسسات لتحقيقها.
ثم استعرض بشكل تفصيلي المشكلات التي كان يعاني منها القطاع التربوي الرسمي والخاص في لبنان قبل مرحلة الانهيار المالي، من مناهج قديمة ومقاربات تربوية تقليدية تلقينية في معظمها وبنية تحتية مترهلة وغياب أي دور للتكنولوجيا التي كانت تعتبر من الكماليات غير الضرورية، وضعف تدريب المعلّمين والاداريين ونقص في التمويل، مما أدّى الى تراجع المستوى، والأداء الضعيف في الاختبارات والمؤشرات الدولية، فيما العالم يتقدم.
وعرض لمشاكل تعليم النازحين السوريين ومطالب دمجهم مع الطلاب اللبنانيين مقابل استمرار التمويل، مشدداً على فشل هذه العملية المكلفة جداً في تحقيق أهدافها، حيث أن معظم هؤلاء الطلاب بتسربون من المدارس قبل وصولهم الى الشهادة المتوسطة، مما يترك أفواجاً من الشباب بينهم بدون تعليم، وهم أصلا لا يحق لهم القيام بمعظم الأعمال.
وتطرّق الى مرحلة الكورونا، والتخبط والارتجال والفوضى التي سادت نتيجة سوء التخطيط والإدارة، ومزيج من النكران والجهل والعنجهية عند القيّمين على التربية، مما أدى بشكل متواصل ولأربع سنوات متتالية الى حصول فاقد تعليمي تخطى نسبة السبعين بالمئة سنوياً.
وفي النهاية عرض المحاضر لعدد من الخطوات اللازمة لإعادة هندسة القطاع ووضع استراتيجية تربوية معاصرة ومبتكرة، غير ما تفرضه المنظمات الدولية من وصفات جاهزة مسحوبة الدسم، وشدّد على أن الاستراتيجية التربوية يجب أن تخدم رؤية اقتصادية اجتماعية جديدة للبنان، غير موجودة اليوم، تسهم في إدخال البلاد الى عصر المعرفة، وتكبير حجم الاقتصاد المحلي، حتى لا نبقى نصدّر الخريجين بدل تصدير منتجاتهم، وتحديد دور جديد للبنان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية في محيط لبنان الطبيعي وعلى مدى العالم العربي.