كلمة الزعيم في تأبين ميشال زكور
أيها السوريون القوميون،
مات ميشال زكور ففقدت الدولة بموته رجلاً من رجالها الكبار، رجلاً كانت الدولة تفتقر إلى مثله، وخسرت النهضة القومية خصماً في العقيدة شريفاً كان وجوده في الحكم إحدى الضمانات لسلامة حرية الفكر. كان الرجل رحب الصدر، واسع العقل يدرك أن اختلاف العقائد والنظريات [ليس] إثماً.
كان ميشال زكور أحد رجال السياسة السابقين النهضة القومية الذين يكون وجودهم في الحكم ضرورياً لتمهيد الطريق أمامها. فهو كان مؤهلاً لإدراك عوامل تطور الشعوب ونمو الأمم. وكان لا يزال أمامه مدى للاتساع وقابلية للتطور. إنه لم يكن جامداً متحجراً ولا ضيقاً نزقاً فما [إن] ظهرت النهضة القومية حتى اعترف بخصومته لها ولكنه اعترف أيضاً بإبداعها وبتقديره فضائلها ومراميها الإصلاحية ففتح في مجلته المعرض مجالاً واسعاً لمجاريها الفكرية ونظرياتها ومبادئها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لقد أقرّ ميشال زكور الحزب السوري القومي على جميع مبادئه وخالفه في العقيدة القومية ومدى ما يجب أن تشمله فاعلية النهضة ونظامها، فقال بادىء بدء بحصر النهضة في لبنان. ولكن فاعلية النهضة كانت شاملة فلم يمكن حصرها، لأنها جمعت فيها مصالح الأمة التامة وقضاياها الكلية. ولم تلبث هذه الفاعلية العجيبة النامية أن فعلت في ميشال زكور نفسه الذي كان معداً بفطرته للإحساس بالقضايا الأساسية وإدراك المنطق السليم.
وليس ميشال زكور هو الوحيد من بين جميع خصوم الحركة السورية القومية الذي تناوله تيار هذه النهضة. فإنه من السهل جداً الوقوف على التطور الخطير الذي أحدثته نهضة الحزب السوري القومي في مجموع الأمة وفي عقليتها العامة وفي أنظمتها ومؤسساتها. من تتبع نشوء الجمعيات والمؤسسات وحركاتها وأعمالها، فإنها كلها أخذت تقلد الحزب السوري القومي في مظاهره وأنظمته وتعابيره، إلا التفكير القومي الصحيح وروح النهضة الحقيقية؛ فهذان عنصران جوهريان من عناصر النهضة السورية القومية تقصر الجمعيات والمؤسسات التقليدية عن بلوغهما ولا سبيل إلى تقليدهما تقليداً ناجحاً.
لم يكن ميشال زكور في عداد مقلدي النهضة القومية بل أحد المتقدمين النهضة المعدّين السبيل أمامها؛ فلهم تفكير يعلو عن تفكير جيلهم وقوة نظر ترى ما ترى فهؤلاء وإن زعموا أنهم خصوم للحركة السورية فهم مستعدون أكثر من غيرهم لمطاوعة فاعليتها. وتظهر هذه المطاوعة في معالجة كل مسألة سياسية أساسية، فإن المعالج المخلص لا يلبث أن يرى نفسه متجهاً بحكم الإخلاص في المعالجة نحو وجهة نظر النهضة القومية. وهكذا نرى أنّ روح نهضتنا تفعل في كل مجتمعنا، حتى في الذين جاهروا بأنهم خصومنا في العقيدة والاتجاه. هذا دليل على أنّ مبادىء النهضة من مبادىء الحياة لأمة حية.
قال ميشال زكور بحصر فاعلية النهضة في لبنان ولكنه حين ابتدأ يعالج قضايا حياة الشعب اللبناني ومصالحه أدرك أنّ مصلحة الشعب الذي يخدمه ليست في وضع هذا الشعب في قالب حديدي يمنعه من النمو ويعزله عن مجال الحياة. إنّ مبدأ الحياة نمو واتساع الشعب الحي هو الذي ينمو ويتسع.
إنّ آخر تصريح سياسي للفقيد هو تصريحه بشأن مسألة طرابلس، ونشر منذ بضعة أيام. وفي هذا التصريح يقول زكور: “إنّ لبنان كله لسورية وسورية كلها للبنان”. وقد وضعه هذا التصريح الخطير في مجرى النهضة السورية القومية التي لم تؤسس لنقض مصلحة الشعب اللبناني بل لتنميتها.
اقترب ميشال زكور بتصريحه الأخير من النهضة السورية القومية اقتراباً واضحاً. اقترب الفقيد الكبير اقترابا كليا من هذه النهضة القومية الرامية إلى تغيير تاريخ هذه الأمة، القائلة إنّ مصلحة الشعب اللبناني هي في إدراك حاجات الشعب اللبناني الضرورية والكمالية، وفي إدراك المسائل الكبرى التي تعالجها النهضة السورية القومية لخير لبنان والشام.
“لبنان كله للشام والشام كلها للبنان” ومعنى هذا التصريح البعيد الأثر الذي فاه به ميشال زكور أنّ هنا أمة تتقدم مصلحتها على كل الاعتبارات الوضعية أو الاصطلاحية. معنى ذلك أنّ كل عدو طامع في شبر من هذا الوطن المقدس سيجد الأمة كلها في لبنان والشام جسماً واحداً يدافع عن حقه ومصلحته ويحارب ويغلب.
أيها القوميون،
لقد خسر الحكم في لبنان بموت ميشال زكور خسارة كبيرة ونحن نعدّ فقد ميشال زكور خسارة لنا.
إننا قد فقدنا رجلاً من رجال الدولة الذين قدّروا عوامل نهضتنا القومية الآخذة في توحيد الشعب وإزالة الحواجز الطائفية وتثبيت المجتمع على أساس اجتماعي اقتصادي متين.
أيها القوميون،
ثقوا بأنفسكم، لأنكم إذا وثقتم بأنفسكم وثقتم بعقيدتكم وبعملكم التعميري.
ثقوا بنهضتكم، لأنها النهضة الفاعلة التي ستنقذ الأمة وتشق أمامها طريق الحياة.
أنطون سعاده
الجمهور، بيروت
السنة 1، العدد 39، 28/6/1937