ملحق رقم 1 – الجهاز الحكومي وموقف الوزير جنبلاط
في حديث أدلى بهه مؤخراً إلى الصحفيين وزير الاقتصاد في الحكومة اللبنانية، السيد كمال جنبلاط، تصريحات جارحة للإدارة القائمة في لبنان. وقد اتخذت جرائد معينة تصريحات الوزير أذاناً بالدعاوة لشخصه، كما أنّ جرائد أخرى معينة رأت فيها ما يمس غيره من الحكوميين فانبرت للدفاع عنهم.
لقد تذمر الشعب ولا يزال يتذمر من الحالة الإدارية السيئة التي انكشف عنها جهاز الدولة، بعد أن رُفعت عنه السلطة الإدارية الأجنبية، وجميع ما أدلى به السيد جنبلاط ليس فيها شيء واحد جديد، فماذا يقصد هو بتصريحاته؟
هل يقصد شيئاً غير الدعاوة لشخصه في هذه الآونة والانتخابات على الأبواب؟
لولا لم يكن ذلك كل القصد، لما لجأ حضرته إلى تلك الطريقة الإذاعية التي لا تتفق ولا بشكل من الأشكال مع الوظيفة التي يشغلها.
إنّ السيد كمال جنبلاط (ولا يؤاخذنا إذا كنا قد طرحنا جانباً لقب “بك” الإقطاعي الذي يلازمه) هواليوم وزير، وبهذه الصفة أدلى بتصريحاته إلى الصحفيين، وكونه وزيراً يعني أنه جزء لايتجزأ من الحكومة التي يؤلف جميع وزرائها وحدة تامة. فكل انتقاد أو تشهير بالحكومة يعيب كل جزء من أجزائها على السواء، والوزارة كلها التي تشكل وحدة إدارية مسؤولة بكاملها عن كل نقص أو خلل في الإدارة العامة والجهاز الإداري كله.
إنّ تصريحات الوزير جنبلاط عينها هي من أشد أدلة فساد الإدارة والجهاز الحكومي في هذه الدلالة لأنها برهان قاطع على عدم احترام الوزراء أنفسهم لمبادئ الحكم الأساسية، وعلى خروجهم على هذه المبادئ كلما أرادوا اكتساب شهرة فردية أو غاية شخصية.
الحكومة جهاز موحد متكافئ متضامن في الصلاحيات وفي المسؤوليات، ولذلك تواجه الحكومة المجلس النيابي كتلة واحدة متضامنة. فلا يجوز أن تنقسم على ذاتها ولا يجوز أن يخرج عليها أحد أفرادها وهو منها وباقٍ فيها.
إنّ ذكاء السيد جنبلاط كان يظهر قبل توليه الوزارة وتضامنه مع أقرانه الوزراء، كما يجب أن يظهر وهو نائب فقط، وأن يبقى في النيابة رافضاً الوزارة ليتمكن من مهاجمة الحكومة وانتقادها كلما رأى المصلحة العامة تقضي بذلك.
والظاهر أنّ السيد جنبلاط يجهل أنّ ما يصح أن يقوله وهو نائب لا يصح أن يقوله وهو وزير – لا يجوز أن يكون واحداً في الحكومة وحاملاً عليها.
وماذا يستفيد الشعب من النقد السلبي الصائح:
أنظروا الفساد، أنظروا الفساد….
إنّ هذا الصياح يكاد يفعله كل فرد من أفراد الشعب اللبناني باستثناء فئة المستغلين، وهو لا يفيد في ما يحتاج إليه من إصلاح وإنشاء.
لا يصعب علينا تتبُّع الغايات المحدودة التي جعلت السيد جنبلاط يقف مواقفه المتناقضة.
وهو شاب ذو مركز إقطاعي موروث، قد تعلم بعض العلم وانخرط في السياسة بمطامع ومطامح غير قليلة، فلم يخرج على قاعدة واحدة من قواعد السياسة القديمة التي يئنّ منها الشعب، السياسة الفردية الشخصية التي أساسها الفرد وغايتها الفرد.
هو أيضاً شاب ذكي يعرف كيف يستخدم مركزه ودرجة علمه لاكتساب المنزلة التي يسعى لإحرازها، فمال أولاً إلى بعض تكتلات الشبان التي كانت حائزة رضى الأجنبي المحتل لأنه أدرك أهمية الدور الذي تلعبه تكتلات الشبان. وفاز بالنيابة فرأى أن يوطد مركزه فيها، ثم اتصل بدوائر الحزب القومي وأظهر أنه يفهم هذه الحركة فهماً جيداً ويقدّر غايتها السامية، وحاز بهذه الطريقة رضى بعض الإداريين في هذه الحركة.
وأخيراً دخل السيد جنبلاط الوزارة ليوثق علاقاته بالناس. فلما اصبح في هذه االمركز، وقد اكتسب صداقات كثيرة بعضها قديم كصداقاته للفلانج، وبعضها جديد كصداقاته الظاهرة للقوميين الاجتماعيين، فضلاً عما ورثه من حزبية بيته الإقطاعية، رأى أن يتوج كل ذلك بصيحة تظهره بمظهر البطولة.
ولكن أية بطولة هذه أن يغدر وزير بوزارته وحاكم بحكومته؟
لو كان السيد جنبلاط مخلصاً للمبادئ والمصلحة العامة غير المغشوشة لكان حاول أولاً الإصلاح ضمن الوزارة، فإذا وجد ذلك مستحيلاً استقال أولاً ثم حمل على الحكومة ثانياً، ولكنه يريد إصابة هدفين برمية واحدة: أن يطعن الحكومة ويظل متمتعاً بمنزلة اكتسبها فيها.
كل فرد ذكي مخلص للشعب خصوصاً متى كان شاباً متعلماً يعرف اليوم أو يجب أن يعرف أنّ الإنشاء والإصلاح العموميين لا يمكن أن يكونا عملاً فرديًّا بل مجموعيًّا وأنه لا يمكن هذا العمل أن يكون استبداديًّا فوضويًّا بل عقائديًّا منظماً.
فالطريق الواضحة أمام موقف السيد كمال جنبلاط هي: أن يختار إلى أي حزب أو تشكيلة يريد أن ينتمي وأية عقيدة أو مذهب اجتماعي أو سياسي يريد أن يعتمد ليقوم بعمل منظم تمتحن فيه الأقوال والأفعال بالعقيدة والمبادئ والمناهج والنظام.
ليختر السيد كمال جنبلاط بين أن يكون شيوعيًّا أو اشتراكيًّا أو فلانجيًّا أو قوميًّا اجتماعيًّا إذا أراد أن يقوم بعمل بنائي واضح، أو فليضع عقيدة جديدة يدعو إليها.
ولا مانع من أن يطعن الحكومة، بشرط أن لا يكون أحد أركانها إذا لم يكن يريد أن يكون الطعن في الحكومة طعناً في نفسه في الوقت عينه.
لم أحلل طريقة تصريحات الوزير جنبلاط والغاية منها لأنقذ الحكومة، كلاًّ.
إن تحليلي المتقدم يزيد مسؤولية الحكومة ومسؤولية الوزير جنبلاط معاً.
“نقلاً عن كتاب قضية الحزب القومي،
بيروت، ص 214 – 218″