بيان الزعيم إلى القوميين الاجتماعيين والأمة السورية
ايها القوميون الاجتماعيون،
قد انجلت الأمور أخيراً من تصريحات الحكوميين ومما نشرته الصحف، وتبين أنّ تدابير الحكومة ضد الحزب القومي الاجتماعي التي اتخذت شكلاً مريباً مداهماً، وكانت مقرَّرة في السر لم تكن بقصد التدخل في حادث التهجم الطائفي في الجميزة على نحو عشرة رفقاء وخمسة كتّاب في مطبعة الجيل الجديد، بل كانت بقصد انتهاز حادث الجميزة لشن حملة حكومية واسعة على الحزب القومي الاجتماعي، لأنّ التقارير السرية التي كانت ترد الحكومة من عمالها المحدودي الفكر عن أعمال الحزب القومي الاجتماعي، جعلت الحكومة في حالة قلق وارتياع.
إنّ تقارير مراقبينا نحن كانت تطلعنا على مدى خوف الحكومة المتعاظم بعد حادث قلب الجيش الحكومة في الشام، تلك الحكومة التي كان التحالف بينها وبين حكومة لبنان من أعظم دواعي اطمئنان الحكومة اللبنانية في الماضي، وكنا نعلم أنّ الحكومة اللبنانية مضطربة لاطّراد نمو الحزب القومي الاجتماعي وتعاظم قوّته السياسية التي لم يظهر منها في معركة انتخابات المختارين سوى قبس ضئيل، وأنها توجس منه خيفة بدافع شعورها بحالتها الداخلية المضعضعة، وبعدم وجود أي أساس شعبي تستند إليه وبأنّ الحزب القومي الاجتماعي هو الحزب الذي يملك من الشعب صميمه لأنه حزب الأمة المعبّر عن قضية الشعب ومصالحه الذي يسير بالأمة السورية إلى أهدافها العظمى. ولكننا كنا نستبعد أن يصل الوجل بالحكومة إلى حد الإقدام على مهاجمة الحزب القومي الاجتماعي مهاجمة رعناء طائشة بدافع الخوف الذي تحركه التقارير السرية المحشوة بالجهل والتقديرات الفقيرة التي كانت ترد الحكومة من عمالها المرتزقين. كما نعتقد أنّ الحكومة ستتحاشى على الأقل هذه الفضيحة!
أيها القوميون الاجتماعيون،
إنّ الحكومة اللبنانية قد ضربت الحزب القومي الاجتماعي ضربة الخائف، بكل الزخم الذي يدفعه الخوف وبكل الأغلاط التي يمليها الخوف، متحينة فرصة حادث هجوم الطائفيين الدنيء على عشرة رفقاء وخمسة منشئين في مطبعة الجيل الجديد لتسير، تحت ستار التحقيق والاحتياط ضد عواقب الحادث المذكور، إلى مداهمة منزلي ومحاولة أسري وأسر المعاونين والرفقاء الذين توافدوا ليأخذوا الأخبار الصحيحة عن حادث اعتداء جمهور طائفي كبير على عدد قليل من الرفقاء القوميين الاجتماعيين وإلى أسر المسؤولين القوميين الاجتماعيين الفرعيين في مناطق الإدارة القومية الاجتماعية، فوجهت قوات الجيش والدرك والشرطة بأسلحتها الكاملة معززة بالمصفحات إلى رأس بيروت وإلى الشوف والمتن، وأوعزت إلى قواتها في الجنوب والشمال والبقاع بأخذ الحيطة وتعقب القوميين الاجتماعيين، وتمكنت بهذه الخطة التحريكية الممتازة من القبض على نحو مئة وخمسين رفيقاً قومياً اجتماعياً في الليلة الأولى، وتابعت الاعتقالات في الأيام التالية حتى بلغ عدد الأسرى ما يقارب الخمس مئة قومي اجتماعي أودعوا سجون الرمل والقلعة وبعبدا وغيرها. وغنمت قوات الحكومة في حملتها هذه العاصفة عدداً قليلاً من المسدسات والقنابل اليدوية.
أيتها الأمة السورية،
إنّ حملة الحكومة المسلحة على الحزب القومي الاجتماعي لم تصب أهدافاً ذات بال، فقوة الحزب القومي الاجتماعي لا تزال سليمة كلها، وإذا أزلنا الضوضاء الصحفية وضجيج السيارات التي تقلّ الجنود في شوارع بيروت وطرقات لبنان، فالنتائج التي وصلت إليها الحكومة في هجومها الأرعن هي لمصلحة الحزب القومي الاجتماعي لا لمصلحة الحكومة. ولا شك عندي في أنّ الحكومة رممت من وراء حملتها الفجائية إلى هدف ثانٍ هو إنقاذ معنوياتها المحطمة بعد خزي فلسطين وعار الهدنة والاتفاق مع اليهود، بل هي أرادت بواسطة تحريك الجيش ضد الحزب القومي الاجتماعي، شغل الرأي العام بهذه المعركة التي أقحمت الحكومة نفسها فيها عن الاتفاقية التجارية الاقتصادية التي أرادت الحكومة عقدها مع دولة اليهود التي تهدد الدول السورية جميعها وفي صدرها دولة لبنان بالاجتياح والتسلط اليهودي. ويظهر أنّ الحكومة والتشكيلة الطائفية المدعوة “الكتائب” والكتلة الطائفية الأخرى المدعوة “الوطنية” قد استاءت من تصريح الزعيم في اجتماع برج البراجنة أنّ الحزب القومي الاجتماعي يعدّ جيشاً لاسترجاع فلسطين، فلم يبقَ أمامها غير إعلان الحرب على الحزب القومي الاجتماعي إرضاءً لليهود.
مرحى بانضمام “الكتلة الوطنية” الإدّية إلى التشكيلة الطائفية الكتائبية الطلائعية في محاولة أخيرة للحزبية الدينية في لبنان لإيقاف تيار النهوض القومي الاجتماعي. إنها المحاولة الأخيرة للتغرير بالطائفية المارونية في تكتل انعزالي طائفي مخالف للروح السورية القومية الأصيلة التي مثلها نوابغ سوريون من الطائفة المارونية أمثال جبران خليل جبران المنادي بوجوب المحافظة على الوحدة السورية، وسليمان البستاني الذي قضى حنيناً إلى أرض سورية، والمطران [يوسف] الدبس الذي ألّف تاريخ سورية. إنّ الموارنة قد استفاقوا لنداء الوعي القومي ونبذوا التكتلات الطائفية التي تعزلهم عن العمل القومي الخالد وهم لن يشتروا أحداً من سياسيي الطائفية ولا كل السياسيين الطائفيين بجبران خليل أو سليمان البستاني أو المطران الدبس. إنّ السياسيين الطائفيين لا يمثّلون روح الموارنة القومية المدنية.
مرحى للتكتل الطائفي يجمع جموعه ويضمها إلى تعسف الحكومة التي تخبط على غير هدى! لقد صرحت مراراً وأعيد التصريح أنه لن يعجز الحزب القومي الاجتماعي عن تحالف الحكوميين الخصوصيين والسياسيين الطائفيين! إنّ الحركة القومية الاجتماعية ستسحق السياسة الخصوصية وستستأصل الحزبية الدينية من جذورها!
أيها القوميون الاجتماعيون،
إنها لألاعيب صبيانية أن يظهر رئيس الحكومة في اليوم التالي لبدء الحملة العسكرية على الحزب القومي الاجتماعي يتفقد بعض شوارع العاصمة تحت حماية الحملة العسكرية ووجهه يحمل ابتسامة فوز سابقة لأوانها. إنّ هذا المظهر لا ينقذ معنويات الحكومة بل يزيدها انحطاطاً. إنّ الذين باؤوا بالخزى أمام اليهود لا يمكنهم أن ينقذوا معنوياتهم بإنزال الجيش عن رتبة الشرف في صيانة الأمة والوطن من الأعداء، وتحويله إلى نوع من “وجاق الإنكشارية”. إنني واثق من أنّ روح الجنود المأمورين بالسير ضد نهضة أمتهم تتألم جداً للدور المخزي الذي يجر الجيش إليه جراً!
إني أعلن لهؤلاء الجنود أنّ العهد القومي الاجتماعي سينقذهم من هذه الأدوار الزرية التي تهين الشرف العسكري!
أيها القوميون الاجتماعيون،
إنّ الحزب القومي الاجتماعي قوي جداً وهو في هذه الساعة أقوى منه في أية ساعة سابقة. فالنفوس مضطرمة وكل فرد في الحزب يتوق إلى الساعة التي يبذل فيها حياته ليحيا جنسه السوري في العز، ولتنتصر قضيته وليسحق الظلم الذي يذل شعبه.
أما الحكومة اللبنانية فهي ضعيفة وليس لها ما تستند إليه غير النظام العسكري الذي يوجب على الجندي الطاعة للأوامر العليا. ولكن الجنود يعرفون أنّ للأوامر وجهة واحدة هي حماية الشعب الذي يخرج منه الجيش، لا ضرب هذا الشعب. وسيرفض الضباط والجنود أن يستخدمهم أصحاب الغايات الخصوصية لإطلاق رصاصهم على الشعب.
إنّ الحكومة اللبنانية جادَّة في محاربة الحزب القومي الاجتماعي الذي رفضت الحكومة موقفه السلمي لخوفها منه ولعدم ثقتها بنفسها وبموقفها، والحزب القومي الاجتماعي سيجد في محاربة حكومة أفلست في جميع القضايا الداخلية والخارجية وآن لرجالها أن ينزلوا عن كراسٍ لم تصب الأمة بأدهى مما أصيبت به بطول جلوسهم عليها!
إنّ حكومة جرّت الشعب إلى العار والدمار كان أولى بها أن تتجنب الحرب، ولكنها لجنونها طلبت الحرب. فليكن لها ما تريد!
في هذه الحرب التي أعلنتها الحكومة اللبنانية دائسة أقدس مبادىء الحياة القومية، أتقدم بعرض واحد عليها هو: أن تسلّم إليّ ربع كمية السلاح الذي تملكه الحكومة برسم الجيش فقط، وأن تبيح الحرية للضباط والجنود أن يختاروا محاربة الحزب القومي الاجتماعي أو عدم محاربته، وأن تختار يوماً ومكاناً لمعركة واحدة فاصلة بين قوة الحزب القومي الاجتماعي وقوة الحكومة وحلفائها الطائفيين.
إني أقدم للحكومة اللبنانية هذه الفرصة الوحيدة لإظهار قوّتها وبطشها ومقدرتها على سحق الحزب القومي الاجتماعي. وإذا تواضعت الحكومة وقبلت النظر في عرضي هذا الحائز جميع شروط الأفضلية للحكومة، أو قبلت نصحي المخلص لها، فإني أنصحها بقبول العرض فوراً وتعيين وكلائها للاتفاق مع وكلائي على مكان المنازلة وزمانها. وإذا شاءت الحكومة اللبنانية التنازل وقبول عرضي فإني أطمئنها أنه لن يكون في شروطي طلب إخلاء سبيل أحد من الأسرى القوميين الاجتماعيين الموجودين الآن في الأسر، والذين يحتمل أن تأسرهم قواتها قبل إمضاء الاتفاقية المقترحة!
لتثق الحكومة اللبنانية أني لا أقصد التغرير بها ولا حملها على قبول ما تكره، بل أقصد صيانة هيبتها التي خرقتها بيدها!
إنها فرصة وحيدة أقدمها للحكومة اللبنانية للاتفاق!
قد دعت الحكومة اللبنانية الحزب القومي الاجتماعي إلى امتحان قوّتها بقوّته، والحزب القومي الاجتماعي لن يرفض الدعوة!
كان الاحتلال الفرنسي صاحب الفضل في إزاحة الستار عن نشوء الحركة السورية القومية الاجتماعية، وستكون الحكومة اللبنانية صاحبة الفضل في إزاحة الستار عن انتصار هذه الحركة الانتصار الكامل!
إننا سنحفظ للحكومة اللبنانية هذا الفضل عند الحساب!
بيروت في 16 حزيران/ يونيو 1949
أنطون سعاده