خطاب الزعيم في بيت مري 19/10/1947
أيها القوميون الاجتماعيون،
أيها المواطنون،
كنا من نحو خمس عشرة سنة دخلنا المعركة الأولى. وقد استمرت هذه المعركة كل الخمس عشرة سنة التي مرت على إنشاء الحزب القومي الاجتماعي إلى اليوم.
هذه المعركة هي معركة الوصول إلى مخاطبة الشعب، إلى عقل الشعب وقلبه، دارت بيننا وبين الذين أرادوا أن لا تصل المفاهيم القومية الاجتماعية إلى قلب الشعب، وعقله. وفي ختام الخمس عشرة سنة، التي دامت فيها هذه المعركة، نقدر أن نقول اليوم إننا قد ربحناها ربحاً نهائيًّا وانتصرنا على القوى المانعة لنا من الوصول إلى الشعب، الانتصار الفاصل. (هتاف وتصفيق).
معركة طويلة جدًّا، شاقة جدًّا، استغرقت من المجهود والآلام ما لو كان في غير سبيلها، بعد إجماع الشعب على المبادئ القومية الاجتماعية، لكنّا اليوم اجتزنا الطريق التي تقود هذه الأمة إلى مراكز المجد، إلى الخير، إلى البحبوحة، إلى العظمة، إلى إعطاء العالم من إنتاجها العظيم، ولكنّا اجتزنا من الطريق مراحل، وكنا اليوم على غير الحالة التعيسة التي نحن فيها بصفة كوننا أمة.
كان العمل شاقًّا ولكن لم يكن بد منه، وكانت المعركة عنيفة ولكن لم يكن غنى عنها، لأن الرجعة ومفاسد الاجتماع والاقتصاد المتغلغلة في أوساط شعبنا والتي استمرت في تغلغلها قروناً طويلة يغذيها سلطان المستعمر الفاتح، كانت كبيرة واسعة عنيدة، وكانت المعركة للتغلب عليها معركة لا غنى عنها.
في هذه الخمس عشرة سنة حوربنا بأسلحة متعددة متنوعة، حوربنا بإيهام الشعب بالقول مثلاً لسكان جبل لبنان وخاصة المسيحيين منهم: إنّ أنطون سعاده رجل يريد أن يأخذ المسيحيين ليضعهم تحت حكم المحمديين. وبالقول إن العقيدة القومية الاجتماعية التي اتى بها أنطون سعاده تفيد المسيحيين أكثر وتجعل الدولة في أيديهم.
حوربنا أيضاً بأشكال كثيرة منها هذا: إنّ أنطون سعاده رجل مفكر ويكتب ولكنه ليس رجلاً سياسيًّا، لا يحسن السياسة!
أيها القوميون الاجتماعيون،
أنتم تعرفون أنّ النظام الذي نسعى لإقامته لا يحكم فيه محمدي مسيحيًّا ودرزيًّا، أو درزي محمديًّا ومسيحيًّا، أومسيحي محمديًّا ودرزيًّا، بل يتولى الحكم في قوميون اجتماعيون من الأمة وللأمة. (تصفيق شديد).
أما السياسة، سياسة الثعلبة، سياسة الغايات الخصوصية، سياسة النفاق والزندقة، سياسة تجويع الشعب، وتعليله بالقول إنّ الخبز يبلغه غداً ولن يُأتى به، هي سياسة رفضتها، ولست سياسيًّا من هذا النوع!
إنّ سياسة الاستهزاء بأماني الشعب وآماله واحتقار الأمة، ودوس يقينه ورجاله والمرور عليهما إلى الغايات الشخصية والمرامي الخصوصية، هي سياسة أحتقرها.
إنّ السياسة الواحدة الوحيدة التي أعرفها هي سياسة الحق والصراحة لهذا الشعب، وهي سياسة تعليمه وإفهامه حقيقة وضعه، حقيقة داخليته، وحقيقة القوى الكامنة في نفسه ليرتقي إلى المجد الذي يستحق الوصول إليه (تصفيق وهتاف شديدان).
ومن الأسلحة أيضاً سلاح فقدان الثقة بالنفس وبمواهب هذا الشعب، حتى بلغ ببعض السياسيين أن قال لي: إذا تمكنت أن تجمع حولك عشرة أشخاص على مبدأ من هذا النوع ومن مختلف الطوائف أتيت عجيبة في هذه البلاد. وبعد أن صارت العشرة عشرات والعشرات مئات والمئات ألوفاً، من جميع الطوائف والممل والنحل والفئات لا نزال نسمع في بعض الدوائر من يقول: مستحيل أن تتحقق المبادئ التي يقول بها أنطون سعاده.
بعد أن صارت هذه المبادئ حقيقة فاعلة في نفوس ألوف الألوف نسمع من يقول لا نصدق. وكيف يمكن للذي يضع عصابة على عينيه أن يرى ويقول إنّ الشيء موجود؟ كيف يمكن أن نُقنع من يضع عصابة على عينيه بأن ألوفاً وألوفاً من هذا الشعب قد تركوا أن يكونوا في القضايا القومية والإنسانية، محمديين ومسيحيين ودروزاً ليصيروا قوميين اجتماعيين إخواناً في أمة عظيمة تسير إلى المجد؟
يمكن أن نقنعهم بطريقة واحدة أن نأتي ونرفع العصائب عن أعينهم، وأن نرفع كل حجاب بينهم وبين الحقيقة. وقد مزّقنا كثيراً من هذه الحجب حتى اليوم، والبقية ستسقط حتماً إن لم يكن غداً فبعد غد (تصفيق).
إنّ من أصعب الأعمال للمصلح أن يحاول إصلاح من يقوم كل ساعة يقاتله ممانعاً في الإصلاح.
يقولون إننا نحن على ضلال، فهل التعاسة التي يشقون فيها والأساليب والعقلية التي يحيون بها هي النعيم الذي يريدون؟ نحن على ضلال وهم على صواب والحالة تعاسة وشقاء فكيف يوفقون بين هذين النقيضين؟
نحن على ضلال وهم على صواب، الأنظمة القائمة والحالة الراهنة ليست من صُنعنا بل من صُنع التعاليم التي يقولون بها هم، فلماذا لا يوصلون الشعب إلى النعيم ما دمنا نحن الضالين وهم المهتدين!
حالة يئن منها شعب بكاملة وأمة بأسرها، ولا إنقاذ لهذه الأمة من الحالة إلا بهذه المبادئ القومية الاجتماعية الوحيدة الآخذة في إنقاذ الشعب من الحزبيات الدينية، من الطائفيات، من تأثير الدول على هذه الحزبيات والطائفيات، من الأحقاد المتغلغلة في الصدور، بهذه المبادئ التي جعلت من هذه الطوائف شعباً واحداً، أمة واحدة، إرادة واحدة متى اجتمع الشعب عليها واستيقظ لمواهبه والقوة التي تدلّه عليها القومية الاجتماعية، سار إلى المجد، وكان في سيره القضاء والقدر!
من الآن وصاعداً سنحاول بكل الطرق والوسائل إفهام الشعب حقيقة أسباب تأخره، حقيقة أسباب انحطاط الأمة، وعلة شقائها وسنريه طريق الحياة الجديدة في نظام جديد يحرر النفوس من الأغلال الاقتصادية والروحية ويزيل هذه الحالة التي يقف فيها أبناء الأمة بعضم ضد بعض، ليقفوا متساندين ضد كل قوة أجنبية تحاول استعباد الشعب بألف حيلة وحيلة.
وإنّ حيلة استعباد الشعب ليست فقط الاحتلال العسكري بحجة الحماية بل أيضاً الاحتلال، بطرق وأشكال وأساليب يخضع بواسطتها الشعب إخضاعاً للمطامع الأجنبية المسيطرة عليه من وراء الستائر.
المصالح الأجنبية لا تزال متغلغلة في كل بقعة من وطننا. قد زال الاحتلال العسكري ولكن الاحتلال الاقتصادي والستراتيجي لا يزال قائماً. وإذا كان غيرنا يقنع به، حدًّا أخيراً للاستقلال فنحن القوميين الاجتماعيين لسنا قانعين بهذه الحالة الزرية.
وإنّ من تعس هذه الحالة لنا أن إذا كان لنا جيش مسلح، وكانت لنا رايات وألوية، فنحن في هذه الحالة لا نرى أية قيمة من المجد أو أية غاية مجيدة نتجه إليها بهذا الجيش. إذا كان لنا جيش مسلح وليس له غاية عظيمة لكأنه ليس لنا جيش وليس لنا سلاح (تصفيق).
نحن لسنا ما علّمنا الأجنبي طوال أزمنة كثيرة. نحن لسنا أمة حقيرة قليلة العدد، فقيرة الموارد، معدومة الوسائل. نحن أمة قوية عظيمة: قوية بمواهبها غنية بمواردها، نشيطة بروحها، ولكنها كانت متخاذلة منقسمة بعضها على بعض ولذلك كانت في حالة ضعف، ولكن وقد وحّدتها المبادئ القومية الاجتماعية فهي لم تعد ضعيفة بل هي هذه الأمة التي تجمع قوّتها وتنمو وتتحفز للوثوب لانتزاع الحقوق، ولتبوء مراكز المجد الجديرة بها (تصفيق).
الإخاء القومي الاجتماعي قد أصبح حقيقة راهنة، وقد تحمّلنا في سبيل إيجاد هذا الإخاء الحقيقي، كل الاضطهادات والآلام، وانتصرنا حتى الآن، بالاضطهادات والآلام، ولكننا نعلن أنّ عهد الاضطهادات والآلام قد انتهى وأنّ انتصارهذه الأمة سيكون حتما، ليس فقط يتحمّل الاضطهادات والآلام، بل بكل الطرق المؤدية إلى النصر.
إننا لا نطلب شيئاًَ لأشخاصنا. لو كنت أطلب شيئاً لنفسي لكنت سياسيًّا لبقاً كما يريد الذين يدوسون الشعب بأقدامهم، ويعطونه من ألسنتهم حلاوة. لو كنت أطلب لنفسي لكنت سلكت غير هذا السبيل، كنت سلكت سبيل أن أكون مارونيًّا مع الموارنة، أرثوذكسيًّا مع الأرثوذكس، يعقوبيًّا مع اليعاقبة، سنيًّا مع السنّيين، درزيًّا مع الدروز، شيعيًّا مع الشيعيين، علويًّا مع العلويين، إسماعيليًّا مع الإسماعيليين. وإني واثق من أني كنت اكتسبت صداقات كثيرة ولكني رفضت هذه الصداقات عن وعي وعن عقيدة. لم أتركها جاهلاً بل عارفاً. لأني أردت ليس لنفسي، بل اردت للأمة. اردت لهذه الأمة أن تعرف حالها وسرت في تحقيق إرادتي غير آبه لمن قام يرميني بالنار، لأني اردت إنقاذ الأمة وتحقيق مجدها (تصفيق وهتاف شديدان).
السياسة، أيها القوميون الاجتماعيون، تختلف في عُرفنا عنها في عُرف الآخرين. نحن لا نتاجر بالمبادئ ولا بالصداقات ولا نخلف الوعد ولا نستهزئ بأماني الشعب ولا نحتقر حاجاته ورغباته. نحن نؤمن بحقيقة الشعب، ونعمل لحقيقة الشعب. نحن نقدّس آلام الشعب ونبذل نفوسنا فداء للشعب. نحن لا نستهزئ، ولا ندوس أماني الشعب بأقدامنا، بل نرفعها على هامنا ونبذل دماءنا ونفوسنا في سبيل تحقيق أماني الشعب (تصفيق شديد).
هذا هو المفهوم السياسي في الحزب القومي الاجتماعي. وإذا كان هنالك من يقول إنّ السياسة غير هذا، فله سياسته ولنا سياستنا.
بهذه السياسة قد حققنا أساس الوحدة القومية. وبهذه السياسة سننتصر على كل العراقيل والعقبات المقبلة كما انتصرنا على العقبات الماضية. بهذه السياسة نعلن أنه قد مشت صفوف الزوبعة وأن لا مردّ لمسيرها. (تصفيق وهتاف شديدان طويلان).
وكاد يفوتني أن أهنّئ شخصيًّا القوميين الاجتماعيين في بيت مري وبرمانا وكل هذه المنطقة، وأن أشكر أيضاً الأهلين الذين في قرارة نفوسهم أدركوا، من وراء حجب كثيرة من التضليل والدعاوات، أنّ الحزب القومي الاجتماعي ليس لنفسه بل للأمة كلها.
الشمس، بيروت،
العدد 299، 26/10/1947