الرسَــالة 12 – ادويك
حبيبتي !
لقد مرَّ دهر لم أكتب فيه إليك. ورسالتي الأخيرة كانت “قصيرة” وأنتِ تشكين قصرها. فأنت تنسين أحياناً، نوع حياتي والمجهود العظيم الذي أبذله منفرداً لإقامة أمر لم يسبق له مثيل في وطننا ولم يسبق لأمتنا اختبار فيه. ولذلك فالمطلوب مني لا يقتصر على التفكير في مجموع العمل واتجاهه الأساسيّ وخطوطه الكبرى، بل يتناول أيضاً الاهتمام بالمسائل الفرعية والجزيئات، حتى الدقيقة جداً أو التافهة منها. وكنت قد ذكرت لك في بعض رسائلي السابقة التعب الذي حلَّ بي من جراء الانفاق المتواصل وبذل الجهد المستمر، وما كان من تأثير السجون المتكررة، المتنوِّعة، الأمر الذي أثر في أعصابي وأضعف صحتي حتى أصبحت أحتاج إلى راحة طويلة ومساعدة بعض منشِّطات الأعصاب. وكنت قد ارتحت قليلاً في بيت مري. ولكنها لم تكن سوى بضعةأيام، ثم اضطررت إلى استئناف العمل فكتبت مقالات “قضية الأحزاب الببغائية في المجلس”، وغيرها، وصرفت بعض شؤون الحزب. ثم جاء خطاب البطريرك الماروني وهو خطاب لا يمكن لنا السكوت عليه، فاضطررت لإعطاء ردّ مستعجل عليه. وكل هذه أعمال لم تكن في ظروف مناسبة لصحتي فانتكست نوعاً وآلمتني أعصابي. ولم أتمكن من التملُّص من الأشغال العارضة في الأسبوع الماضي، ومن جملتها حضور جلسة محكمة بداية الجزاء في بعبدا لدعوى مقامة عليَّ من قِبَل الحق العام بتهمة عقد جلسة حزبية في زرعون وهو حادث زيارتي لزرعون في الصيف الذي عقبه قدوم الجندرمة إلى عين القسيس والحادث الذي تعلمين. والتهمة مبنية على تقرير من مخفر برمانا! ولا دليل على ماورد فيها. وكانت الجلسة صباح يوم الجمعة الماضي وانتهت بإعلان براءتي. وكان عليَّ أيضاً أن أكتب رسالة إلى السوريين المهاجرين كان مكتب عبر الحدود قد سألني في صددها، وكنت أؤجل إلى أن صار التأجيل علّة قد لا تكون عاقبتها لمصلحة القضية. فاضطررت أن أتحمل آلام أعصابي وأكتب النداء الذي نشرته “النهضة” في عددها 67 في 4 الجاري. والتأخر في صحتي مع وجود أمور مستعجلة ملحة هو ما جعلني أنقطع عن الكتابة إليك مدة نحو أسبوعين.
لقد كان لجوابي على غبطة البطريرك وقع كبير ورديٌّ عظيم في جميع الأوساط. وأظن أني سألتك عما إذا كنت قرأته. وماذا كان تأثيره عندك، وكيف أعجبك جوابي على سؤال جريدة الجمهور: “لو لم تكن أنت نفسك فمن تودّ أن تكون؟” وقد أعادت نشرو النهضة.
إن السنة الجديدة قد جلبت معها تأمُّلات كثيرة جديدة. تأمُّلات في الماضي وتأمُّلات في الحاضر والمستقبل. ما أغرب الحقيقة، وما أشد تعقّد الحياة! وما أشدّ تفاعل العقل والعاطفة! وما أقصر الحياة وما أبعد الطموح!
هذه العبارات القوية هي كل التلخيص للشؤون والشجون الجائشة في صدري، التي لا يمكن إظهارها في رسائل قليلة متقطِّعة، فيجب أن تبقى حيث هي.
حبيبتي!
أتمنى لكِ سنة مقبلة بأحلامها وحقائقها فتجلب البهجة إلى قلبك والابتسام إلى شفتيك. وكلما سمعت “دعوة إلى الولس” من صنع weber، فتذكري نشيد الحياة الهامس في الخفاء الحافز إلى الغلبة.
أتمنى للعائلة الإقبال والخير والسلام
وأختم بقبلة من هذا البعد.
(التوقيع)
في 6 يناير 1938