رأي النهضة – مرشحو الديمقراطية
الديموقراطية. الاشتراكية. الشيوعية.
هذه ثلاثة أسماء لغير مسمى واحد ولكن مقررات المؤتمرات الشيوعية الأخيرة وتعليمات موسكو تقول إنّ هذه كلها شيء واحد: الشيوعية السياسية والثورة العالمية.
بعد ظهور الشيوعية والفاشستية أصبح العالم منقسماً إلى ثلاث فرق: الديمقراطية والشيوعية والفاشستية. وكانت الشيوعية أشد الحركات هزءاً بالديمقراطية، لأنها، في عرفها، تطلق يد المستغلين وراء ستار من الرياء كثيف. فتهكمت على جميع مظاهر الحريات الديمقراطية وبالغت في استنكار هذا الأسلوب الذي يحمي الرأسمالي المستثمر حماية تامة ويجعل الشعب ألعوبة سياسية في ايدي مثيري الغوغاء الاستغلاليين.
وقامت الفاشستية والاشتراكية القومية على اساس أنّ القومية أساس في إعادة التنظيم الاقتصادي. وظلت الديمقراطية متمسكة بحرية القول والفكر والعمل.
وأخذ النزاع الفكري بين هذه الشيع الثلاث مجراه الطبيعي. فتمسكت الشيوعية بنظرية حرب الطبقات، وحافظت الديمقراطية على نظرية الحرية والمساواة تجاه القانون، وعملت النظامية بنظرية توفيق الطبقات ضمن الأمة.
ومر زمن ووقفت فاعلية الحركة الشيوعية فأدرك الشيوعيون أنّ مراميهم من القبض على زمام جميع العمال في العالم وتحويلهم إلى قوة ثورية تتحرك وفاقاً لمشيئة موسكو قد أصبحت بعيدة التحقيق. فلجأوا إلى الحيلة والخداع فقرر المؤتمر السابع المنعقد سنة 1935 وجوب الايعاز إلى الأحزاب والمنظمات الشيوعية أن تسير على خطة زج أفراد منها في منظمات العمل اللاشيوعية وفي المنظمات الأخرى ذات الشأن، لإفساد هذه المنظمات والعمل فيها على بث الدعاوة الشيوعية.
والحزب الشيوعي في سورية يسير على هذه التعليمات العالية. فالشيوعيون يندسون بين الأحزاب ويتظاهرون بكل مظهر جذاب ويلبسون لكل حالة لبوساً خاصة. فهم تارة شيوعيون يقولون بالثورة لإلغاء القومية الخبيثة مسببة الحروب وإنشاء سلطان العامل، وطوراً قوميون ينادون بحماية مصلحة الأمة تقليداً للأحزاب القومية، وحيناً ديمقراطيون يقولون بالحريات الديمقراطية والمحافظة عليها.
والشيوعيون في وطننا قد تعلقوا بتعابير النهضة القومية التي أنشأها الحزب السوري القومي فأخذوا يستعملونها وينادون بها كأنها من صنعهم. فقاموا يحاربون الإقطاع، وهذا أسسه الحزب السوري القومي، وينادون بصيانة مصلحة العامل وهذا ما جعله الحزب السوري القومي في صلب مبادئه. واستعاروا من هذا الحزب فكرة القومية كما استعارتها الأحزاب الأخرى، وقاموا يطنطنون بها وراء ألفاظ من الديمقراطية والشيوعية والوطنية.
هؤلاء بعض “مرشحي الديمقراطية” للنيابة في لبنان. والبعض الآخر لا مذهب سياسياً أو اقتصادياً لهم ولكنهم يستعملون الديمقراطية رياء وزلفى ليصلوا إلى غاياتهم وهم النفعيون.
إنّ الديموقراطية من حيث إنها تعني أنّ الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة هي أساس ثابت لا يزعزعه شيء. أما التلاعب بهذه اللفظة حتى تعني الفوضى والرياء والزلفى فأمر يعيب الأمة.
ومما لا شك فيه أنّ الديمقراطية تأتلف وجميع أشكال الحكم الممثل الشعب ولا تأتلف مع الشيوعية التي اتجهت نحو تمثيل الطبقة.
أنطون سعاده
النهضة، بيروت
العدد 2، 15/10/1937