رجم الهري… شاهد على أسرار الجولان المدفونة
ربما هو الموقع الأثري الأكثر غموضًا إلى حدّ الآن في أمتنا. رُجُم الهري، هو مجموعة تلال صخرية صغيرة، أو أكمة (تسمّى بالرجم)، تحيط بها خمسة جدران متحدة المركز، تَرسم عندما يُنظر إليها عن بُعد شكلًا هندسيًّا شديد التميّز.
يقع هذا المعلم المذهل في الجولان المحتلّ، على بعد حوالي 16 كيلومترًا إلى الشرق من الشاطئ الشمالي لبحيرة طبريا. يرجّح أنّه يعود إلى العصر البرونزي أي عمره ما يزيد عن ال3500 سنة ويوازي بأهميّته أهرامات مصر، آثار حضارات المايا والأزتك كما الستونهنج (معلم أثري صخري من عصور ما قبل التاريخ يقع في المملكة البريطانية المتحدة).
حجم الموقع هائل، إذ يبلغ قطر الجدران الخارجية حوالي ال155 مترًا؛ بنّاؤوا الرجم تمكّنوا من إحضار 42000 طن من الحجارة البازلتية صنعوا منها واحدًا من أروع النّصب الحجرية في سورية، وأقلّها شهرةً.
الجانب الأكثر تميّزًا في هذا الموقع هو تعدّد النظريات حول استعمالاته، ففي الوسط ما كان على الأرجح مدفنًا أو موقعًا يوضع فيه الموتى، أيضًا قد يكون ساحة للاحتفالات أو مخزنًا كبيرًا. لكن النظرية الأكثر منطقية هو أنّه كان مركزًا للرصد الفلكي وأداةً للتقويم، ممّا يلفت نظرنا على طليعيّة الشعب السوري في مجال الاهتمام بالعلوم الفلكيّة كما يؤكّد على أنّ انبهار وتعلّق الإنسان بالسماء والنجوم أمرٌ يخترق الأزمان والحضارات. دراسة هذا النوع من المواقع ومظاهرها الفلكية أصبح حديثًا اختصاصًا علميًّا يعرف بال Archeoastronomy، وقد تمّ اكتشاف الكثير من الصروح المجهولة المصدر تتضمن معطيات فلكية حسابيّة دقيقة.
التخطيطات بين المركز الهندسي للمجمّع والبوابة الشمالية الشرقية تعتبر علامة محتملة للانقلاب الصيفي في حزيران، بينما تعتبر التخطيطات بين المركز الهندسي والبوابة الجنوبية الشرقية علامة محتملة للانقلاب الشتوي في كانون الأول. أما الصخرتان الكبيرتان في القسم الشرقي للمجمع هما علامة محتملة للاعتدالين الربيعي والخريفي، ويُطلق عليهما اسم “أحجار الاعتدال”.
الأمر الأكثر جدلية الذي يحيط بالموقع، هو أنّه عندما لاحظ أحد العلماء المختصّين نمو بعض النباتات بطول يفوق حجمها الطبيعي بعدّة أضعاف، قرّر قياس مستويات الطاقة الحيوية (مقياس Bovis)، وبالفعل كانت النتائج مرتفعة أكثر من المتوقع، الأمر الذي قد يكون سببه شكل الموقع وطريقة بنائه بصورة تسهل انجراف الطاقة وتمحورها حول مكان الرجم.