الرسَــالة 13 – ادويك
حبيبتي !
فاتني اليوم موعد البريد الجوي فلجأت إلى البريد السيّار. والسبب هو في أني نهضت متأخراً هذا الصباح من تعب أمس الشديد ولم أتمكن من الكتابة أمس لأنه كان يوم ثورة نفسية قوية. فقد نهضت صباح البارح وتناولت عدد “النهضة” الأخير وأنا بعد في السرير وقرأت تحت “رأي النهضة” تعليق المحرر على بيان رئيس الوزارة الشامية(1) في صدد التأكيدات التي قدمها لفرنسة في باريس، فرأيت في هذا التعليق خروجاً على الخطة المرسومة قد يعرِّض الجريدة والحزب لعراك سياسي عنيف مستعجل لسنا الآن متأهبين لدخوله. فثار ثائري ونهضت من سريري وتوجهت بعد الحمّام البارد إلى إدارة النهضة فحاسبت الكاتب على ما أتاه وأنَّبت المحررين كلهم، لأنهم كانوا بليدي التحسُّس إلى هذه الدرجة حتى انهم لم يروا في الكتابة المذكورة ما يستوجب لفت نظري إليه قبل صدور العدد. وكانت ثورتي شديدة بقدر ما كان انفعالي، فرفست سلة المهملات وباب الشرفة فكسرت زجاجه. وأنَّبت وكيل عميد الإذاعة لتهاونه في هذا الأمر الخطير الذي قد يولّد مشاكل سياسية نحن في غنى عنها في هذا الطور الإنشائي.
وبعد أن فرغت من محاسبة إدارة التحرير على ما بدر منها، صعدت إلى مكتب الحزب وأنا لا أزال في إبّان انفعالي فوجدت رسالتك الأخيرة تنتظرني فوضعتها في جيبي، إذ أشفقت أن أفتحها وأنظر فيها وأنا في هذه الحال من الانفعال. وبعد حين فتحتها، وسرّى عني حين رأيت تحيتك المفرحة وقرأت عباراتك الحلوة، ولكن أعصابي ظلت طول النهار متاثرة من فرط الإنفعال-
هذا هو مزاجي الصعب الذي لا تنفكّ برودة البيئة والمحيط تصدمه وتؤلمه. وقد تغديت عند بيت معلوف واستلقيت بعد الغداء للاستراحة، ولكن أوجاعاً عصبية انتابتني في كتفيَّ وذراعيَّ، فنهضت وذهبت إلى الشاطئ حيث قمت بنزهة قصيرة وبعدها نزلت إلى المدينة واصطحبت معي فخري معلوف إلى السينما حيث فرَّجت عن أعصابي بمشاهدة الأخبار وفصل هزلي ورواية “المفاجأة الأخيرة” أو “خليج المقدَّر” من تمثيل أنّا بلاَّ. ولما عدت إلى البيت وجدت الأستاذين مصطفى فرّوخ الفنان الدهّان وأخاه الدكتور عمر فروخ القادم حديثاً من ألمانية وشخص من عائلة العيتاني. فقدَّم لي الفنان صورة بالألوان المائية من شغله لعرزالي وهي صورة بديعة وفّق فيها الدهان إلى إبراز فكرة موحية وجلسنا نتحدث وأجيب على أسئلة الدكتور فروخ عن الفكرة السوريّة والقومية السورية والعروبة وغير ذلك من الأحاديث والأسئلة. وكنت كلّ الوقت متجلِّداً لا يشعر أحد بتعب أعصابي. ونمت عند منتصف الليل. وهذه صورة واحدة من صور حياتي التي تعرفين بعضها.
راقتني جداً تحيتك اللطيفة وأحببت مظهرك بالعقد والقبعة. ولا شك في أن هذه الصورة أقرب إلى تمثيل طبيعتك من الصورة الأخرى التي هي بدورها تمثل لمحة أخرى منكِ.
قد حاكت لي السيدة معلوف كنزة أرتديها. أما سفري فلا تزال تعوقه أمور لا بد من تصريفها قبل السفر، وكان تطهير الحزب وتصفية مسائل جزئية كثير من أهمِّها.
أما أعصابي فإنها قد ارتاحت اليوم. وكم تمنَّيتُ أمس لو كنتِ هنا، إذن لآويتُ إليك وطرحت أعبائي جانباً ولو فترة قصيرة.
لقد قلت في كتاب سابق أني اشعر أن حياتي تكوِّن تضحيات في تضحيات. هذا شعوري منذ زمان. ولكن سورية يجب أن تحيا وتنهض وفي سبيل حياة سورية يهون كل شيء.
سلامي للجميع ولكِ حبي
(التوقيع)
في 14 يناير 1938