منفذية ملبورن تحيي ذكرى الثامن من تموز
أقامت منفذية ملبورن في الحزب السوري القومي الاجتماعي، احتفالاً بمناسبة الثامن من تموز، ذكرى استشهاد زعيم الأمة، ومؤسس الحزب أنطون سعاده، حضره المنفذ العام الأمين سمير الأسمر، رئيس الندوة الثقافية المركزية الأمين إدمون ملحم، الأمينان حبيب سارة وسايد النكت، وعدد من المسؤولين الإداريين وحشد من القوميين الاجتماعيين والمواطنين والأصدقاء، كما حضر قنصل لبنان العام في ولاية فكتوريا، ووفود من الحزب الشيوعي اللبناني، حركة أمل، التيار الوطني الحر وتيار المردة، الإعلامية ريم ديب من الوكالة السورية للأنباء سانا، وممثلون عن عدد من الجمعيات والنوادي الاجتماعية والخيرية والرياضية.
افتتح الاحتفال بالنشيدين الوطني الأسترالي والسوري القومي الاجتماعي، ووقف الحضور دقيقة صمت لروح سعاده وشهداء الحزب السوري القومي الاجتماعي.
عرّف الاحتفال الأمين حبيب سارة بكلمة رحب فيها بالحضور، جاء فيها : “أنا لا يهمني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت، لا أعد السنين التي عشتها، بل الأعمال التي نفذتها، هذه الليلة سيعدمونني، أما أبناء عقيدتي فسينتصرون وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي، كلنا نموت، ولكن قليلين منا يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة، يا خجل هذه الليلة من التاريخ، من أحفادنا، من مغتربينا، ومن الأجانب، يبدو أن الاستقلال الذي سقيناه بدمائنا يوم غرسناه، يستسقي عروقنا من جديد”، هكذا تكلم سعاده قبل اغتياله، وهكذا واجه الموت مجسداً ما كرّس وعلّم بالقدوة، أن الحياة كلها وقفة عز، وآخر ما نطق به، كان شكراً، شكراً، وقطع ثالثها أزيز الرصاص ممزقاً جسده ومطلقاً روحه من سجنها، إلى رحاب الحرية خالدة تحوم، إنها الآن هنا بيننا، ظنوا مخطئين أنهم بقتلهم الجسد يقضون على نهضة أسس لها، وهو القائل : “أنا اموت أما حزبي فباقٍ، وها هو يا زعيمي حزبك باق رغم كل ما تعرّض له من نكبات، كما علمتنا حين قلت، نحن لسنا في الحياة أكواماً متراكمة بل نحن قوة حية فاعلة، وها هم أبناء عقيدتك يجسدون اليوم أكثر من أي يوم مضى، أننا على دربك سائرون، مرابطون اليوم على بعد أمتار من أعداء الوجود، مرددين معك، إن الدماء التي تجري في عروقنا عينها ليست ملكاً لنا، بل هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها، كما وجدت في فجر الثامن من تموز دماءك، ولم تتردد أو تهاب أو ترتعش، من لحظة الموت، الذي كنت ترى به طريقاً للحياة، وها نحن نحيي ذكرى استشهادك هذا العام، وحال الأمة في أسوأ حال، ماذا عسانا ان نقول، في كل يوم، ومع كل إشكالية في أي كيان من كيانات الأمة تثبت مقولاتك أنك وحدك كنت وما زلت الحل، أخافتهم الحقيقة التي أعلنت فاغتالوك، وظنوا بذلك أنهم يغتالون الحقيقة، وختم محيّياً سعاده، وكل من سار على دربه، وروى أرض سورية بدمائه، وجدد ترحيبه بالحضور باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، وباسم رئيسه الأمين ربيع بنات، وباسم منفذية ملبورن.
ثم ألقت مراسلة وكالة سانا الإعلامية ريم ديب، أكدت فيها أنّ جريمة اغتيال مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي في الثامن من تموز عام 1949، لم تُطوَ بمرور السنين، ولا يمكن لها أن تطوى، وهي استهدفت اغتيال فكره وحركته لنهوض الأمة و حريتها، إنّ ذكرى اغتيال سعاده المفكر والفيلسوف الإنسان، كانت جريمة بحقنا جميعاً، لا بحق سعاده وحده، لقد اغتالوه لأنه لم يؤسس حزباً بالمفهوم الضيق أو البسيط كبقية الأحزاب، بل أسس حركة نهضوية صراعية من أجل تثبيت قيم الحق والحرية، ووضّحت ديب دور المرأة في نهضة سعاده، والأهمية التي أولاها لها في مقولاته، ليس العمل القومي وقفاً على الرجال، ولن يكون العمل قومياً حتى تشترك فيه المرأة، والشهيدة البطلة سناء المحيدلي وعشرات الشهيدات، أكبر دليل على ما توقعه سعاده.
ثم ألقى ممثل حركة أمل في ملبورن الأخ علي الأمين كلمة الحركة جاء فيها أنّ مشهدية تلك الليلة المشؤومة التي قال عنها سعاده أن التاريخ يخجل منها، هذه المشهدية التي تمزج بين البطولة والتحدي والعنفوان والحزن، يحار المرء من أين يبدأ الحديث، أنطون سعاده ترك مخزوناً فكرياً كبيراً، لا يزال حتى الآن، وعلى امتداد بلاد الشام، يُغرف من هذا المخزون، لقد كان سعاده من أوائل من نبه للخطر الصهيوني، وكان لا يزال في سن دون العشرين سنة، فكتب عن المشروع الصهيوني وكيفية مواجهته، وهو في السابعة عشر من عمره، ودعا لمقاومة المشروع ولو بالقوة، وختم الأمين أنّه بعد ثمانية عقود على استشهاد سعاده، أين القتلة؟ في مزابل التاريخ، ونحن في حركة أمل نفاخر أننا مع الحزب السوري القومي الاجتماعي.
ثم ألقى مسؤول تيار المردة السيد نبيل حنا، كلمة التيار، قال فيها أن اغتيال سعاده كان في مثل هذا اليوم، فكان موته كحبة القمح التي تموت، لتحيا ملأى سنابل، ويحيا الزعيم بأجيال قادمة، إنّ مبادئ سعاده الإصلاحية ما زالت حتى اليوم تشكل خشبة خلاص للبنان، ووجه حنا تحية باسم تيار المردة للحزب و لمنفذية ملبورن.
كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي ألقاها رئيس الندوة الثقافية المركزية الأمين إدمون ملحم، قال فيها إنّ العظماء في التاريخِ هم أشخاصٌ أضاؤوا سُبلَ الفكرِ وعمَّقوا الوجدان، وخرجوا من حدودِ الزّمانِ والمكان، وراحوا يخطّطون لحياة جديدة، ويرسُمون مثلًا عليا بديعة لمجتمعاتِهم، والأشخاص العظماء خالدون في الدنيا لأنَّهم يشهدون لأنفسِهم، ويُثبِتون عظَمَتهم بأعمالِهم وإنجازاتِهم الكبيرة، فهم لا ينتهون بسقوط أجسادِهم وموتها، بل هم يستمرّون بسيرتِهم وأدوارِهم المُميَّزة وبأعمالِهم التي لا تفنى، فهم القدوة الحسنة، والمِثال، وهم الشعلة الوهَّاجة، التي تنير الدرب لشعوبهم وللأجيال الآتية، واليوم، نحن هنا لنُحْيي تلك المُثُل العليا، والقِيَمَ السامية التي تجسَّدت في مسيرة حياة رجل عظيم ظهر في هذا الوجود، كهبة كبيرة، جادت بها السماء على وطننا الخصيب زرعًا، والبديعِ جمالاً، هبة تموضعت كوكباً إنسانيًا يُرسل وميضًا إلى قلوبِ الناس، ويبعث شعاعًا ولألاءً في نفوسهم، وينقلهم من التفكير بتوافهِ الأمورِ وصغائرِها، إلى التفكير في الغايات العامة الكبيرة، ومطالب الحياة السامية النبيلة، ويزوّدهم بقوّةِ الإرادة والإيمان للسير في طريق النهوض والمجد، هذا الرجل رفض أنْ يُمضيَ حياته في هم وشجن وندب، سائرًا مع القطعانِ البشرية، ومستسلمًا لواقعِ أمته المجزَّأة إلى دويلات صغيرة، والمغلوبة على أمرها، رفض أنْ يستكين في ظلال الصمت والطمأنينة، وخمول السلامة والتردد والكسلِ، وقرر أنْ يلبي نداء الوجدان، وينقذ شعبه من معضلاته، فوجد الحل الإنقاذي الجدي، بمشروعِ النهضة القومية الاجتماعية، التي تعيِّن الاتجاه والغاية، وتُحقِّقُ وحدة الأمة المجزَّأة، وتستعيد أجزاءها السليبة، وتنقذ فلسطين والأمة كلها من خطر المشروعِ الصهيوني الاستيطاني، وتخرجُنا من التخبط في وحول الطائفية، وقضايا المصالحِ الخصوصية، وتجمع الشعب حول قضية كلية “فيها كل الخير وكل الحق وكل الجمال”، وأضاف ملحم أن سعاده كرّس حياته لخدمة شعبِه وتحرير بلاده، مُضحيًا بوقته وراحته وهناء عائلته، ومتعرضًا للنفيِ والمحاكمة الغيابية وللدسائس والوشايات والتهديد بالقتل مرارًا، ولمْ تزعزعه المكائد والأضاليل والإشاعات الكاذبة والأصوات الخبيثة، ولم ترهبه سلطات الإرهاب والظلم والطغيان، وتهديداتها، ولم يزحزحه نفيٌ ولا سجنٌ ولا تنينُ الرَّذائل والقبائحِ، ولا مشعوذو الصحافة المنافقة، المعيوشة، ولا طائفة الخنوعِ والرجعية والعار، المنهزمين، المتعايشين، المنافقين، والساقطين في مستنقعات الذل والخيانة والعبودية والعار، لقد استخف بكلِ هذه الأهوال، وبخبائث أولئك الغادرين وسفالتهم، واستلذَّ آلام تلك الفظائعِ في سبيل الواجب القومي المقدسِ، ومشى في طريق الحق مجاهرًا ومعلمًا ومدافعًا عن حقوق أمته وحريتها وسيادتها على نفسها ومحتقرًا الذين تخلّوا عن طريق الحرية والصراعِ، واختاروا طريق العبودية والعيش الذليل، لقد جعل سعاده مجد الأمة غايته، وراح يجاهد ويكافح في سبيل شعبه بثبات وجرأة وإقدام، فلم ييأس يومًا ولم يتراجع عن مهمته الرسولية، في استنهاض أمته وتحريرها، بل كان دائمًا شديد الثقة بنفسه، وكان إيمانه بطيبة شعبه كبيرًا، فواجه التحديات، بعزم وإرادة صلبة، وعمل متواصل، وعطاء سخيٍ فكرًا وأدبًا وإبداعًا ومواقف، وباختصار، كانت حياته كلها أروع تعبير عن القيم المثالية، التي جسدها تجسيدًا حيًّا في ذاته وشخصيته، وفي أخلاقه ووقفاته التي توَّجَها بوقفة عز اختصرت كل البطولات، توّجَها بقيمة القيم، الفداء، في سبيل حرية أمته وخيرِها وجمالِها، وقيمة الفداء جسّدها سعاده في أبهى مظاهرِها وأكملِ معانيها في ليلة كالحة ظلماء، من ليالي تموز من العام 1949، في مُنازلةٍ بُطوليٍّة تذكِّرنا ببطولاتِ آلهةِ أساطيرِنا الخالدة، تذكِّرنا بالإلهِ أدونيس أو تمّوز الّذي عَشِقَ عشتروتَ وافتداها بحياتِهِ، وبكلِّ آلهةِ الخصبِ والحبِّ والحياةِ، الّتي كانَتْ تنازلُ قِوى الشر والغضب والموت، وتضحّي بحياتها من أجل ديمومة الخصب والجمال، واستمرار الحياة، جسَّدها سعاده في مواجهة بطولية نادرة بين الحق والباطل، بين قوّتينِ: قوّةٌ مثّلت روح الأمة الناهضة وعُنفوانها، وأرادت الحرية والخير والرفاهية والتقدُّم لأبناءِ الشّعب، وقوّة طاغية مثلت الظلم والعبودية، وأرادت المحافظة على نظام الفساد والطائفية والإذلال، نظام العمالة والرجعية والتبعية للأجنبي، في تلك المنازلة البطولية، لم يهتم القائد الشجاع ورجل القضية بخلاصِهِ الفردي، بل تقدَّم إلى المواجهةِ ليصونَ سلامةَ النهضةِ وليؤكّدَ صِحة العقيدة، مثبّتاً قوله “إنَّ الحياةَ كلَّها وقفةُ عزٍّ فقط”، بعد محاكمة صورية، سريعة، وظالمة، وصدور حكم الإعدام الجائر والمعدِ مُسبقًا، لم يُسمح لسعاده برؤية زوجته وبناته، وبلقاء الصّحافيين، فطلبَ أن يدّون كلمة للتّاريخِ، كما يذكر الكاهن الذي عرَّفَهُ، وممّا قاله : “أنا لا يهمُّني كيفَ أموتُ بلْ من أجلِ ماذا أموتُ، لا أَعُدُّ السِّنينَ الّتي عِشْتُها بلِ الأعمالَ الّتي نفّذْتُها، هذهِ الليلةَ سيُعدمونَني، أمّا أبناءُ عقيدتي فسينتصرونَ وسيجيءُ انتصارُهم انتقامًا لموتي.”، في صبيحةِ ذلكَ الّثامنِ من تموزَ، تقدَّمَ سعاده “بخطىً هادئةٍ قويّةٍ وَهْوَ يبتسم، لمْ ينفعلْ، كأنَّ الإعدامَ فِعْلٌ نُفِّذَ بِهِ مَرّاتٍ عديدةٍ منْ قبل، لمْ ترهِبْهُ سَطوَةُ الباطلِ وسلطانُهُ وجيوشُهُ، ولمْ يتخلَّ عن عقيدتِهِ وإيمانِهِ وأخلاقِهِ لينقذَ جسدًا باليًا لا قيمةَ لهُ، تقدَّمَ إلى خشبةِ الإعدامِ وواجَهَ الموتَ بأعصابٍ هادئةٍ، ورحّبَ بهِ طريقًا لحياةِ الأمّةِ وخلودِها، في تلكَ اللحَظات، تجسَّدَ فعلُ البُطولةِ النّادرةِ بقولِهِ للجلّادينَ وهْوَ ينظرُ إليهِم نظرةَ التّحدّي: “دعوا عينيَّ مفتوحتَينِ لأرى الرّصاصَ يخترقُ صدري”، وانهمرَتْ رصاصاتُ الحِقدِ والغَدْرِ والخيانةِ عليْهِ واخترقَتْ صدرَهُ وهْوَ يردّدُ بسموٍّ وأخلاقٍ عاليةٍ كلمةَ “شكرًا” لجلّاديه، وتفجّرتِ الدّماءُ الزكيّةُ انتصارًا للحقِّ والقضيّة، وافتدتِ الأمةَ ذاتَها بشهادةِ معلّمِ أجيالِها الذي جادَ بدمائِهِ كفالةً للنّهضةِ واستمرارًا للقضيّةِ، فكرّسَ باستشهادِهِ الفداءَ، أسلوبَ نضالٍ وطريقةَ حياةٍ وفعلًا إنسانيًّا بطوليًّا يختزِلُ تَوقَ الشّعبِ إلى حياةٍ حرّةٍ وكريمة، لقد سقطَ جسدُ سعاده ولكنَّ دمَهُ الوضّاءَ صارَ حكايةَ عزٍّ للأجيالِ، وحقيقَتَهُ الواضحةَ فرضَتْ نفسَها على الوجود، وحقيقةُ سعاده، تكمُنُ في فكرٍ وحركةٍ تتناولانِ حياةَ أمَّةٍ بأسْرِها، فسعاده هو فكرٌ أصيلٌ حيٌّ ومعبّرٌ عن نفسيةِ شعبِنا الجميلةِ الخلاّقةِ، وعن تاريخِهِ العريقِ وعطاءاتِهِ العظيمةِ منذُ فجرِ التّاريخ، وهو حركةُ نهوضٍ فاعلةٍ ومُهاجِمةٍ للفاسدينَ والنفعيينَ والمنافقينَ والطائفيينَ والمتخاذلينَ الأذلاء، حركةُ مقاومةٍ وقتالٍ لأهلِ الخيانةِ المتآمرينَ والمأجورينَ للإراداتِ الأجنبيةِ ولكلِّ الأعداءِ المغتصبينَ والطُّغاةِ الطّامعين، وحقيقةُ سعاده تكمنُ بثورتِهِ المستمرَّةِ على أباطيلِ الجَهلِ والانحطاطِ والأنانيّةِ القبيحةِ والمصالحِ الخصوصيَّةِ وكلِّ عواملِ التّفرقةِ والتجّزئة، وإلى ما هنالك من فوضى وأوضاعٍ فاسدةٍ تفتُكُ بمجتمعِنا وتؤدّي بِهِ إلى الضّياعِ والانهيارِ، وحقيقةُ سَعادة تكمُنُ بمدرستِهِ المناقبيةِ الجديدة والمتفوّقةِ في الفكرِ والمعرفةِ والتّثقيفِ والتّنوير، هذه المدرسةُ التي جاءت لسحقِ المثالب الفاسدة، عنوانُها الأخلاقُ الصّحيحةُ، أخلاقُ المحبةِ والتسامحِ والإخاءِ والبذلِ والتضحيةِ والعطاء، وأخلاقُ الرجولةِ والشجاعةِ والصدقِ والصراحةِ والاخلاصِ، هذه الأخلاقُ تبني النُّفوسَ العظيمةَ الممتلئةَ مطامحَ وآمالًا، وتنتزعُ من صدورِنا القلوبَ الفاسدةَ وتضعُ في مكانِها قلوبًا جديدةً تخفقُ بالإيمانِ والثّقةِ والمحبّةِ وفعلِ الواجبِ والتّضحيةِ في سبيلِ مصلحةِ الأمة وخيرها، وسعاده هو مدرسةُ العزِّ والصّراعِ والبطولةِ الواعيةِ لإقامةِ الحياةِ الجديدةِ للأمّةِ كلِّها، مدرسةُ الإيمانِ البطوليِّ الّذي أضرمَ سعادة نارَهُ في صدورِنا ودَعانا إلى اعتمادِ البطولةِ المناقبيّةِ سلاحًا وحيدًا في معركةِ الحياةِ قائلًا: “إنَّ أزمنةً مليئةً بالصِّعابِ والمِحَنِ تأتي على الأمَمِ الحيَّةِ فلا يكونُ لها إنقاذٌ منها إلا بالبطولةِ المؤيَّدةِ بصِحَّةِ العقيدةِ.”، هذهِ المدرسةُ تُخرِّجُ المصارعينَ المؤمنينَ بوحدةِ الأمّةِ، والتّائقينَ لحريّتِها، والمقاومينَ لعدوِّها المحتلِّ ولِقوى الشّرِّ والهمجيَّةِ والإرهابِ، ومن صفوفِ هذهِ المدرسةِ تخرّجَ المقاومونَ والاستشهاديّونَ الأبطالُ، وارتفعَ مئاتُ لا بلْ آلافُ الشُّهداءِ الأبرارِ تلبيةً لنداءِ الواجبِ القوميِّ، هؤلاءِ الأبطالُ ضحَّوا بأنفسِهم في معاركِ التّحريرِ والحرّيّةِ والاستقلالِ في كلِّ رُبوعِ الوطنِ السُّوريِّ في لبنانَ وفي الشّامِ وفي فلسطينَ دفاعًا عن شرفِ الأمّةِ وكرامتِها وحقوقِها وعنِ الأرضِ وسيادتها.
وختم ملحم كلمته قائلاً أنّه في زمنِ الجرائمِ والممارساتِ العدوانيّةِ في الجولان وغزة ونابلس وجنين وفي كل مدن وقرى جنوبنا السوري المقاوم، في زمن المجازرِ البَشعةِ الّتي يرتكبُها عدوٌّ لئيمٌ طامعٌ في اجتثاثِ وجودِنا، وفي السّيطرةِ على كاملِ وطنِنا وثرواتِهِ، كمْ نحنُ بحاجةٍ لنسير على نهج البطولة المؤمنة، ولنستلهمَ الدّروسَ من شهيدِ الثّامنِ منْ تمّوزَ ونهتدي برؤيته وتحذيراته، ونعي ما يحيط بنا شمالاً وجنوباً من أخطارٍ عظيمةٍ مُحدقةٍ تُهدّدُ سلامةَ الوطن ووجود الأمة، وفي زمنِ الأوجاعِ والمآسي، كمْ نحنُ بحاجةٍ لنتمسكَ بإيمانِ هذا الرجلِ ومناقبِهِ الجديدةِ ونصغي لدعواتِه لنبْذِ الأحقادِ الدّينيّةِ، والخروجِ من حالةِ الشَّرذمَةِ والانقسامات، إلى حالةِ الوحدةِ الاجتماعيّةِ والتَّسامحِ القوميِّ والمَحبّةِ القوميَّةِ، لقد سقطَ جسدُ سَعاده على رمالِ بيروتَ، ولكنَّ دمَهُ التّمّوزيَّ انتصرَ على الموتِ بإرادةِ الحياةِ، ورسمَ بلونِهِ القانيِ طريقَ العزِّ للأمّةِ وللأجيالِ الّتي لمْ تولدْ بعد، فالمتآمرونَ المجرمونَ الّذينَ ارتكبوا جريمةَ اغتيالِ سعاده، بمؤامرةٍ كبيرةٍ بهدَفِ القضاءِ على مشروعِهِ النَّهضويِّ وبناء أمجادِهِم الفرديَّةِ الحقيرةِ، هؤلاءِ المأجورونَ سقَطوا كلُّهم في مزبلةِ التَّاريخِ وانطوَوا في العدَمِ وكأنَّهم ما كانوا، أمّا سَعاده بما يمثّلُ من قضيّةِ أمّةٍ ووطن، سعاده الرَّجلُ العظيم بفكرهِ وعطاءاتٍهِ الخالدةِ ورغائبِهِ العاليةِ، بقيَ حيًّا في وُجدانِ السوريّينَ وقلوبِهم، وأمسى رمزًا خالدًا وروحًا وثّابة تتغلغلُ في النّفوسِ وتحوّلُها إلى نفوسٍ مُصارِعَةٍ تحملُ التّعاليمَ السَّاميةَ مشاعلَ نورٍ تبدّدُ ظلامَ الأمّةِ وتملأُ العالمَ جمالًا وتألّقًا وضياءً.
في الختام شكر الأمين حبيب سارة الحضور لتلبيتهم دعوة المنفذية، موجهاً النداء للجميع أن نكون أوفياء لدم سعاده، و لكل الدماء التي سالت لتحيا سورية.