الاقتصاد اللّبنانيّ في العام 2022… سيناريوهان لا ثالث لهما!

عميد الاقتصاد الرفيق فادي قانصو

لا شكّ في أنّ الكيان اللّبنانيّ يقف اليوم على مفترق طرق مصيريّ يضعه أمام سيناريوهين لا ثالث لهما. بمعنى أدقّ، هل هو أمام تسوية سياسيّة جدّيّة تضعه أمام استقرار سياسيّ وأمنيّ يؤسّس لعمل حكوميّ يحاكي متطلّبات أبناء شعبنا ويكون قادراً على مواكبة التّحدّيات الجمّة وعلى إطلاق عجلة الإصلاحات الهيكليّة المنشودة والسّير قُدماً في معركة النّهوض الاقتصاديّ؟ أم أنّ البلاد أمام مرحلة من الغرق في وحول “النّكايات” السّياسيّة في دولة باتت مشلولة أنهكتها النّزاعات الطائفيّة والمذهبيّة الّتي لم تقدّم سوى أطباق من الفساد والمحاصصة والتّجويع والإذلال والفوضى الخلاّقة؟

في التّفاصيل، إنّ السّيناريو الأوّل أو التّفاؤليّ، هو رهن تسوية سياسيّة تعبّد الطّريق أمام الاستقرار السّياسيّ والأمنيّ في لبنان، مع ضرورة تفعيل العمل الحكوميّ بشكلٍ منتج يواكب عمليّة إطلاق برنامج إنقاذ شامل من أجل إعطاء صدقيّة للمساعي الإصلاحيّة المطروحة، ولاستعادة الثّقة بالوضع الاقتصاديّ والسّياسيّ والحكوميّ وثقة المغتربين والتّأسيس لمرحلة جديدة ونهج جديد ورؤية اقتصاديّة جديدة. ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ هذا المسار الإصلاحيّ شاقّ وطويل ويشوبه عدد من التّحديات والعراقيل، إذ يحتاج إلى توافر أربعة عناصر مترابطة لضمان نجاحه، صدق النّوايا بين مختلف الأفرقاء السّياسيّين لضمان المناخ المؤاتي من الاستقرار السّياسيّ والأمنيّ، حكومة توحي بالثّقة وذات مصداقيّة قادرة على تطبيق ما يلزم من إجراءات، الحشد الدّوليّ والدّعم الماليّ لتمويله، والأهمّ من ذلك عامل الوقت لتُترجم هذه الإصلاحات بشكلٍ فعليّ ونبدأ بقطف ثمارها.

في ظلّ هذا السّيناريو، من المتوقّع أن نشهد على الأقل وتيرة مضبوطة إلى تنازليّة تصحيحيّة نسبيًّا في سعر الصّرف في المرحلة الأولى، وفي حال نجحنا فعليّاً في تعبيد الطّريق أمام هذا السّيناريو في العام 2022، قد نتمكّن من ضخّ الدّمّ من جديد في شرايين الاقتصاد الوطنيّ في السّنوات اللّاحقة، ما من شأن ذلك أنّ يُؤمّن الاستقرار الاقتصاديّ المنشود والقادر على إخراج لبنان من فخّ الرّكود التّضخميّ في المدى المتوسّط، وذلك بالتّوازي مع استقرار ماليّ ونقديّ من شأنه أنّ يوحّد أسعار صرف الدّولار مقابل اللّيرة عند مستويات يمكن أن تدور في فلك الـ15,000 ليرة فيما بعد في المرحلة الثّانية، وإلاّ فلا إصلاح ولا من ينقذون.

أمّا السّيناريو الثّاني أو التّشاؤميّ، والّذي ينطوي على شلل حكوميّ في النّصف الأوّل من العام يليه فراغ حكوميّ وربما رئاسيّ في مرحلة لاحقة، فهو بمثابة انتحار جماعيّ، يحمل في طيّاته آفاق سوداويّة في ما يخصّ سعر صرف اللّيرة مقابل الدّولار، لا سيّما في ظلّ رفع دعم بات شبه كامل عن السّلع الأساسيّة وتوجّه معظم تجّار السّلع نحو السّوق السّوداء، أضف إلى ذلك تداعيات التّعديل المرتقب في أسعار خدمات الاتّصالات والانترنت على الدّولار في السّوق السّوداء مع بداية العام، ناهيك عن انعكاسات إقرار الدّولار الجمركيّ أو ضرائب أخرى على نسب تضخّم الأسعار وعلى تآكل القدرة الشّرائيّة للمواطنين، خاصّةً إذا لم تترافق مع خطوات إصلاحيّة جدّيّة. من هنا، فإنّ هذا السّيناريو قد يترافق مع اضطّرابات اجتماعيّة قد تدفع إلى ارتفاع معدّلات النّشل والسّرقة وبالتّالي قد يأخذ البلاد باتّجاه الفوضى “الخلّاقة”، لا سيّما في ظلّ فراغ حكوميّ قد يطول أمده ويدمّر ما تبقّى من أنقاض للاقتصاد اللّبنانيّ.

في هذا السّياق، من المتوقّع أنّ نشهد ارتفاعات مضبوطة نسبيّاً في سعر الصّرف خلال الأشهر الأولى من العام 2022، لاسيّما في ظلّ تمويل مرتقب للحملات الانتخابيّة (إذا ما حصل الاستحقاق الانتخابيّ)، وفي حال مدّد حاكم مصرف لبنان التّعميم 161 (المتعلّق بالسّحوبات النّقدية بالدّولار) أو لجأ إلى علاجات موضعيّة قصيرة الأمد، قبل أنّ يُعاود سعر الصّرف ارتفاعه وفق مسار تفلّتيّ ودون سقوف في ربيع العام 2022، خاصّةً في حال استمرّ الكباش السّياسيّ بالتّوازي مع تفلّت أمنيّ في الشّارع، وتحديداً إذا فشلنا في تشكيل حكومة بين استحقاقيّ الانتخابات النّيابيّة والرّئاسيّة، وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق.

باختصار، طالما أنّ الثّقة مفقودة وطالما أنّ المصرف المركزيّ يواصل طباعة اللّيرة اللّبنانيّة لسداد أجور القطاع العامّ والمستحقّات الأخرى المطلوبة من الدّولة اللّبنانية في ظلّ هذا التّراخي المستهجن من قبل أصحاب القرار، فنحن متّجهون بلا أدنى شكّ نحو الانهيار الشّامل. من هنا وفي انتظار أيّ خرق إيجابيّ ومرحّب على المستويين السّياسيّ والإصلاحيّ، فإنّ تفادي السّيناريو التّشاؤميّ، أو سيناريو “صوملة” لبنان، ممكن جدّاً وهو يتطلّب منّا أقصى درجات الوعي والحكمة مع الحاجة إلى تقديم كلّ التّنازلات الملحّة وتخفيض منسوب التّباينات وتعزيز القواسم المشتركة في ما بيننا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى