الإستشهادي وجدي الصّايغ
الاستشهاديّ وجدي الصّايغ، وُلد في بلدة شارون في أعالي جبال قضاء عاليه عام 1966، من أسرة متواضعة، مُكوّنة من أبيه فضل الله ووالدته، وشقيقه رمزي وشقيقته نعمة، وبعد سنوات قليلة، أنجبت والدته ابنتها الصغرى نوال.
سيرته الذاتية:
في مدرسة البلدة، القريبة من منزله، تلقّى الشهيد وجدي علومه الأولى، وفي أزقّة قريته استطاع ومنذ صغره أن يحظى بصداقاته، حيث أحبّه كلّ من تعرّف إليه، نظرًا لروحه المرحة، و«شقاواته» الكثيرة.
انتمى إلى صفوف الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعي في بدايات شبابه، ثم ما لبث أن التحق في الجناح العسكريّ للحزب، فخضع ورفقاؤه إلى العديد من الدّورات العسكريّة، كما التحق بمراكز حربيّة كان أهمّها في المتن الشمالي.
العمليّة:
هو الاستشهاديّ الأوّل في صفوف الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، ففي 13 آذار 1985، وعلى طريق جزين – كفرحونة، اقتحم فتى الجبل الشهيد البطل وجدي الصّايغ بسيارة مرسيدس، محشوّة بما يزيد على مئة كيلوغرام من مادة الـ «ت. ن. ت.» الشديدة الانفجار رتلًا للعدوّ الصهيونيّ كان مغادرًا بلدة جزّين، وتتقدّمه سيّارة جيب في داخلها ضابط وجنديان، ففجّر نفسه، ما أدّى إلى تدمير سيارة الجيب واحتراقها وقتل من فيها، وتدمير ناقلة جند، وتدهور آليَّتَين مدرّعتين، وقد قُدّرت الإصابات في صفوف جنود العدو بثلاثين إصابة بين قتيل وجريح.
وعلى الأثر، ضربت قوّات العدو طوقًا حول مكان العمليّة الاستشهاديّة، ثمّ بدأت بإطلاق النار عشوائيًّا على المواطنين، وقد أُصيب جنود الإحتلال بحالة هستيريا وهلع.
وصيّة الشهيد وجدي الصّايغ :
أمّا في وصيته فقال: “أنا الشهيد وجدي الصّايغ، عمري 21 سنة، قرّرت أن أنفّذ هذه العمليّة الاستشهاديّة، وإيمانًا منّي بأنّنا كلّنا مسلمون لرب العالمين.. فمنّا من أسلم لله بالقرآن ومنّا من أسلم لله بالإنجيل ومنّا من أسلم لله بالحكمة، وأنّ ليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وحقّنا ووطننا إلّا اليهود، وإيمانًا منّي بأنّ تحرير الجنوب والبقاع الغربيّ وراشيا هو واجب وطنيّ وقوميّ، كما أنّ تحرير فلسطين هو واجب وطنيّ وقوميّ، ورفضًا منّي لمنطق استفراد الجنوب أو أيّ منطقة من مناطقه، وإيمانًا منّي بأنّ العدو الإسرائيليّ هو عدوّ أمّتي، وأنّ أبناء الجنوب هم أبناء بلدي وأبناء شعبي، وإنّي على طريق قائد مجموعتي الشهيد البطل نضال الحسنيّة وعلى درب حسن درويش وبلال فحص ونزيه قبرصلي وعبد الله الجيزي، وفؤاد صالح والشيخ راغب حرب وشهداء سحمر، أقدمتُ على ما أقدمت، ورددت الوديعة إلى أمّتي لأنّني أقسمتُ معهم أنّنا لن ندع العدو يرتاح. ووصيّتي إلى رفقائي وأبناء شعبي وأهلي وأخوتي أن يكملوا المسيرة، وأطلب منك يا أمّي المعذرة إذا ما تركتك دون استئذان تلبية لنداء أمّتي.. وحدة بنادقنا شرط أساسي لانتصارنا في حرب التحرير القوميّة”.
رسالة من والدة الشّهيد :
في وقتٍ لاحق، نُشرت في الصحف والمجلات المحليّة، رسالة وجدانيّة من والدة الشهيد وجدي الصّايغ، تتوجّه بها إليه فتقول: “حبيبي وجدي.. ما زلتُ أنتظر عودتك يا حبيبي كالعادة… لقد تأخّرت عليّ كثيراً هذه المرة… لكن سأنتظرك ولن أملّ الانتظار…
وجدي.. يا قرّة عيني ويا مهجة فؤادي، آلمني فراقك وأحزنني غيابك، حتى بتّ أشعر أنّ هذه الدنيا فارغة، لأنّ زين الشباب غادرها إلى الحياة الثانية، إلى دنيا الأزل، إلى دنيا الأبد، إلى دار الحقيقة الخالدة… ولن يرتاح قلبي إلّا إذا جمعنا اللقاء واطمأننت عليك.. قُل لي يا حبيبي من يسهر على راحتك، ومن يؤنسك في وحشتك، ومن يشاطرك أوجاعك إذا توجّعت، ومن يخفّف آلامك إذا تألّمت.. إنّني متأكّدة أنّك تُقيم في دار الخُلد بطلًا بين الأبطال، ومسرورًا بين الشهداء الخالدين… ولكن أسألك ليطمئنّ قلبي، فقلب الأم يا ولدي يبقى في عذاب مستمرّ وفي قلق دائم إذا لم ترَ العين فلذّة الكبد مغمورًا بالسعادة والهناء، وبعيدًا عن كلّ مكروه.
حبيبي وجدي…
صحيح أنا أمّ البطل الكبير، والشهيد العظيم الذي سطّر ملحمة البطولة الوطنيّة والعزّة القوميّة بدمه الزكيّ، ولكن في نفسي حسرة كبيرة على افتقادك لا توازيها حسرة ولا يوازيها حزن، إلّا حزن أولئك الأمّهات الثّكالى اللواتي أصابهنّ سهم الموت، لكنّ عزائي أنّك اخترت طريق التضحية بكلّ إرادتك، وفضّلت حياة البطولة والخلود على حياة الذلّ والعار، ورفعت جبيننا عاليًا كما رفعت جبين أمّتك إلى منازل العزّة والشموخ…
وما دامت الشهادة اختيارك وإرادتك، فإنّني أرتضي بما يرضيك، رغم الحريق الذي أصاب قلبي، والنار التي أحرقتني في غيابك الطويل، الذي أصبحت فيه مُلكًا لأمّتك وليس لأمّك.
والدتك التي لن تنساك”.