خطاب الزعيم في البقاع الأوسط 23/4/1948
إختارت منفذية البقاع الأوسط هذا اليوم لأزور فيه هذه المنطقة التي تقت كثيراً إلى العودة إليها لأشاهد ما تطوّر فيها وتغيّر منذ ذلك الزمن البعيد، من نحو أربع عشرة سنة تقريباً، إلى اليوم. وقد أحسنت المنفذية اختيار هذا اليوم لأنه يوم فيه مغزى قومي عميق، هو يوم الاحتفال بمار جرجس أو الخضر ولا يعرف الناس أكثر من ذلك عن رمز هذا اليوم.
ولكن ما هو مار جرجس وما هو الخضر؟ إنه أسطورة فلسفية تاريخية عميقة جداً ومتأصلة جداً في حياة هذه الأمة وفي مثلها العليا، هو فكرة جميلة جداً، هو فكرة انتصار القوة والشباب وجمال الحياة على الهرم والشيخوخة والأباطيل المظلمة (تصفيق).
إنه فكرة جليلة جداً. قبل أن يسمّى بطل هذا العيد مار جرجس وقبل أن يسمى الخضر كان يسمّى في هذه البلاد البعل، إله الشباب والجمال والقوة والانتصار على الأباطيل، إنه البعل الذي اكتشفت، في رأس شمرا، قرب “المينا البيضا” في اللاذقية، أسطورة منازلته التنين الشرير، إنه، من بين الآلهة جميعها، البطل الذي أخذ على عاتقه مهمة عظمى هي النزول إلى التنين الذي يخيف الإنسانية ليقتله ويسحق رأسه (تصفيق).
وقد أتم البعل مهمته وقتل التنين وجاء مار جرجس، الخضر، في عهد المسيحية والمحمدية يعيدان الصورة والمغزى عينهما هو على صهوة جواده يطعن التنين تحت قوائم فرسه الطعنة القاتلة ويمحو أثره من الإنسانية. ما أجمل هذا الرمز لهذا اليوم، إنّ هذا اليوم يذكرنا بالمهمة العظمى لهذا الدور الرابع في تاريخ هذه الأمة: من البعل الأول، إلى مار جرجس، إلى الخضر، إلى النهضة القومية الاجتماعية (تصفيق شديد وهتاف).
هذه النهضة التي جعلت مهمتها الأولى قتل التنين وإخراج هذه الأمة إلى المجد والعز (هتاف).
ما أشد الأباطيل ظلماً وما أخبث التنين الذي ننحدر لمنازلته ولسحقه. إنه تنين عديد الرؤوس كثير البراثن والمخالب وحاد الأنياب. إنه تنين عظيم جداً. إنه تنين مزدوج مشترك من فساد الذل في أجيال عديدة مرّت في هذه الأمة، ومن إرادات أجنبية تتحالف مع الذل والفساد، تننساب في سهولنا وأوديتنا، تحاول الالتفاف علينا لخنقنا، تحاول القضاء على ما في نفوسنا من شرف، تحاول أن تمنع عنا ذروة المجد والشرف! (هتاف).
إنها أنابيب النفط التي يبيعها الفساد للأجنبي بيعاً، أنابيب ما أشبه انسيابها في أراضينا بتلك الأفاعي التي تنساب نافثة سمومها! إنها الرشوات تعطي لأبناء الذل لورثة الظلم في الأمة ليعلنوا ما لا يريد الشعب إعلانه، لا ليعلنوا إرادة الشعب، بل ليعلنوا إرادة الأجنبي المفروضة على الشعب لذله (هتاف).
إنها اليهودية الجديدة، المتصهينة، الزاحفة تحت سلاح إنترناسيوني عظيم واسع! إنها الاحتكارات الخصوصية في شعبنا! إنها الإقطاعات التي تقيم من بعض الناس سادة يستعبدون الكل! إنها رأسمالية مادية خانقة تقطع العامل والفلاح في هذه البلاد الذي هو كل البلاد وكل الشعب! (تصفيق وهتاف).
كل هذه أشياء من المادة حقيرة تداس بالأقدام. إنها قوى عظيمة لذلك التنين الخبيث! ولكننا نحن أمة لم تخف في الماضي من تنين خبيث وليست بخائفة الآن ولا تخاف في المستقبل من اي تنين هائل عظيم! (تصفيق).
نحن أمة كم من تنين قد قتلت في الماضي ولن يعجزها أن تقتل هذا التنين الجديد. قد كان شأن هذا التنين خطراً عظيم الهول بين مختلف الحزبيات الدينية والعشائرية، بين مختلف الأنانيات الفردية الحقيرة التي لا تسأل عن مصير شعب ولا عن حياة أمة.
أما اليوم فيختلف شأن التنين عنه في الماضي، لأنه يرى أمامه اليوم شيئاً لم يكن موجوداً من قبل ـ يرى الحزبيات الدينية تزول وتفسح الطريق للنهضة القومية الاجتماعية المنتصرة! (تصفيق) ـ يرى السياسات الخصوصية تتفرق من أمام الحزب الموحد، يرى جيشاً لجباً تتقدمه رايات والوية تلوّح بزوبعة هي رمز دين جديد هو دين الإخاء القومي الصحيح والنهوض بهذه الأمة إلى سماء المجد (تصفيق).
إنّ شأن التنين لم يعد كشأنه يوم لم تكن النهضة القومية الاجتماعية موجودة. إنّ شأنه مع البعل مع الخضر مع مار جرجس هو شأنه مع نهضة تسحق التنين سحقاً نهائياً (تصفيق طويل).
ايها القوميون الاجتماعيون، يا أبناء البقاع،
إنّ هذه النهضة القومية الاجتماعية تأتيكم برسالة هذا معناها. إنّ خير هذه البلاد هو لكم لتنتجوه بسواعدكم وتقتسموه بينكم اقتسام الأخوة القومية الاجتماعية (تصفيق).
إنّ رسالة هذه النهضة هي أنه لا يجوز مطلقاً أن يجوع المرء الذي ينتج ليشبع الجياع! إنّ من تعاليم هذه النهضة الأساسية أنّ الأرض للأمة لا للأفراد (تصفيق حار).
الأفراد هم قيّمون على الأرض باسم الأمة ولها، وليس لهم أن يتصرفوا فيما يعرقل تقدمها وفلاحها (تصفيق).
نحن نقول بحياة الأمة لا بقتلها ليحيا أفراد ليسوا من الأمة في شيء، ولا يمكن أن يكونوا، لأنهم جعلوا قضيتهم قبل مصلحة الأمة، لأنهم يعملون في سبيل باطلهم (تصفيق).
لا يمكن قط أن يوجه إلينا هذا السؤال: ماذا عملتم وماذا تعملون؟ (إشارة إلى ما ورد في كلام بعض الخطباء أنّ بعض الناس يسألون) إنّ ما عملناه اليوم كان يعدّه هؤلاء الكفرة معجزة ستعجز هذه الأمة!
ولكن الأمة كانت عظمتها على قدر عظمة المعجزة. إنها كانت أهلاً للمعجزة فأصبح اليوم الجميع، المحمدي والمسيحي والدرزي، في نهضة قومية اجتماعية واحدة جعلتهم أمة واحدة ومصيراً واحداً (تصفيق).
إذا كان هذا لا يعدّ عملاً، فماذا عمل غيرنا؟ وماذا يعمل الذين يسالون ماذا نعمل نحن؟ نحن لا نركب السيارات الفخمة إلى المقاصف لشرب الوسكي وسماع الأغاني الجميلة. نحن لا نذهب إلى اجتماعات خفية ونقفل الأبواب مع عمال مأجورين للمساومة على مصالح الأمة! نحن نسير على أقدامنا ونعمل في أرضنا ونقف تحت الشمس شرفاء أعزاء ونأبى كل ما يعترض إرادتنا الحقة في الحياة!
نحن نعمل شيئاً جوهرياً هو وحدة قومية اجتماعية صحيحة. وإذا قلناها سورية فليس ما يضير هذه الجبال، جبال لبنان السورية التي هي أعظم حصن لسورية كلها، لأنه إذا نهض اللبنانيون ليشملوا بشعورهم وأفكارهم كل سورية فليس ما يضير اللبنانيين، بل ما يرفع شأنهم (تصفيق).
أيها القوميون الاجتماعيون،
الجهلة فقط يتساءلون ماذا فعلتم، أما الذين يفهمون فقد يعرفون أنكم حققتم شيئاً أساسياً جوهرياً هو وحدة الأمة في الشعور والمصالح والإرادة. لا يمكن لأمة تحت الشمس أن تحقق مطالبها إلا إذا كانت موحدة في عقيدتها، في نظامها، في مبادئها (تصفيق وهتاف).
لا يمكن لقائد، مهما كان عظيماً، أن يربح معركة إلا بجيش منظم مجهز. لا يمكن أن يسير قائد إلى حرب بدون جيش ونظام، إنّ الذين يريدون أن نحارب بلا جيش منشّأ ومدرب، وبغير نظام، يريدوننا أن نأتي بجيش من وراء الغيوم، لأنهم فقدوا كل ثقة بالنفس وبالأمة. نحن نقول ونؤمن أنّ الجيش الذي سيربح معركة البعث القومي والنهوض الاجتماعي سيكون جيشاً يصعد من تحت الغيوم إلى قنن المجد والخلود!
ليست رسالتي أن آتيكم بشيء غير حقيقي. رسالتي هي أنتم. وإيمانكم وعملكم يثبتان أنّ إيماني بكم كان في محله.
لم آتكم مؤمناً بالخوارق، بل أتيتكم مؤمناً بالحقائق الراهنة التي هي أنتم. أتيتكم مؤمناً بأنكم أمة عظيمة المواهب جديرة بالخلود والمجد. وإنّ الذين يقولون عكس ذلك هم دجالون يريدون أن يصرفوكم عن معدنكم الصحيح ليستغلوا ما فيكم من شهامة ليسيروا هم إلى مآربهم المجرمة!
ايها القوميون الاجتماعيون،
أنتم في تاريخ هذه الأمة دورها الرابع، دور تقدم الأمة كلها لمواجهة التنين الذي وصفت لكم هوله ومخاطره:
البعل ـ مار جرجس ـ الخضر ـ النهضة القومية الاجتماعية هي أنتم وإيمانكم وما أعطاكم الله.
إنّ النهضة القومية الاجتماعية وروحها قد وضعت على أكتافكم عبئاً كبيراً عظيماً لأنها تعرف أنّ أكتافكم أكتاف جبابرة وسواعدكم سواعد أبطال.
إننا نتقدم بنمونا ونتقدم بنظامنا إلى المعركة الخيرة التي سيشهد العالم ويبارك التاريخ حروبها المنتصرة والتي ترفع علم المجد لهذه الأمة الشريفة.
هذا ما نفعله نحن وسيرى العالم ويشهد. ولسنا بمستبقي الحوادث. نحن نترك للأفعال أن تسطّر في التاريخ ما نحن وما نفعل.
إذا كنا لا نصيح ولا نولول فلأننا أرقى من جميع هذه المظاهر، لأننا نعمل بالعقل والايمان والتنظيم النافع وسيرى العالم هذه النتائج وسيكون الانتصار الذي لا مفر منه. ولنهتف لهذه الجبال اللبنانية، العظيمة ليس للبنان فقط بل لسورية كلها (تصفيق وهتاف شديدان).
النظام الجديد، المجلد 1،
العدد 3، 1/5/1948